يبدو أنّ الصراع الحاصل داخل الأراضي الفلسطينية بسبب الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، للقضاء على الفصائل الفلسطينية المختلفة وعلى رأسها حركة "حماس"، قاب قوسَين من التوسع وخروجه عن السيطرة داخل منطقة الشرق الأوسط المدجّجة أساسًا بالنزاعات والصراعات.فمع ازدياد وتيرة الحرب على غزة وتصاعد العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي، ورغبته في التوغل البرّي أكثر فأكثر، بدأ الصراع يتوسع شيئًا فشيئًا على مختلف الجبهات المناهضة لإسرائيل، وذلك بدءًا من الجنوب اللبناني حيث "حزب الله" الذي دخل على خط الصراع وقام باستهداف مواقع عسكرية إسرائيلية، مرورًا بمحاولات ضرب مواقع عسكرية من العمق السوري، وانتهاءً بدخول "الحوثيّين" بشكل قويّ في الصراع الدائر، وذلك عبر استهداف مدن إسرائيلية مطلة على البحر الأحمر بصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة.احتجاز سفينة إسرائيليةدخول "الحوثيّين" على خط الصراع لم يقف عند حدّ إطلاق المسيّرات على المدن الإسرائيلية فحسب، بل وصل الأمر لما هو أبعد من ذلك، خصوصًا بعد إعلانهم الأحد عن احتجاز "سفينة شحن إسرائيلية" في البحر الأحمر، واقتيادها إلى السواحل اليمنية، حيث قال المتحدث العسكري لـ"الحوثيّين" يحيى سريع، إنّ "القوات المسلحة اليمنية تجدد تحذيرها للسفن التابعة للعدو الإسرائيلي، أو التي تتعامل معه بأنها سوف تصبح هدفًا مشروعًا للقوات المسلحة"، وأضاف قائلا: "نهيب كل الدول التي يعمل رعاياها في البحرِ الأحمرِ، بالابتعاد عن أيّ عمل أو نشاط مع السفن الإسرائيلية أو السفن المملوكة لإسرائيليّين".وأكد المتحدث أنّ عمليات "الحوثيّين" تستهدف السفن الإسرائيلية والمملوكة لإسرائيليّين فحسب، وأنها ستستمر في تنفيذ عملياتها ضدّ إسرائيل "حتى يتوقف العدوان على قطاع غزة"، حسبما جاء على لسانه.الجانب الإسرائيليّ لم يصمت كثيرًا تجاه ما حدث، وسارع إلى التأكيد على أنّ السفينة ليست مملوكة لإسرائيليّين وليس من بين طاقمها إسرائيليون، لكنها مملوكة لبريطانيّين ويديرها يابانيون، ووصفت إسرائيل الحادث بأنه "عمل إرهابيّ إيراني" ستكون له تداعيات على الأمن البحريّ الدولي.من جانبها، نفت الخارجية الإيرانية الاتهامات الإسرائيلية، معتبرة إيّاها "فارغة وتنجم عن الظروف المعقّدة التي تواجهها إسرائيل".سيطرة "الحوثيّين" على السفينة أيا كانت جنسيّتها بهذا الشكل، أحدث مخاوف إقليمية ودولية عديدة حول مستقبل إمدادات التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الأحمر ومن ثم باب المندب.تشتيت القدرات العسكرية الإسرائيليةوفي خضمّ هذا التطور، أوضح المحلل السياسي اليمني الدكتور عبد الكريم الأنسي في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنّ "عملية اختطاف السفينة من قبل "الحوثيّين" لم تكن مفاجئة على الإطلاق، وذلك بعد تهديدها قبل أيام، بأنّ كل الأهداف الإسرائيلية حقّ مشروع لضربها واستهدافها، وذلك من أجل تشتيت القدرات الإسرائيلية لتخفيف الضغط على الفلسطينيّين داخل قطاع غزة".ويرى عبد الكريم أنّ منطقة البحر الأحمر "ربما تكون محورًا لمواجهات أخرى مقبلة من قبل الحوثيّين"، موضحًا أنّ هناك "تحركات في هذه المسافة، وسبق أن أطلق "الحوثيون" صواريخ باتجاه ميناء ومدينة إيلات الإسرائيلية المطلّة على البحر الأحمر".اتّساع دائرة الصراعوفي الوقت نفسه، حذّر المحلّل السياسيّ اليمني، أنّ اتساع دائرة الصراع نتيجة للحرب الإسرائيلية، أوشك على الاقتراب داخل المنطقة، موضحًا أنّ "ما حدث من عملية اختطاف السفينة هو تحفيز على اتّساع نقطة الصراع، ويبرهن وبشكل جدّي على هذا الطرح"، وطالب الولايات المتحدة بسرعة التدخل والضغط على الجانب الإسرائيلي لإنهاء هذه الحرب، لأنه "إن لم تقُم أميركا بهذا الأمر، ستدخل المنطقة في نزاعات جديدة ولا يستطيع أحد السيطرة عليها".ولم يتفق خبير الملاحة البحرية الدكتور أحمد الشامي مع الطرح الذي تحدّث به المحلل السياسيّ اليمنيّ عبد الكريم الأنسي، من أنّ "إقدام "الحوثيّين" على اختطاف السفينة سيعمل على تخفيف وطأة الحرب الدائرة في غزة"، حيث أكد الخبير الملاحيّ أنّ ما حدث يمثّل "نوعًا من المناوشات ليس أكثر"، ولن تؤثر عملية اختطاف السفينة على الحرب الإسرائيلية، بل إنّ "الاستيلاء على سفينة تجارية لا يدعم القضية الفلسطينية، بل قد يُسهم هذا الأمر في تفاقم المَشهد أكثر، لأنّ ردود الفعل الدولية باعتبار "الحوثيين" قراصنة، ستتجه إلى حماية الممرّات وقد تسعى للسيطرة على مضيق باب المندب، وهذا بكل تأكيد يسيء للمنطقة"، مشيرًا إلى أنّ "إيران متورّطة بشكل كبير في هذه العملية".لا تأثير على أسعار النفطوبحسب خبير الملاحة البحرية فإنّ مضيق باب المندب يعدّ من أهمّ المواقع السيادية في اليمن، حيث يمر عبره نحو 6.2 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام والمشتقات النفطية، إضافة إلى أكثر من 30% من التجارة العالمية للغاز الطبيعي، ناهيك عن أكثر من 10% من إجماليّ التجارة العالمية، مؤكدًا في الوقت ذاته أنّ "خطف السفينة لن يكون له أيّ تأثيرات بأيّ شكل من الأشكال على التجارة العالمية في البحر الأحمر، وخصوصًا تجارة النفط"، نافيًا وجود أيّ زيادة في أسعار النفط نتيجة لعملية خطف السفينة، لأنها لا تمثّل أيّ قيمة لتجارة النفط.أين دور أميركا في البحر الأحمر؟الشامي قلّل من عملية اختطاف "الحوثيّين" للسفينة التجارية، مؤكدًا أنّ "ما يحدث قد لا يخرج عن إطار مسرحيات مصطنعة، خصوصًا في ظلّ وجود العديد من القطع البحرية العسكرية التابعة للولايات المتحدة في منطقة البحر الأحمر، لحماية مصالحها ومصالح شركائها"، متسائلا: "أين كانت القطع البحرية الأميركية وقت اختطاف السفينة، ولماذا لم تتحرك لحمايتها وأين كانت حين قام الحوثيون باستهداف المدن الإسرائيليّة المطلة على البحر الأحمر؟"، وتوقّع الشامي أن "يتمّ الإفراج عن هذه السفينة خلال الأيام القليلة المقبلة، نظرًا لعدم أهميّتها بالنسبة للحوثيّين".من جهته، أكد أستاذ العلوم السياسية الفلسطينيّ أيمن الرقب، على ضرورة ما أطلق عليه "فتح جبهات أخرى ضدّ إسرائيل"، وذلك للعمل على تخفيف حدّة الانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون في قطاع غزة، موضحًا أنّ "عملية خطف السفينة ستعمل على تشتيت الجانب الإسرائيليّ في قضايا أخرى"، مؤكدًا أهمية حدوث ذلك في هذا التوقيت الحرج الذي تمر به القضية الفلسطينية.وكانت جماعة "الحوثيّين" قد أعلنت أمس الأحد عن اختطاف سفينة شحن إسرائيلية في منطقة جنوب البحر الأحمر، بعد أيام قليلة من تهديدات أطلقوها من أنّ أيّ سفينة إسرائيلية أو مملوكة لإسرائيليّين، ستكون هدفًا مشروعًا لهم.(المشهد)