موجة عاتية من رياح الرفض المصري المدعوم عربيًا ما تزال قائمة لمواجهة مخططات الرئيس الأميركي المنتخب حديثًا دونالد ترامب بشأن غزة وأهلها، التي باتت توصف من قبل أوساط إقليمية ودولية، بـ"غير المعقولة"، ولعل من أبرزها قضية التهجير التي باتت تتداول على لسان ترامب أكثر من حديثه عن شؤون البيت الأبيض نفسه.وعلى الرغم من أنّ الأبواب المصرية المؤصدة في وجه ترامب ومن قبله المسؤولين الإسرائيليين بنقل أيّ فلسطيني إلى سيناء، إلا أنّ ترامب على ما يبدو يرغب في تنفيذ مخططه بأيّ طريقة كانت، والتي يجري وضع خطط لوجستية لتنفيذها من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وتجلى ذلك في إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، أنه أوعز للجيش بتحضير خطّة لتهجير سكان قطاع غزّة برًا وبحرًا وجوًا. إصرار ترامب على تمرير التهجير رغم الاعتراضات المصرية الرسمية والشعبية، أثار تساؤلات عديدة في ما يتعلق بأسباب هذا الإصرار، وعما إذا كانت هناك أوراق الضغط قد تملكها القاهرة لثني سيد البيت البيضاوي عن مخططه، الذي زاد عليه مؤخرًا بأنّ الولايات المتحدة ستتسلّم غزة من إسرائيل بعد إفراغها من ساكنيها.ترامب وسياسة الضغط الأقصى في السياق، كشف الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية الدكتور سعيد عكاشة لمنصة "المشهد"، أنّ ترامب ينتهج سياسة الضغط الأقصى بشأن أزمة غزة، وهي سياسة متنوعة تحمل في طياتها آليات سياسية وعسكرية واقتصادية ليس فقط ضد الفلسطينيين بل ضد الدول العربية وكل الأطراف التي يمكنها المساعدة على حلحلة القضية الفلسطينية.وأوضح عكاشة أنّ ترامب يتعمد طرح مشروعات وأفكار يطلق عليها في فن التفاوض بـ"غير المقبولة نهائيًا"، لكنها في الوقت ذاته تحمل بنودًا من الممكن القبول بها، وأكد أنّ هذه السياسة هي ذاتها التي استخدمها ترامب ضد إيران في ولايته الأولى داخل البيت الأبيض. وأشار عكاشة إلى أنّ ترامب طرح قضية إمكانية نقل الفلسطينيين خارج غزة على المجتمع الدولي، ونجح في وضع مصر والأردن تحت ضغوط وخطر التهجير رغم رفضهما الكامل له، لافتًا إلى أنّ ترامب ينتهج هذه السياسية حتى يستطيع أن يتفادى الضغوط المضادة لكلا البلدين في حال ما تم نقل الفلسطينيين إلى دول أخرى بعيدة عنهم، مؤكدًا أنّ هذا هو التصور الذي يفكر فيه ترامب في هذا التوقيت.تسريع إعمار غزة وفيما يتعلق بالأوراق التي تلعب بها القاهرة وتسعى إلى استخدامها في التعاطي مع جموح سياسات الإدارة الأميركية الحديثة، أوضح عكاشة أنّ إعمار غزة يعدّ من أبرز تلك الأوراق، ويتطلب ذلك العمل على تسريع وتيرة البدء في إعمار القطاع بأكبر صورة ممكنة عبر تقديم خطة شاملة في هذا الشأن، وذلك لضمان بقاء الفلسطينيين على أراضيهم بعد أن باتت مدمرة بسبب الحرب. لكنه ربط نجاح هذه الورقة بضرورة حسم القاهرة إشكالية التوافق على شكل الإعمار ومستقبل غزة ما بعد انتهاء الحرب، بالإضافة إلى بذل الكثير من الجهود من أجل توفير التمويل اللازم لهذا الإعمار. وبحسب عكاشة فإنّ مصر تحركت بالفعل خلال الأيام الماضية في المضي قدماً نحو تسريع إعادة الإعمار التي تشير إليها التقديرات الأممية أنها قد تستغرق ما بين 10 و15 عامًا، خصوصًا عقب إعادة فتح معبر رفح الحدودي بعد إغلاق دام لنحو 9 أشهر، حيث قامت بإدخال معدات ثقيلة وحفارات داخل قطاع غزة للإسهام في إصلاح الطرق ورفع الركام، وإقامة خيام وبيوت تؤوي الفلسطينيين التي تدمرت منازلهم، إضافة إلى تنفيذ برامج للتعافي المبكر.صمود الفلسطينيينوفي ظل الموقف المصري الرافض لمخططات التهجير، يرى المحلل القيادي بحركة فتح ياسر أبو سيدو أنّ هناك دورًا كبيرًا يقع على عاتق سكان غزة في تلك القضية الحاسمة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، موضحًا: الفلسطينيون يمثلون حائط الصد الأقوى في عدم تمرير هذه المخططات، فكلما كانوا متمسكين بأرضهم وديارهم سيفشل ترامب وغيره في إخراجهم من القطاع.الشعب الذي تحدى الصواريخ والقذائف وتحمل الجوع طيلة 15 شهرًا سيصمد ولن يستسلم لمخططات تهجيره،.التاريخ يؤكد أنّ محاولات التهجير القسري للشعوب من أراضيها لم تنجح في كسر إرادتها والتمسك بحقوق مشروعة. تصريحات ترامب بشأن غزة لم يقف استهجانها واستنكارها عند حدود المنطقة العربية فحسب، بل أثارت استنكارًا في كثير من عواصم بلدان العالم وحتى داخل الولايات المتحدة الأميركية نفسها، لذا طالب الخبير في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية الدكتور سعيد عكاشة، المسؤولين في مصر بضرورة استغلال التعاطف الدولي الكبير لغزة وأهلها بسبب مخططات الرئيس الأميركي، والعمل على تكثيف جهود الدبلوماسية المصرية في حشد دعم دولي عبر شركائها الأوروبيين والدوليين المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، وذلك من أجل ممارسة الضغط على حكومات تلك الدول للتصدي لأفكار ترامب المنحازة للحكومة الإسرائيلية.اتفاقية كامب ديفيد الورقة الرابحة؟ووفقاً لوكالة أسوشيتد برس فإن القاهرة أبلغت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وحلفائها في أوروبا الغربية، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا وألمانيا عبر مسؤولين بارزين، بأنّ اتفاقية السلام مع إسرائيل معرضة للخطر بسبب خطط تهجير الفلسطينيين في غزة. وفي هذا الصدد أكد عكاشة أن اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها مصر مع إسرائيل في عام 1978، تعدّ الورقة الرابحة لدى مصر في التصدي للمحاولات كافة التي ترغب في التهجير القسري للفلسطينيين، محذرًا من أنه حال أقدمت الإدارة الأميركية على تنفيذ مخططاتها في تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، فستقوم مصر على الفور بإلغاء معاهدة السلام و"ستصبح هي والعدم سواء".ترامب وانتهاك القانون الدوليوحول إمكانية محاكمة ترامب من عدمه بأطروحاته التي قدمها حول قطاع غزة، أكد المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأميركية والأوروبية للقانون الدولي الدكتور محمد مهران، أنّ التحريض على ارتكاب جرائم دولية يقع تحت طائلة القانون الدولي الجنائي، موضحًا أنّ: المحكمة الجنائية الدولية لديها الاختصاص للنظر في مثل هذه الجرائم، خصوصًا عندما تشكل جزءًا من سياسة ممنهجة لتهجير السكان، منوهًا إلى أنّ خطورة تصريحات ترامب تكمن في أنها تأتي من رئيس دولة كبرى وشخصية سياسية بارزة لها تأثيرها، ما قد يشجع على ارتكاب جرائم حرب. هذا النوع من التحريض يعدّ انتهاكًا خطيرًا للقانون الدولي الإنساني.وشدد أستاذ القانون الدولي على أنّ المجتمع الدولي مطالب باتخاذ موقف حازم تجاه تصريحات ترامب التحريضية، محذرًا من أنّ الصمت على مثل هذه الدعوات يشجع على المزيد من انتهاكات القانون الدولي. وأكد الخبير القانوني أنّ حماية المدنيين في النزاعات المسلحة التزام قانوني دولي، وأنّ أيّ دعوات للتهجير القسري أو التحريض عليه يجب أن تواجه بحزم من قبل المجتمع الدولي والمؤسسات القضائية الدولية.ولفت مهران إلى أنّ مقترح ترامب بتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط بعد تهجير سكانها ينتهك مبادئ أساسية في القانون الدولي، من أبرزها:مبادئ حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة.حق الشعوب في تقرير المصير.حظر التهجير القسري للسكان المدنيين.احترام السيادة الإقليمية للدول.وتجدر الإشارة إلى أنّ قضية تهجير الفلسطينيين إلى سيناء باتت تفرض نفسها وبقوة على المشهد المصري في الآونة الأخيرة، خصوصًا في ظل إصرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تمرير مخططه الرامي إلى إفراغ سكان غزة من ساكنيها.(القاهرة - المشهد)