يضع ارتفاع موجات الهجرة غير النظامية، منظومة الطبّ الشرعي في مستشفى الحبيب بورقيبة بمحافظة صفاقس (جنوبا) تحت الضغط، في الأيام الأخيرة. وصارت غرف الموتى غير قادرة على استيعاب العدد الكبير من جثث الغرقى التي يلفظها البحر بالجهة، وفق ما تؤكده السلطات الصحية في الجهة. وتُعتبر سواحل صفاقس- قرقنة، القريبة من السواحل الأوروبيّة، وخصوصا من جزيرة لامبادوزا الايطالية، من أبرز المناطق التي يقصدها الحالمون بالهجرة نحو الضفّة الأخرى من المتوسّط. وأعلن الحرس البحري التونسي انتشال 31 جثة بسواحل محافظتي صفاقس والمهدية، وقال المتحدّث باسم الحرس البحري حسام الجبالي لمنصّة ''المشهد''، إنّها كانت "في حالة تحلّل تام". وأوضح أنّها تعود لمهاجرين من جنسيات إفريقية، لافتا إلى أنّ من بينها سيّدتين وطفلين، لكنه رجّح أن يكون المهاجرون الغرقى قد أبحروا منذ أسابيع قبل أن تغرق مراكبهم، مبرّرا ذلك بـ"حالة التعفّن والتحلّل التي كانت عليها الجثث". وقال إنّ الاختبارات الطبيّة ستكشف تاريخ وفاتهم، غير أنه شدّد على أنّ "منطلق هذه الرحلات ليس السواحل التونسية بالضرورة". ووفق المسؤول الأمني التونسي، فقد وقع نقل الجثث إلى المستشفى الجهوي بمحافظة صفاقس، لإخضاعها للاختبارات الطبية كما ينص القانون في مثل هذه الحالات، كالتشريح ورفع عينات من الحمض النووي قبل دفنها. تكدّس الجثث وعاش مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس خلال الساعات الأخيرة، حالة ضغط شديدة، وفق ما أكده الناطق الرسمي باسم محكمة "صفاقس 1" لمنصّة "المشهد" فوزي المصمودي. وزاد انتشال الـ31 جثّة، من حالة الاكتظاظ التي تعانيها ثلاجات الموتى بالمستشفى. ويقرّ القاضي التونسي بوجود إشكاليات كبيرة بالنسبة لمستشفى صفاقس، الذي يعيش حالة ضغط كبيرة بسبب تكدّس جثث المهاجرين الغرقى المنتشَلة من البحر، كاشفا أنّ عدد الجثث التي تم انتشالها في مدينة صفاقس فقط خلال الأيام الثلاثة الأخيرة، بلغ 70 جثة. ولا تتجاوز طاقة استيعاب غرفتي التبريد بمستشفى صفاقس، 35 جثة، بينما أكدت النائبة بمجلس النواب عن دائرة صفاقس فاطمة المسدي، لمنصّة "المشهد"، نقلًا عن السلطات الطبية في الجهة، أنّ عدد الجثث المتكدّسة حاليّا بغرف الموتى بالمستشفى بلغ 180 جثّة. وتنبّه النائبة من مخاطر تكدّس الجثث بالمستشفى، وتقول إنّ ذلك ينذر بكارثة صحيّة. وتشرح عضو البرلمان التونسي الأمر، منبّهة من الآثار الجانبية لهذه الوضعية، وما يمكن أن يتسبب فيه تكدس الجثث من سرعة في التعفّن، وانبعاث للروائح الكريهة، التي قد تنعكس على ظروف العمل في قسم الطبّ الشرعي والأقسام المجاورة، وانتشار العدوى بين الكادر الطبي. كما عبّرت عن خشيتها من تفاقم الوضع مع اقتراب فصل الصيف، الذي يطرح تحديًا مضاعفًا نظرًا لتزايد وتيرة الهجرة غير النظامية. ويتوقّع المختصون في الهجرة، أن ترتفع وتيرة الرحلات السريّة نحو أوروبا، مع ارتفاع درجات الحرارة واستقرار حالة الطقس. وطالبت المسدي بتوفير حاوية تبريد للاستعانة بها عند تجاوز طاقة استيعاب بيت الأموات، وشاحنة تبريد لنقل الجثث إلى المستشفى، خصوصا في الحالات التي تكون فيها هذه الجثث متعفّنة، مؤكدة في السياق ذاته، أنّ موظفي الحماية المدنية ينقلون الجثث في ظروف غير آمنة ما يعرّضهم للخطر. وتكررت خلال الأسابيع الأخيرة حوادث غرق مراكب الهجرة السرية نحو أوروبا، كما انتشل الحرس البحري التونسي عشرات الجثث لمهاجرين غير نظاميين، أغلبهم من جنسيات إفريقية. ويقول الجبالي إنّ انتشال الجثث التي يلفظها البحر يكاد يكون يوميًا، و"ذلك بمعدل جثة أو اثنتين". وصارت غرف الموتى بمستشفى الحبيب بورقيبة في صفاقس في السنوات الأخيرة، غير قادرة في مناسبات كبيرة على استيعاب عدد الجثث الواردة إليها. ويقول المصمودي إنّ الجثث التي يقع انتشالها من البحر تُنقل إلى المستشفى من أجل معاينتها من طرف الطبيب الشرعي، الذي يقوم بتشريحها ورفع البصمات، وأخذ عينات للقيام بالتحليل الجيني. ويضيف أنّ السلطات التونسية تقوم بالتنسيق مع الصليب الأحمر للقيام بعمليات مقارنة نتائج التحليل الجيني، بهدف التعرف إلى هويّة الغرقى، سواء كانوا من التونسيين أو غير التونسيين. ويؤكد أنّ الاختبارات الطبيّة تستغرق وقتا طويلًا، ما يحول دون سرعة دفن الغرقى، وبالتالي تكدّسها داخل ثلاجات الموتى. وعن اجراءات دفن الغرقى الذين لا يتم التعرف إلى هويّاتهم، يؤكد القاضي التونسي أنّها تتم مباشرة بعد الانتهاء من الاختبارات الطبية اللازمة والحصول على إذن قضائي بالدفن. " غرباء" ويُدفن "الغرقى الغُرباء" عادةً بمختلف مقابر المدينة، لكنّ دفنهم بالمقابر البلدية يواجه رفضا مجتمعيًا وفق المسدي، التي تقول، إنّ مقابر المدينة لم تعد قادرة على استيعاب العدد المتزايد لضحايا الهجرة غير النظامية، كما أنّ سكان المدينة يرفضون دفنهم في مقابرهم لأسباب تتعلق بهويّاتهم ودياناتهم المجهولة. وتؤكد المتحدثة أنه آن الأوان لإيجاد حل جذريّ لهذه المعضلة، "إذ ليس من المنطقي أن تتحمّل مدينة صفاقس عبء ظاهرة وطنية لوحدها". وترى أنه لابدّ من إستحداث مقبرة كبيرة قادرة على استيعاب العدد المتزايد للغرقى من المهاجرين غير النظاميين، من جنسيات غير تونسية. وبحسب أرقام رسمية فقد دُفن نحو 800 مهاجر غير نظامي منذ العام الماضي بمقابر محافظة صفاقس. ومساء الاثنين عقد مجلس المحافظة جلسةً لبحث مقترح استحداث مقبرة لدفن ضحايا الهجرة غير النظامية وفق ما كشفته المسدّي. ودفن المهاجرين غير النظامين من جنسيات إفريقية، كثيرا ما كان محلّ جدال في تونس خصوصا في السنوات الأولى بعد حوادث 2011، وفي مدينة جرجيس غير البعيدة عن سواحل صفاقس، استحدُثت مقبرتان لدفن ضحايا الهجرة غير النظامية من جنسيات غير تونسية، بعد أن تصدّى السكان هناك لعملية دفنهم بمقابرهم، الأولى أنشأها البحّار شمس الدين مرزوق، الذي قال لمنصّة" المشهد" في تصريح سابق، إنه أراد أن يحفظ كرامة من قست عليهم الحياة بغضّ النظر عن دينهم ولونهم، والثانية أنشأها الفنان التشكيلي الجزائري رشيد قريشي. (تونس - المشهد)