شكّلت الأزمة السورية وضرورة إيجاد حلول جذرية لها، محور اللقاء الذي جمع السبت بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ونظيره البريطاني جيمس كليفيرلي.الصفدي وكليفيرلي، بحثا عددا من التطورات الإقليمية والدولية وفي والتي منها المبادرة الأردنية المستهدفة التوصل لحل سياسي للأزمة السورية عبر انخراط عربي-سوري مباشر وفق منهجية خطوة مقابل خطوة. وحول المبادرة الأردنية تجاه سوريا، فإن عمّان لم تترك ساحة إلاّ ودخلتها بهدف حشد الدول لتبني مبادرتها وإيجاد إجماع عربي لمعالجة كل تبعات الأزمة السورية المستمرة منذ 2011.وكشفت الوثيقة الأردنية وملحقها السري أن الهدف النهائي من الخطوات العربية لعودة دمشق إلى الحضن العربي هو "خروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا الذين دخلوا البلاد بعد 2011"، بما في ذلك "انسحاب القوات الأميركية والتحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف" قرب حدود الأردن والعراق، بعد سلسلة خطوات وفق مقاربة "خطوة مقابل خطوة". وتشمل المقاربة في البداية "الحدّ من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا" وخصوصا في الجنوب.مطالبات أردنية متكررةنجاح المبادرة الأردنية بات ضرورة حتمية نظرا للظروف الحالية التي تمر بها المنطقة ومن هذا المنطلق يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية المحلّل السياسي خالد شنيكات إن مبادرة "خطوة مقابل خطوة" واضحة وقد تحدّث بها الأردن في أكثر من مناسبة عبر وزير الخارجية أيمن الصفدي.وأضاف في تصريحات لمنصة "المشهد" أن الانفتاح على سوريا أفضل من تركها، مبينا أن نظرة عمّان تؤكد ضرورة الاشتباك الإيجابي مع دمشق لحل الأمور. وبرر ذلك بأن الوضع السوري مستمر لغاية الآن منذ أكثر من عقد، لافتا إلى أنه "لا مكتسبات جنتها الدول العربية من الوضع الحالي، لقد خسروا سوريا، هذه النظرة موجودة عند العالم العربي ولا بد من الاشتباك الإيجابي من جديد". واعتبر شنيكات أن الأردن تحديدا لديه حدود جغرافية طويلة مع سوريا وعليه العمل لحمايتها، وذلك لا يكون إلا بـ"التعاون بين الطرفين". وحول الملفات المتشابكة مع سوريا، قال شنيكات:الأردن لديه علاقة مع الحكومة السورية فيما يتعلق بملف المياه ومسألة اللاجئين وموضوع استئناف التجارة بين الطرفين. المجتمع الدولي وضع شروطا لعودة العلاقات مع سوريا والانفتاح عليها.الدول الغربية والولايات المتحدة فرضت شروط قاسية من بينها قانون قيصر وغير ذلك لعقوبات على النظام السوري.وقانون قيصر جاء بسبب الأحداث التي وقعت في سوريا خلال العقد الماضي بالإضافة إلى التجاوزات والانتهاكات فيها.وفيما يخص الدول العربية، أكد شنيكات أنها تؤمن بالخيار السياسي ومنفتحة على سوريا وتتفق على ملفات منها العودة الآمنة للاجئين من الأردن إضافة إلى مسألة ضبط الحدود". واعتبر أن الاشتباك أصبح شبه دائم على الحدود الأردنية السورية نتيجة محاولات من قبل تجار المخدرات والميليشيات. وقال شنيكات "يبدو إن هناك شكلا من أشكال الانفلات الأمني في الجنوب السوري ومصلحة الأردن ضبط هذه الحدود ومنع أي تطور أمني حماية لمصالحه الأمنية واستقراره". وأوضح أن هذا التوجه يتفق معه الجانب العربي ككل، والدليل أن هناك زيارة للبرلمات العربية الأحد لسوريا ولقاءات مع الرئيس السوري بشار الأسد لتقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية بسبب الزلزال. وشدد شنيكات على أنه يُتوقع من النظام السوري مبادرة تأخذ بعين الاعتبار هذا الانفتاح واتباع سياسات أكثر صداقة مع الدول العربية.سوريا تهتم بالإجماع العربيبدوره، أشار المحلل السياسي السوري المقيم في دمشق غسان يوسف، إلى أنها ليست المرة الأولى التي يطرح فيها الأردن المسألة السورية واتباع حل سياسي في سوريا. وأكد في حديث لمنصة "المشهد" أن هذا الأمر "جاء منذ أن قام برفع التمثيل الدبلوماسي في سوريا وتعيين دبلوماسي برتبة مستشار بحسب ما ورد من وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية في 23 يناير 2019". ولفت يوسف إلى أن هذه الخطوة الأولى التي جاءت بعد ما سمي بتحرير الجنوب السوري في مناطق درعا وحول القنيطرة حيث كان الأردن مشتركا في هذا الحل الذي كان باتفاق أميركي وروسي وسوري وأردني وكل هذه الأطراف شاركت به. أوضح أن رفع التمثيل الدبلوماسي في 2019 جاء ليؤكد بأن العلاقات السورية الأردنية تنحو منحا تجاريا نحو الحل السياسي. وأضاف "لاحظنا أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قام بزيارة لواشنطن عام 2021 وطلب استثناء الأردن من قانون قيصر بطلب شخصي منه إلى الرئيس الأميركي جو بايدن في يوليو عام 2021". وحول أهمية فك العزلة عن سوريا، قال يوسف إنه يجب أن تكون هناك مبادرة دولية وعربية تجاه سوريا لأن الوضع في البلاد لم يعد مقبولا كما أنه بات يؤثر على دول الجوار. وبحث وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع نظيره البريطاني المبادرة الأردنية لتسوية الأزمة السورية، حيث أشار يوسف إلى الدور الإيجابي لوزير الخارجية الأردني في زيارة سوريا ولقاء الأسد بعد كارثة الزلزال. ومن هنا، قال يوسف إن "الأردن كان من أكثر الدول تقديما للمساعدات وأيضا من الأكثر انفتاحا" على سوريا، مبينا "لا يُستغرب دور الأردن الإيجابي". وأكد أن المبادرة الأردنية ستُبحث مع الولايات المتحدة وفرنسا والدول الفاعلة في مجلس الأمن ومن ثم مع بريطانيا والدول العربية، معتقدا أن "ما يقوم به الأردن هو ضمن جهود عربية تقوم بها دول شقيقة أخرى كمصر والإمارات والبحرين وعمان والجزائر وتونس والعراق". وأضاف المحلل السياسي السوري:لاحظنا زيادة الوفود العربية بعد مؤتمر رؤساء البرلمانات العربية إلى دمشق .هذا نوع من فك العزلة عن دمشق والوقوف إلى جانب سوريا في محنتها وهذا يحتاج إلى قرار عربي.للأردن دور فاعل فيه باعتبار أنه من دول الجوار والتي تأثرت كثيرا بما يحدث في سوريا من خلال توافد اللاجئين الذي زاد عددهم عن مليون ونصف لاجئ وأيضا من خلال الفلتان الأمني الذي تعيشه مناطق الجنوب السوري. وأوضح يوسف أن "الأردن يدرك اليوم أنه لا يمكن السماح للفوضى أن تبقى في سوريا وأن استقرار المبادرة تأتي ضمن مصلحة البلدين".كذلك اعتبر المحلل السعودي مبارك آل عاتي أن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا أكد على ضرورة حل الأزمة السورية بشكل عاجل، وبين أن "استمرار الأوضاع كما هي عليها لن يستفيد منها أحد، بل على العكس الشعب السوري يدفع ثمنا باهظا".وأضاف آل عاتي في تصريحات سابقة لمنصة "المشهد" أنه يوجد تحرك عربي شامل لعودة سوريا للحضن العربي، وأشار إلى أنه يوجد توافق لمعالجة هذه القضية عبر وجود وسيط أو جسور تواصل ين دمشق والعواصم العربية مثل الإمارات وعٌمان. ويرى أن الأوضاع السياسية التي يشهدها الإقليم وتوجه دول الإقليم الكبرى لتصفير الخلافات في الإقليم، بثت الإيجابية في العمل السياسي بالمنطقة والتي في مقدمتها إيجاد حل عاجل للأزمة السورية. وأكد أن التحرك العربي في الأزمة السورية ينطلق من أمور عدة: وحدة سوريا. ضمان استقرار الدولة السورية. عودة اللاجئين. منع التدخل الإقليمي في الشأن السوري. هيكلة النظام السياسي في سوريا بوضع دستور جديد لضمان استقرار الأوضاع السياسية والأمنية. هل يُقنع العرب الغرب؟وحول إمكانية أن يدفع العرب لحمل هذه المبادرة إلى دول غير بريطانيا وإقناع الغرب للتوجه نحو الحل السياسي، قال يوسف "لا يمكن إقناع الغرب بما لا يريد وهذا أمر معروف، ولكن أي تحرك عربي يكون بالتشاور مع الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة". وأضاف "حتى فرنسا وألمانيا ربما تؤيدان العلاقات مع سوريا لأسباب عدة من بينها الحرب على الإرهاب"، خصوصا وأن البلدان تضررا من هذا الموضوع. وتابع: "سمعنا تصريحات كثيرة عن أن الدول الأوروبية حاولت أن تقيم علاقات استخباراتية مع سوريا إلا أن دمشق اشترطت عودة العلاقات الدبلوماسية". وحول قدرة العرب على إقناع الغرب، اعتبر يوسف أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ليسوا بحاجة إلى دولة عربية لإقناعهم بهذا الخصوص خصوصا وأن الغرب وصل إلى قناعة بأنه لا مجال للاستمرار بالفوضى الحاصلة. فيما أكد شنيكات أن الغرب لديه مطالب من سوريا، والتي أهمها مسألة إقامة عملية سياسية في الداخل السوري، إضافة إلى دور دمشق في الإقليم خصوصا وأن هناك خشية لدى الدول العربية من تواجد الجماعات المسلحة في الجنوب السوري. وتساءل "كيف سيتم تعامل الحكومة السورية مع هذه المجموعات؟"، لافتا إلى أن حقوق الإنسان خصوصا وأن الغرب يحلم أن يرى عملية سياسية في هذا الجانب بدلا من أن تبقى الأمور تراوح مكانها. واعتبر شنيكات أنه متوقع أن يتغير الموقف الغربي في ضوء كيف ستتصرف الدولة السورية، إضافة إلى أن العالم العربي لديه اهتمامات في مختلف المواضيع المطروحة لحل الأزمة في سوريا وهو يراقب المشهد عن كثب في كيفية تعاطي دمشق مع القضايا السياسية الداخلية والخارجية.(المشهد)