"لا أعرف كيف سأدبر الأمور المعيشية لأسرتي خلال الفترة المقبلة"، بهذه الكلمات عبّر حسين محمد البالغ من العمر 52 عامًا والمقيم بأحد أحياء مصر القديمة، عن تخوفه الشديد من وضعه الاجتماعيّ والمعيشيّ في الأيام المقبلة، خصوصًا في ظل الارتفاعات الكبيرة في معظم أسعار السلع والخدمات داخل البلاد.المخاوف التي أبداها الرجل الخمسينيّ على ما يبدو، طالت الكثير من المواطنين داخل مصر، خصوصًا مع استمرار الحكومة في المضيّ قدما نحو رفع أسعار المحروقات، والتي كان آخرها الجمعة الماضية، ففي أقل من سبعة أشهر هذا العام، أقدمت وزارة البترول في مصر للمرة الثالثة، على تحريك أسعار المحروقات بمختلف أنواعها.فقد شهد سعر السولار وهو أحد أكثر أنواع الوقود استخدامًا في البلاد، أكبر زيادة ليصل إلى 13.50 جنيهًا مصريًا لليتر بدلًا من 11.50 جنيهًا، بينما وصل سعر بنزين 80 إلى 13.75 جنيهًا، وبنزين 92 إلى 15.25 جنيهًا، وبنزين 95 إلى 17 جنيهًا لليتر الواحد.وفي أول ردّ رسميّ عقب حالة الجدل التي رافقت رفع أسعار المحروقات، أكد رئيس الحكومة الدكتور مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفيّ، أنّ الدولة تحملت وتتحمل الأعباء، نتيجة الزيادة الهائلة في المنتجات البترولية والوقود، ومضطرين لزيادة الأسعار حتى 2025".وأوضح أنّ "الدولة تحملت خلال الفترة الماضية التكلفة الأكبر للأسعار، تخفيفًا عن المواطن، وتم الاتفاق على أنه مع الزيادة التي حدثت في أسعار المواد البترولية، لن تكون هناك زيادة مرة أخرى خلال 6 أشهر المقبلة، وإذا استقرت الأسعار بمتوسط 73 دولارًا للبرميل، من الممكن ألا يتم الزيادة لنهاية 2025".زيادة "غير منطقية"تحريك أسعار المنتجات البترولية في مصر، شمل البنزين بأنواعه والسولار والكيروسين والمازوت وغاز تموين السيارات، وعلى الرغم من تأكيد لجنة التسعير التلقائيّ للمنتجات النفطية والمعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع المنتجات النفطية، إلا أنّ هذه الزيادة تأتي في إطار الحرص على توفير المنتجات البترولية، وضبط أداء السوق وفقًا لآليات التسعير المتّبعة.خبيرة الاقتصاد وأسواق المال الدكتور رانيا الجندي، وصفت في حديثها لمنصة "المشهد" هذه الزيادة بأنها "غير منطقية"، مدلّلةً على وجهة نظرها، بأنّ الأسعار العالمية لبرنت النفط، في الأعوام القليلة الماضية، وخصوصًا مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وصلت إلى 140 دولارًا، أما اليوم فقد باتت تسجل قرابة الـ70 دولارًا، متسائلة: "كيف يتم رفع أسعار الوقود في مصر بنحو 100%، بعد أن انخفض سعره العالميّ لقرابة النصف في عام 2024".وفي السياق ذاته، أشارت الجندي إلى أنّ الإشكالية تكمن في الاقتصاد المصريّ الذي يتأثر بشكل كبير وسريع بالأزمات، أكثر من أيّ اقتصادات أخرى، وبالتالي فإنّ هناك عوامل عديدة تساهم في اضطرار الحكومة لتحريك أسعار المحروقات، ولعل من أبرز هذه العوامل الآتي:التراجع المتواصل لقيمة الجنيه المصري، خصوصًا في السنوات الأخيرة، وعدم ثبات سعر الصرف.استمرار توسع الحروب والنزاعات داخل منطقة الشرق الأوسط.محاولة الوصول إلى التكلفة الفعلية لأسعار الوقود، من أجل تخفيف الأعباء على ميزانية الدولة.تفاقم الأعباء المعيشةوكان من بين المواد البترولية التي تم رفع أسعارها، السولار، والذي يعدّ الوقود الأول المستخدم في التصنيع والنقل والتوزيع، لذا توقعت خبيرة الاقتصاد أن تشهد الأسواق المصرية ارتفاعات خلال الفترة المقبل، وخصوصًا في ما يتعلق بأسعار المواد الغذائية الأساسية، وعلى رأسها الخضروات والفاكهة، واللحوم والدواجن والأسماك، والحبوب وزيوت الطعام والألبان.بالإضافة إلى زيادة تعريفة وسائل النقل والمواصلات والتي تعتمد بشكل كبير على السولار، وبالتالي فإنّ زيادة سعره ستؤدي بالضرورة إلى ارتفاع تكاليف تذاكر النقل، أو حتى تكلفة خدمات أخرى مثل التوصيل والخدمات اللوجستية.وفي ظل حالة الغضب التي تنتاب الكثير من المصريّين نتيجة لأوضاعهم المعيشية التي باتت تواجه صعوبات جمّة، صبّ وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب المصريّ، المهندس إيهاب منصور غضبه على الحكومة في حديثه لـ"المشهد"، حيث أكد أنّ الحكومة اعتادت على إصدار قرارات من دون دراسة لتبعاتها.وأوضح أنّ "استمرار رفع أسعار المحروقات يمثّل تفاقمًا كبيرًا لمعاناة المصريّين، حيث لم يلبث المواطن أن يستفيق بعد من الزيادات التي حدثت مؤخرًا في أسعار السلع والكهرباء والمياه وغيرها من الخدمات، مستغربًا في الوقت نفسه من أنّ السولار حاز على النصيب الأكبر من تلك الزيادات، الأمر الذي سيكون له الأثر الكبير على ارتفاع السلع والخدمات كافة بمختلف أنواعها، إضافة إلى الضعف الواضح في وجود رقابة على الأسواق".اختفاء الطبقات الاجتماعيةولفت منصور إلى أنّ مفهوم تعدد الطبقات في مصر "اختفى ولم يعد له وجود، ولم تعد الطبقة الفقيرة وحدها هي التي تشكو وتئنّ من صدمات غلاء المعيشة، بل انضمت إليها الطبقة المتوسطة التي كانت في السابق ميسورة الحال وقادرة على سدّ احتياجاتها، وأصبحت المعاناة الآن لغالبية المصريّين"، وشدد على أنّ "الشعب المصريّ تحمل الكثير من الضغوط وما يزال، ولكن أن تأتي القرارات في صورة ضربات متتالية فهو أمر مرفوض".البرلمانيّ المصريّ أكد أنّ "الحكومة تفتقر لسياسة ترتيب أولويات الإنفاق وأساسيات التنمية المستدامة"، موضحًا أنّ معظم المشروعات التي قامت وتقوم بها الحكومة ذات تكلفة عالية وعائدها المحتمل طويل المدى، وتمويلها بقروض قصيرة المدى نسبيًا، بما يضاعف عبء الديون على الميزانية، ومن ثم تضطر لرفع الدعم عن السلع الأساسية، ما يتسبب في زيادة الأسعار كافة، ويتحمل المواطن عبء الغلاء من دون سياسات حماية اجتماعية حقيقية.وطالب منصور بضرورة ترتيب أولويات الموازنة العامة للعام الحالي بحيث يتم زيادة مخصصات الحماية الاجتماعية، ومنها مخصصات الدعم السلعيّ وأسعار الوقود، ومن شأن هذا تخفيف آثار التضخم ومحاولة السيطرة على آثار الأزمة الاقتصادية.هل سيرتفع سعر الخبز؟ومع استمرار نهج الحكومة في رفع الدعم عن الوقود شيئًا فشيئًا عبّر الكثير من المواطنين عن قلقهم البالغ من إعادة النظر في أسعار الخبز المدعّم، الذي يمثل الغذاء الرئيسيّ والأهم على موائد المصريّين، لكن سريعًا ما أكد وزير التموين والتجارة الداخلية شريف فاروق، عدم المساس وثبات واستقرار سعر رغيف الخبز البلديّ المدعم والمسعّر على البطاقات التموينية بسعر 20 قرشًا للرغيف.وأوضح أنّ الحكومة تضع في اعتبارها جميع عناصر الكلفة ومدخلات الإنتاج الخاصة بتصنيع رغيف الخبز البلديّ المدعّم، مؤكدًا استمرار تحمل الدولة لفرق كلفة الإنتاج وسدادها لأصحاب المخابز من خلال هيئة السلع التموينية.وزادت معدلات التضخم في سبتمبر الماضي إلى 26.4%، ارتفاعًا من 25.7٪% خلال يوليو الماضي، وأعلن رئيس الحكومة في وقت سابق، استهداف معدلات تضخم حول 20% بحلول نهاية العام الحالي، على أن تنخفض إلى 10% بحلول نهاية 2025.لكن بحسب الخبير الاقتصاديّ الدكتور محمد فؤاد، فإنّ هناك ارتفاعات كبيرة ستطال معدلات التضخم الشهريّ والسنويّ خلال الفترة المقبلة، نتيجة لتحريك أسعار المحروقات، موضحًا أنّ معدلات التضخم لن تستقر ولن تأخذ منحًى هابطًا بعد ذلك، إلا من خلال التدخل القويّ في ما يتعلق بدعم قطاعَي الصناعة والزراعة.وكانت وزارة البترول المصرية قد أعلنت بشكل مفاجئ الجمعة الماضية، عن تحريك أسعار المحروقات بمختلف أنواعها، الأمر الذي قوبل بتحفظ شديد داخل الأوساط المختلفة خصوصًا في ظل الارتفاعات المستمرة التي تطال كل شيء داخل الدولة.(المشهد - القاهرة)