في ذكرى فيضان درنة المُدمر في ليبيا، شهدت منطقة الصحراء الكبرى في إفريقيا عواصف غير مسبوقة وأمطارا غزيرة، وصلت إلى حد الفيضان، ما أثر على دول عدة منها مالي والجزائر والمغرب. وخلال اليومين الماضيين، لقي 11 شخصا مصرعهم وفُقِد 9 آخرون جراء فيضانات ناجمة عن أمطار غزيرة في جنوب المغرب، فيما ضربت فيضانات مناطق عدة في الجزائر. فيضانات المغرب والجزائر وقالت وزارة الداخلية المغربية "على إثر التساقطات المطرية والرعدية القوية التي عرفتها 17 عمالة وإقليم بالمملكة، تم تسجيل، 11 وفاة بكل من أقاليم طاطا وتزنيت والراشيدية. وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية، رشيد الخلفي، في تصريح صحفي إن الأمطار "المهمة المسجلة في اليومين الماضيين تمثل ما يناهز نصف مقدار الأمطار التي تعرفها المنطقة على مدار السنة، حيث سجلت 250 ميلليمترا في طاطا، و203 ميلليمترات في تنغير، و114 ميلليمترا في فكيك، و82 ميلليمترا في ورزازات". ولم يكن الأمر مختلفا في الجزائر، إذ اجتاحت أمطار غزيرة عدة بلدات ما تسبب في حدوث فيضانات عارمة، فيما أشارت تقارير صحفية إلى أنّ المنطقة لم تشهد هطولًا مثل هذه الموجة من الأمطار الغزيرة منذ أكتوبر 2008، حيث سجلت السلطات هناك تساقطات الأمطار بأكثر من 60 ملم. وكشفت صور التنبؤات الجوية من شركة "زوم إرث" تعرض منطقة الصحراء الكبرى في إفريقيا إلى أمطار غزيرة على عكس المعتاد في هذه المنطقة القاحلة من العالم. وأشارت "زوم إرث" إلى حدوث تغيير في أنماط الطقس عبر المحيط الأطلسي وإفريقيا، لافتة إلى أن هذا التحول أدى إلى المزيد من الأمطار في أجزاء من العالم لا تشهد عادةً كميات كبيرة من الأمطار، مثل صحاري الساحل والصحراء الكبرى. وأعادت هذه الظاهرة إلى الأذهان الفيضانات العارمة التي ضربت مدينة درنة الليبية ما خلّف أكثر من 4 آلاف قتيل ونزوح نحو 60 ألف مواطن ليبي، بحسب الأمم المتحدة. وأمام هذه الظواهر الجوية العنيفة التي تشهدها المنطقة، تُطرح الكثير من الأسئلة حول علاقتها بالتغيرات المناخية التي أصبحت واقعا يعيشه العالم حاليا، خصوصا في ظل الحرائق الضخمة التي تجتاح الكثير من الدول الأوروبية، فضلا عن الفيضانات الدمرة التي تعرضت لها دول عدة خلال الأسابيع الماضية. تذبذب أحزمة الأمطار في التفاصيل، قال خبير التغيرات المناخية، الدكتور سيد صبري، إنّ تفسير هذه الظاهرة ببساطة يرجع إلى التغيرات المناخية والتي من أهم آثارها حدوث تذبذب في أنظمة الأمطار على المستوى الكمي والكيفي. وأضاف في حديث لـ"المشهد" أنّ ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة كميات التبخر من البحار والمحيطات، وبالتالي تؤثر على كميات المياه التي تحملها السحب. وأشار صبري إلى أنّ ذلك يؤدي في النهاية إلى تغيّر مناطق هطول الأمطار، مضيفا: "على سبيل المثال تشهد مناطق جافة وقاحلة هطول أمطار غزيرة في حين تتعرض مناطق ممطرة إلى جفاف وتصحر". وكشف خبير التغيرات المناخية، أنّ الأرض لم تكن تتعرض لهذه الطاقة الزائدة وبالتالي مع دخول التغيرات المناخية إلى حيز التنفيذ أصبحت هناك طاقة زائدة تؤثر على حركة الأمطار وشدتها. لكن، هل من الممكن أن تتكرر كارثة بحجم فيضان درنة في المنطقة؟، أجاب صبري، قائلا: "الوضع في درنة كان مختلفا فما حدث هناك ليس بسبب الفيضانات فقط ولكن بسبب خروج مياه البحر وانهيار سدود وبالتالي الكارثة كانت كبيرة وغير متوقعة". وأشار إلى أنّ ما جرى في درنة هي زيادة قوة العاصفة قبل وصولها إلى الشواطئ، وهو ما تسبب في خروج مياه البحر وانهيار سدود، فضلا عن أن المدينة نفسها مبنية في منطقة وديان ومخرات سيول ما يجعلها عرضة بشكل دائم لمخاطر الفيضانات. ولكنه في الوقت نفسه، أشار إلى أن تذبذب أنظمة الأمطار في العالم يؤدي في النهاية إلى أمطار غزيرة تصل إلى حد السيول والفيضانات في مناطق لم تكن تشهد ذلك، بسبب التغيرات الحاصلة في حركة السحب.دراسات معمقة في السياق، قال خبير التغيرات المناخية، الدكتور محمد عبد ربه، إنّ الظواهر الجوية في العالم كله بدأت في الزيادة من حيث معدلاتها وقوتها وهو ما يربطه البعض تلقائيا بالتغيرات المناخية. وأضاف في حديث لمنصة "المشهد" أنّ ربط الظواهر الجوية بالتغيرات المناخية أمر يحتاج إلى دراسات مُعمقة وكثيرة وهو ما تفتقر إليه المنطقة العربية التي تركز أغلب أبحاثها عن متابعة ارتفاع منسوب سطح البحر. وأشار إلى أن الدراسات العربية في هذا السياق محدودة وبالتالي العلاقة السببية بين هذه الظواهر والتغيرات المناخية غير واضحة، ولكن في الوقت نفسه تشهد المنطقة العربية ظواهر جوية مستحدثة وغير مسبوقة سواء على مستوى معدلاتها أو قوتها.(المشهد)