مع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، لا يبدو أن ثمّة تسوية في الأفق بين أوكرانيا المصممة على عدم الاستسلام وروسيا التي انتعشت بفِعل تراجع الدعم الغربي لكييف واحتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.ويتّفق الدبلوماسيون والمحلّلون، سواء في موسكو أو في كييف والعواصم الغربية الداعمة لها، على نقطة واحدة على الأقل: عام 2024 سيكون عاما آخر من الحرب. في الظروف الحالية للحرب "لا يوجد شيء يمكن أن يتفاوض عليه الطرفان المتحاربان"، باستثناء "استسلام" أحدهما، على ما أوضح مدير مركز مجلس السياسة الخارجية والدفاع للبحوث فيودور لوكيانوف.والخميس، كرّر فلاديمير بوتين أن هزيمة روسيا "مستحيلة". وفي كييف، أكد المستشار الرئاسي ميخايلو بودولياك لوكالة "فرانس برس" الموقف الرسمي لبلاده "لا مفاوضات" طالما أن موسكو لم تسحب قواتها من الأراضي المحتلة في أوكرانيا. وأكّد دبلوماسي أوروبي أن "الموضوع ليس مطروحا، حيث لا يمكن أن تحصل مفاوضات إلا عندما تكون أوكرانيا في موقع قوة في الميدان"، وهو أمر مستبعد. وبعد مقاومة الهجوم العسكري الشامل الذي شنته موسكو في 24 فبراير 2022 ثم صدّ القوات الروسية وتحرير أراض خلال هجوم مضاد خريف العام 2022، أصبحت أوكرانيا "في وضع صعب جدا"، كما أقرّ دبلوماسي أوكراني. ميدانيا، في الشرق والجنوب، تتحرك الجبهة بشكل بطيء، لكن القوات الروسية تكسب بعض المساحات القليلة بمعارك دامية تستنزف موارد كثيرة من جنود وذخيرة. على هذا الصعيد، تميل كفة الميزان لصالح روسيا التي يمكنها وفق مصادر أوكرانية، إرسال نحو 30 ألف جندي إضافي إلى الجبهة شهريا والتي حوّلت في العام 2023 اقتصادها برمّته إلى المجهود الحربي. بخلافها، فإن أوكرانيا التي بدأت الحرب بالنسبة إليها في العام 2014 في دونباس ومع ضم روسيا شبه جزيرة القرم، منهكة وعاجزة عن تعبئة عدد إضافي من الجنود. وبعد عامين من وحدة وطنية لا تتزعزع، تفاقمت الخلافات السياسية والعسكرية في كييف، مع استبدال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قائد الجيش الذي يحظى بشعبية كبيرة فاليري زالوجني بأولكسندر سيرسكي. عودة ترامب السيناريو الأسوأوقال المحلل البولندي ماريك مينديشاك من مركز الدراسات الشرقية في وارسو "بدأت روسيا تعتقد أنها قادرة على الانتصار"، مضيفا أن "هذا الشعور بالنصر يغذّيه تراجع الدعم العسكري الغربي والسياق السياسي" في الولايات المتحدة الذي يتضمّن احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عقب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي.واعتبر مينديشاك متحدثا إلى صحفيين، أن الرئيس الروسي قد يميل إلى "ترك أوكرانيا تنزف" ريثما يحين موعد الانتخابات الأميركية. في واشنطن، لا أحد يتحدّث عن إجراء مفاوضات في المستقبل القريب. وقال مسؤول أميركي رفيع المستوى مطلع ديسمبر الماضي تحدّث شرط عدم كشف اسمه: "أعتقد أن بوتين لن يتخذ خطوة مهمة نحو السلام قبل أن يرى نتيجة انتخاباتنا". وتثير عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قلق الأوكرانيين والأوروبيين، إذ يُمكن للرئيس الأميركي السابق، الذي أكد أنه قادر على إنهاء الحرب "في 24 ساعة" إذا أعيد انتخابه، أن يقطع المساعدات عن أوكرانيا أيضا. من جهتها، قالت الدبلوماسية الفرنسية السابقة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ماري دومولان: "لا أحد يعلم ما ستكون سياسة ترامب الخارجية، حتى هو نفسه"، لكن عدم القدرة على توقع تصرفاته ومراعاته لبوتين عندما كان رئيسا، ينذر بالأسوأ بالنسبة إلى كييف. "إرهاق" الداعمينمنذ أشهر، تتعثّر واشنطن، الداعم الرئيسي لكييف مع تقديمها أكثر من 110 مليارات دولار من المساعدات منذ العام 2022، في التصويت لمظروف مساعدات جديدة لأوكرانيا، ويعود ذلك خصوصا إلى الضغط الذي يمارسه دونالد ترامب على الجمهوريين الذين يتمتّعون بالأغلبية في مجلس النواب. أما أوروبا التي قدمت مساعدات عسكرية بقيمة 28 مليار يورو، فتواجه صعوبات في الوفاء بوعودها ولن يكون بمقدورها التعويض عن أي نقص أميركي في المستقبل القريب. ورغم تأكيد زعماء دول الاتحاد الأوروبي مواصلة الدعم لأوكرانيا، فإن علامات "الإرهاق" تبدو أكثر وضوحا يوما بعد يوم، لا سيما بين المزارعين الأوروبيين الغاضبين بسبب المنافسة التي تشكّلها المنتجات الأوكرانية على محاصيلهم. وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة بالنسبة إلى أوكرانيا، ما زال تغيير المسار ممكنا، بحسب مصدر عسكري غربي رأى أن "أوكرانيا صامدة في حرب لم تصبح بعد في صالح موسكو" وحقّقت "نجاحات لا يُمكن إنكارها" في البحر الأسود وفي شبه جزيرة القرم حيث تكثف هجماتها في الأشهر الأخيرة. وقالت ماري دومولان "ليس لدينا (كأوروبيين) الحق في الاستسلام. ما زال من الممكن تجنب هزيمة أوكرانيا". (أ ف ب)