مع تكرار تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لطهران، يتزايد خوف الإيرانيين من توجيه واشنطن ضربة عسكرية لبلادهم، أو زيادة العقوبات الاقتصادية وهو ما قد يزيد معاناتهم اليومية.
في 7 مارس أعلن ترامب أنه بعث برسالة إلى المرشد الأعلى علي خامنئي يحضه فيها على استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، محذرا من عمل عسكري محتمل.
لكن خامنئي رد في خطاب تلفزيوني بمناسبة عيد النوروز، قائلا إن الأميركيين "لن يصلوا إلى نتيجة أبدا" عبر تهديد إيران.
وأكد مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في مقابلة بثت الجمعة، أن ترامب يحاول تجنّب اندلاع نزاع مسلح مع إيران من خلال بناء الثقة معها.
وقال ويتكوف في مقابلة مع المذيع تاكر كارلسون على منصة "إكس"، إن رسالة ترامب الأخيرة إلى طهران لم يكن القصد منها التهديد.
هجوم عسكري
ويعتقد محللون أنه مع تعقد المفاوضات بين الطرفين والغارات الأميركية على "الحوثيين" من الممكن توجيه ضربة عسكرية أميركية ضد إيران "لأنها لن تتوقف عن التفكير في القنبلة النووية من دون عمل عسكري".
ويعتقد كبير الباحثين في مركز هادسون بأميركا ريتشارد ويتز، أن ترامب جادّ في رغبته في التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران. لكن طهران تُفاوض بشراسة.
وقال ويتز في حديثه مع منصة "المشهد": "يُهدد ترامب بفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران وهجمات عسكرية محتملة على المواقع النووية الإيرانية. كما يُهدد الحوثيين، الذين يعتبرهم وكلاءً لإيران".
بدوره، يرى الباحث العسكري ديفيد دي روش، إنه من المبكر التنبؤ بإمكانية التوصل لاتفاق بين الطرفين، مشيرا إلى أن طهران لن تدخل في الاتفاق النووي من دون توجيه هجوم مباشر على بعض المنشآت النووية الإيرانية أو شبكة الدفاع الجوي الإيرانية.
وأوضح روش في حديثه مع "المشهد" أن طهران تعتقد أن الملف النووي هو الورقة الوحيدة المتبقية التي تمتلكها بعد تدمير وكلائها في المنطقة. ولفت إلى أن سبب تعنت الموقف الإيراني هو اعتقاد طهران أن ترامب وإدارته لا يريدون التورط في حرب أخرى في الشرق الأوسط.
في المقابل، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران حسين رويران، إن كلام المرشد واضح "لا مفاوضات تحت الضغط"، مؤكدا أن التهديدات لن تجبر طهران على تغيير موقفها.
واستبعد رويران في حديثه مع "المشهد" أن توجه أميركا وإسرائيل ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، موضحا أن واشنطن وإسرائيل تعلمان جيدا إمكانيات طهران وأنها لو كانت مكشوفة جويا، لفعلت إسرائيل معها كما تفعل مع سوريا.
وأضاف أن إيران تمتلك قوة عسكرية كبيرة وأدخلت بعض العتاد والأسلحة الجديدة خلال الفترة الماضية.
رسالة ترامب
وقال مسؤول أميركي ومصدران مطلعان إن رسالة الرئيس ترامب إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، تضمنت مهلة شهرين للتوصل إلى اتفاق نووي جديد.
وأكّدت مصادر لموقع "أكسيوس" أنّ رسالة ترامب إلى المرشد الإيراني كانت "صارمة وحازمة". فمن جهة، اقترحت التفاوض على اتفاق نووي جديد، لكنها من جهة أخرى حذّرت من العواقب إذا رفضت إيران العرض وواصلت المضي قدماً في برنامجها النووي.
وذكر ترامب في الرسالة أنه لا يريد مفاوضات مفتوحة الأمد، وأشار إلى فترة مدتها شهران للتوصل إلى اتفاق، وفق ما نقلت "أكسيوس" عن مصدرين.
وكان المرشد الإيراني قد وصف رسالة ترامب واقتراحه للمفاوضات بأنها "خدعة" تهدف فقط إلى خلق انطباع بأن إيران ترفض التفاوض.
إيران أخطأت في مفاوضات اتفاق 2015، عندما قبلت بالمفاوضات الثنائية مع اميركا، وهو ما ترفضه هذه المرة، تريد مفاوضات تشارك فيها مجموعة 5+1، حتى لا تتخلى واشنطن عن الاتفاق مرة ثانية.
كما أشار إلى أن طهران تفضل في أن تكون المفاوضات بعيدة عن الضغط وفي ظروف جدية ومناسبة.
كثيرا ما تهدد إسرائيل باستهداف المنشآت النووية الإيرانية. وقال مصدر مطلع الخميس إن الولايات المتحدة وإسرائيل ستجريان محادثات عالية المستوى بشأن البرنامج النووي الإيراني في البيت الأبيض الأسبوع المقبل.
الضغط الاقتصادي
لكن النظام الإيراني يواجه مأزق كبير، فالعقوبات الاقتصادية الجديدة قد تزيد الغضب الشعبي الداخلي وهو ما يهدد مسقبله.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، أعاد ترامب العمل بسياسة "أقصى الضغوط" التي تستهدف عزل إيران عن الاقتصاد العالمي ووقف صادراتها النفطية.
وكان 4 مسؤولين إيرانيين قالوا لـ"رويترز" في 14 مارس إنه "على الرغم من الموقف المتصلب ولهجة التحدي العلنية التي تصبغ خطاب الزعماء في إيران، فهناك استعداد فعلي داخل أروقة السلطة في طهران لإبرام اتفاق مع واشنطن".
ويوضح المسؤولون أن مخاوف طهران تزايدت بسبب استئناف ترامب السريع لحملة "أقصى الضغوط" التي بدأها في ولايته الأولى للوصول بصادرات النفط الإيرانية إلى مستوى الصفر من خلال فرض المزيد من العقوبات وتوجيه ضربة قاصمة لاقتصاد البلاد الهش بالفعل.
كان ضعف الاقتصاد الإيراني هو ما دفع خامنئي إلى إعطاء موافقته المبدئية على الاتفاق النووي الذي أبرم مع القوى الكبرى عام 2015، وهو ما أدى إلى تخفيف العقوبات الغربية وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
ويؤكد رويران أنه بالرغم من أن العقوبات الاقتصادية تؤثر على الشعب الإيراني إلا أنه لن يستسلم للضغوط الأميركية. وأشار إلى أن هذه العقوبات موجودة من 2018، ولم يتخل الشعب عن دعم الحكومة.
وأشار إلى أن إيران أصبحت في موقف أقوى اقتصاديا عما كانت عليه في عام 2018، فقد أصبحت جزءًا من منظمتي "بريكس" و"شنغهاي"، وعقدت تحالفات واتفاقيات إستراتيجية مع روسيا والصين.
بدوره، يقول روش إن ترامب يُفضل جلب إيران إلى طاولة المفاوضات من خلال العقوبات الاقتصادية فقط.
وأضاف "في الواقع، كان مترددًا بعض الشيء في استخدام القوة العسكرية خلال ولايته الأولى، فقد ألغى ضربة انتقامية ضد البحرية الإيرانية. كان ذلك، كما تعلمون، في غضون 45 دقيقة فقط من التنفيذ،. لكنني أعتقد أنه إذا استمر الوضع في الخليج على هذا المنوال، أو إذا تمكنوا من إسقاط طائرة أميركية أو ضرب سفينة أميركية، فأعتقد أنه سيصعد الموقف".
وأضاف ريتشارد ويتز "تدعم روسيا والصين إيران حاليًا، لكنهما خانتا طهران في الماضي، ويأمل ترامب أن يفعلا ذلك مجددًا مقابل تنازلاتٍ في قضايا أخرى مثل أوكرانيا والرسوم الجمركية".
وقال رويروان "تصور ترامب أن إيران ستستلم له تحت الضغوط كما فعلت أوكرانيا وزيلينسكي خاطئ". وأضاف "إيران ليست أوكرانيا جغرافيا أو سياسيا. والشعب الإيراني لن يقبل بالاستسلام".
(المشهد)