لم يهدأ التوتر بين الغرب وروسيا منذ هجوم الأخيرة على أوكرانيا في فبراير 2022، الذي حدث بسبب مساعي كييف بالانضمام إلى حلف الناتو، وفقا لما أعلنته روسيا. وعلى الرغم من تصريحات الغرب المساندة إلى أوكرانيا، إلّا أن كييف لم تشهد موقفاً حقيقيا داعما من الدول الأطلسية، ولم يصل الدعم إلى مستوى تستطيع فيه أوكرانيا إخراج القوات الروسية من أراضيها، ويتحدث عن ذلك المسؤولون الأوكران بشكل مستمر، وعلى رأسهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينيسكي. واليوم مع تقدّم القوات الروسية في أوكرانيا، بالتزامن مع تراجع وشح الدعم الغربي المقدّم، هناك مخاوف لدى بعض دول الناتو بأن تكون التالية في مرمى روسيا، خصوصا إذا تمكّنت موسكو من تحقيق انتصار في أوكرانيا، في وقت يشير فيه قانون حلف الناتو إلى أن الهجوم على أحد أعضاء الحلف هو هجوم على جميع أعضائه، مما يهدد بنشوب صراع واسع النطاق في حال حصول هجوم روسي على أي عضو في الحلف.الهجوم على دولة أطلسية في الآونة الأخيرة، ارتفعت حدة التصريحات بين روسيا وحلف الناتو، والتي بقيت في إطار "الاستفزازات" ولم ترق إلى أي تصعيد حربي من قبل الطرفين، إذ صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بأن الحلف العسكري ليس لديه خطط لإرسال قوات قتالية إلى أوكرانيا، ولا توجد نية لمواجهة مباشرة مع روسيا. ومع ارتفاع الوتيرة بين الجانبين، أزال حرس حدود الكرملين الخميس 24 من العوامات التي تميز الحدود البحرية الروسية مع إستونيا، وفقا لتقرير صادر عن معهد دراسة الحرب (ISW)، نشرته مجلة "نيوزوويك". الأمر الذي اعتبرته إستونيا استفزازا، وقالت وزارة الخارجية الإستونية: "هذا العمل الذي قامت به روسيا، والذي نفذته في ظل الليل، يتناسب تماما مع السلوك الاستفزازي الروسي، بما في ذلك على حدودها مع جيرانها، وكان آخره تجاه ليتوانيا وفنلندا".فيما قالت أحدث عضو في حلف شمال الأطلسي فنلندا إن "موسكو تختبر الناتو من خلال تحويل طالبي اللجوء إلى نقطة ضغط سياسية"، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز". واعتبرت موسكو أن دخول فنلندا حلف الناتو هو خروج للدولة الإسكندنافية عن سياسة عدم الانحياز العسكري التي انتهجتها لعقود، محذرةً من "إجراءات مضادة".الحدود الروسية – الأطلسيةفي هذا السياق، يقول المحلل السياسي الأوكراني فلاديمير شوماكوف في حديث إلى منصة "المشهد" إن الاستفزازات على الحدود الروسية – الأطلسية متوقعة، حيث أفاد عدد من دول البلطيق أن موسكو تقوم باستفزازات على حدودها البحرية. روسيا سوف تجرّب الناتو، فهي تريد أن تعرف ما هو رد الفعل على أي عمل محتمل قد تقوم به مستقبلا". ولا يعتقد شوماكوف أن "الناتو سوف يهاجم روسيا، حتى إذا قامت الأخيرة بمهاجمة إحدى دول البلطيق (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا)، إذ يوجد مخاوف حقيقة لدى هذه الدول بأن الناتو لن يساعدها حتى لو هاجمتها روسيا، لذلك نرى أن هذه الدول تشيد خطوطها الدفاعية مع روسيا". على النقيض من ذلك، يقول الأستاذ المساعد في الأكاديمية الرئاسية الروسية ومدير مركز خبراء رياليست الروسي د. عمرو الديب في تصريح إلى منصة "المشهد" إن "الحرب بين روسيا والغرب باتت محتملة، مع الأخذ بعين الاعتبار أمورا عدة: التغييرات في وزارة الدفاع والجيش الروسي. نوعية التصريحات التي تصدر من الجانبين. المناورات العسكرية المستمرة من قبل حلف الناتو على الحدود الروسية. المناورات العسكرية النووية الأخيرة التي قامت فيها روسيا. العديد من الأمور التي تحدث على الجبهة الأوكرانية مثل الهجوم على خاركوف. دخول فنلندا والسويد إلى حلف الناتو.وقبل أيام من الذكرى الثالثة للحرب الروسية - الأوكرانية، كشف وزير الدفاع الدانماركي، ترويلز لوند بولسن، عن "معلومات جديدة" تفيد بأن روسيا قد تشن هجوما على إحدى دول "الناتو" خلال 3 إلى 5 سنوات.الحرب الأوكرانية أيقظت "الناتو"وأيقظت الهجمات الروسية على أوكرانيا منذ عام 2014 حلف الناتو، بعد أن كانت الأجواء هادئة مع روسيا بعد انتهاء الحرب الباردة. وبحسب تقارير، أعطت إعادة تركيز الناتو على عدوّته التاريخية موسكو الحلف إحساساً واضحاً بالهدف، بعدما شكك البعض في مسألة إن كان ما زال ضرورياً بعد انتهاء الحرب الباردة. يؤيد ذلك الديب بقوله إن "ما يدفع الغرب إلى حرب مع روسيا هو مشاهدته لقوة وتطور روسيا، بحيث يمكن أن تشكل تهديدا كبيرا على حلف الناتو، وبالتالي الحلف سيستبق الأحداث، ويبدأ عملية عسكرية مباشرة مع روسيا، والحرب في هذه الحالة ستكون تقليدية وليست نووية، وستكون دول البلطيق هي المحطة القادمة لأي تطور عسكري بين الجانبين". فيما يلفت شوماكوف إلى أن "الناتو قبل الحرب الأوكرانية كان نائما، روسيا هي من أيقظته"، ويشير قائلا: أوكرانيا ترغب في انضمامها للناتو منذ أوائل التسعينيات، لكن الناتو لا يرغب في انضمام أوكرانيا إليه. إذا ربحت كييف الحرب وأخرجت روسيا من أراضيها، لا توجد ضمانات بعد عام أو عامين أن تعود موسكو مرة أخرى وتدخل إلى أوكرانيا. لذلك الحل الرئيسي هو انضمام كييف إلى الحلف. الجدير بالذكر أنه منذ بدء حرب أوكرانيا، أرسل أعضاء الحلف أسلحة بقيمة 10 مليارات دولارات إلى كييف، لكنه تجنّب الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع روسيا تحمل خطر التحوّل إلى حرب نووية.إعادة المجد إلى الاتحاد السوفياتي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، توزعت بعض الأقليات الروسية في مناطق عدة، ولعل أبرز تجمع كان في أوكرانيا. ومن هنا يرجع البعض هدف دخول روسيا إلى أوكرانيا لإعادة إحياء الاتحاد السوفياتي تدريجيا. وتشير الولايات المتحدة إلى ذلك دائما بأن بوتين يريد إعادة بناء الاتحاد السوفياتي الذي تفكك عام 1991، والذي كان يضم عشرات الدول، تحت المظلة الأساسية (روسيا). في كتابة "المملكة المفقودة" يشير المؤرخ الأوكراني سيرغي بلوخي إلى أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا قائلا: "أسطورة الأصول الكييفية (نسبة إلى كييف) أصبحت حجر الزاوية في أيديولوجية موسكوفية (نسبة إلى موسكو)، إذ تطور النظام السياسي من تبعية المغول إلى دولة ذات سيادة ثم إلى إمبراطورية روسية التي لطالما تطلبت وجود أوكرانيا داخلها لإتمام إبعاد سيادتها، لذلك نظر باستغراب بأن تكون كييف مجرد عاصمة لدولة مجاورة، هذا الأمر كان فكرة لا يتخيلها الروس". وبرأي شوماكوف أن "تصريحات روسيا أنها هاجمت أوكرانيا بسبب مساعيها للانضمام إلى الناتو غير صحيحة، بدليل أن فنلندا انضمت إلى الناتو، ولديها حدود طويلة مع روسيا".ويؤكد شوماكوف أن "بوتين يرغب بإعادة المجد من جديد إلى الاتحاد السوفياتي، وإعادة ضم جميع الدول التي كانت تحت مظلته"، مشيرا إلى أن "الناتو سيكون له رد إذا هاجمت روسيا إحدى دوله، لكن لا نعلم طبيعة هذا الرد، ويبدو أن الحلف مترددا جدا أمام روسيا، وربما قد يكون خائفا من مواجهة روسيا، خصوصا أنها بلد نووي، وهو لا يرغب في حرب نووية". وفي ظل التنافس بين روسيا والغرب، تنقسم دول الاتحاد السوفياتي في توجهاتها إلى قسمين، قسم إلى الغرب، والآخر ذو توجهات روسية، فيما تعتبر أوكرانيا درسا روسيا لجميع الدول التي تحاول الانخراط بشراكات مع الغرب، خصوصا العسكرية منها.(المشهد )