مع انقضاء فصل الصيف الذي عاشه السوريون تحت وطأة حماوة شمسه وحرارتها الحارقة في ظل انعدام وسائل التكييف نتيجة لانقطاع الكهرباء لأكثر من 20 ساعة يوميًا، يستعد السوريون لمواجهة برد شتائهم القارس والمسبّب للأمراض، تحت تهديد شحّ موارد التدفئة هذا العام كما هو الحال منذ أكثر من عقد من الزمن. فقدان الكهرباء وتجاوز ثمن غالون المازوت (10 ليترات) قيمة الراتب الشهريّ أحيانا، يدفع السوريّين إلى الاستعاضة بوسائل تدفئة بمخاطر عالية وأضرار صحّية بالغة، بالتوازي مع صعوبات في اقتناء الألبسة المناسبة لبرد الشتاء وتأمين الموادّ الغذائية غير الموسمية.وسائل تدفئة بديلة يقاوم السوريون البرد، كما تفاصيل معيشتهم كافة، ونظرا لشحّ الكهرباء في الشتاء، يلجأ أغلب السوريّين عادةً إلى مدفئة المازوت، لكن حتى المازوت لم يعد متوافرًا في أغلب الأحيان، وإذا توافر فإنّ سعره يكون مرتفعًا جدا، مقارنة بالدخل الشهريّ للمواطنين، إذ وصل ثمنه العام الماضي إلى 15 ألف ليرة لليتر الواحد في السوق السوداء. ومن المرجح أن يرتفع ثمن ليتر المازوت أكثر هذا العام مع اقتراب موجات البرد، في ظل فقدان الليرة السورية لنحو 50% من قيمتها مقارنة مع الشتاء الفائت، وقيام الحكومة السورية برفع ثمن المادة بنسبة 100% في أغسطس الماضي، وهو ما أدى إلى خروج تظاهرات في جنوب البلاد بشكل خاص. وعلى الرغم من توزيع الحكومة المازوت عبر "البطاقة الذكية" بما يتناسب مع عدد أفراد كل أسرة، إلّا أنّ عملية التوزيع بطيئة جدًا، كما أنّ الكمية الموزّعة تكاد لا تكفي سوى لشهر أو أقل، في بلد يبدأ شتاؤه القارس في نوفمبر وينتهي في مارس. حول ذلك تقول السيدة السورية عفاف ذات الـ 50 عاما المقيمة في ريف دمشق في حديثها لمنصّة المشهد، "إنه "بات تأمين وسائل التدفئة همّا يرافقنا طوال العام، لم يعد بمقدورنا شراء المازوت، والكهرباء غير متوافرة، وهنا في منطقتا الطقس بارد جدا، ولا يمكن تحمّل الشتاء من دون تدفئة، خصوصًا في ساعات الصباح". وتضيف عفاف، "يستيقظ أبنائي صباحًا، منهم من يذهب إلى عمله ومنهم من يذهب إلى جامعته، أحاول جاهدة توفير كميات المازوت الموجودة لديّ لهذه الساعات الصباحية القاسية. وفي ساعات الظهيرة والمساء، كثيرًا ما نلجأ إلى الحطب الذي جمعناه خلال العام، وإلى علب البلاستيك والثياب القديمة". لكنّ وسائل التدفئة هذه تسبب أمراضًا صدرية بحسب عفاف، "بدأت أشعر بضرر حرق علب البلاستيك والنايلون، وبتُ أعاني حساسية صدرية لأيّ رائحة، ليس ذلك فحسب، بل أعاني سعلة قوية ترافقني لأشهر، وعندما ذهبت للطبيب حذّرني من الروائح القوية، لكن ليس باليد حيلة، فالبرد لا يرحم أحدًا". ولا بدّ من الإشارة إلى وجود وسائل تدفئة عديدة يستخدمها السوريون، منها ما يسمى بـ"صوبيا الاسبيرتو"، وهي مدفئة صغيرة الحجم ورخيصة الثمن مقارنة بمدافئ المازوت، وتعمل على مادة الاسبيرتو المتوافرة في الأسواق بثمن أرخص مقارنة بالمازوت، لكنّ هذه الوسيلة تُعتبر خطيرة جدا، لكون الاسبيرتو مادة سريع الاشتعال، كما مادة البنزين، وتكاد أيّ شرارة بجانبها أن تؤدي إلى حريق كبير."المونة" وسيلة للتغلب على الأسعار زاد اهتمام السوريّين بالمونة مع بدء الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، إذ تعتمد الأمهات على إعداد "مونة الشتوية" والتي تقوم فكرتها على أساس تخزين بعض الأطعمة لاستهلاكها خلال الشتاء، ومن أبرز أنواع هذه الأطعمة التي يتمّ إعدادها وتخزينها لدى السوريّين (المكدوس، والكشك، والزيتون). كذلك هناك أنواع أخرى من المونة والتي يعتمد تخزينها على البرادات، لكن اليوم في ظل انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، يلجأ السوريون إلى تيبيس الأطعمة من خلال أشعة الشمس، ومن أبرز الأمثلة على ذلك (البازلاء، والفول، والبندورة، والباذنجان)."بحصة بتسند جرّة" هكذا وصفت السيدة الدمشقية شفيقة المعروفة (بأم توفيق) المونة، التي بات السوريون يدّخرونها للشتاء قائلة في حديثها إلى منصة "المشهد"، إنّ "مونة الشتاء لدى السوريّين تغيرت كما كل شيء، في حين كانت أغلب البيوت السورية سابقا تعدّ مونة الشتاء على أكمل وجه، وتحضّر كل أنواع الطعام، وتستلذّ العائلات بأجواء التحضير، أصبحنا اليوم نختصر ما يمكن أن نختصره، ونستبدل بعض المكوّنات بأخرى". وبحسب أم توفيق فإنّ "عددا كبيرا من العائلات السورية باتت تستبدل الجوز الذي يضاف إلى حشوة المكدوس بالفستق العادي، وذلك بسبب ارتفاع سعر الجوز بشكل غير مسبوق، إذ وصل سعر بعض أنواع الجوز إلى 200 ألف ليرة سورية". لكن على الرغم من ذلك، فإنّ المونة تسند العائلات السورية بحسب ما أفادت به أم توفيق، حيث إنه "رغم غلاء أسعار المكونات لإعداد المونة، إلّا أنها تبقى أرحم من أسعار السوق في الشتاء".الملابس الشتوية قضية أخرى لا يقتصر الأمر عند السوريّين على وسائل التدفئة والطعام، بل يصل إلى صعوبة تأمين الملابس الشتوية، حيث تضاعفت أسعار المستلزمات الشتوية من سترات وجزمات وأغطية مقارنة مع العام الماضي، فلم يعد بمقدور الكثير شراء الثياب الشتوية كافة، واقتصر البعض على المستلزمات الضرورية والتي يحتاجها. نتيجة لذلك يلجأ قسم كبير من السوريّين إلى أسواق الألبسة المستعملة "البالة"، والتي تكون أسعارها "أرحم من أسعار الأسواق الأخرى مثل الحميدية والصالحية" حسبما قالت عفاف. وتروى عفاف تجربتها في تأمين ملابس أولادها الشتوية من "البالة"، قائلةً: "بسعر جاكيت واحد من السوق، استطعت شراء اثنتَين من البالة، بالتأكيد الجودة تختلف، لكن لم نعد نهتمّ بها، همّنا الوحيد كيف ندفّئ ونؤمّن قوت يومنا".(المشهد)