كَثُرت في الآونةِ الأخيرة مشاهِد غيرَ مألوفة في القارّة العجوز، لكن أن تَصِل غرابة هذه المشاهد إلى حدّ رؤية جبالٍ من النّفايات مُكّدّسة في باريس، عاصمة الرُقيّ والجَمالِ، وتحديداً على مسافة أمتارٍ قليلةٍ من برج إيفل الذي يَجذب بسحره ملايين السّياح من عشّاق الفنّ والأناقة، فهذا أمر يتجاوز غرابة الواقع إلى عالم الخيال."التلوّث يطالنا" عمال التنظيفات الفرنسيون غير راضين بوجود النفايات على الطرق، لكنهم في الوقت نفسه يرفضون قرار رفع سن التقاعد، خصوصا هؤلاء الذين كانوا على وشك التقاعد. برنار ج.، أحد عمال التنظيفات صادفناه خلال جولتنا بين جبال النفايات في العاصمة الفرنسية، أكّد لمنصة "المشهد" أنه وزملاءه "مستمّرون في إضرابهم المفتوح للأسبوع الثالث على التّوالي، ولن يتوقّفوا قبل الحصول على النتائج المرجوّة"، معبّراً عن امتعاضه من قرار الرّئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي رفع سنّ التّقاعد من 62 إلى 64 عاماً، "ولم يأخذ بعين الاعتبار قساوة العمل الشّاقّ التي نقوم به والذي سينعكس سلباً على صحّتنا". وعن أضرار عدم رفع النّفايات على المدى البعيد على صحّة السّكان، قال إن "التلوّث يطالنا نحن بالدّرجة الأولى، نحن من يحمل المكنسة ويكنس، ونحن من يرفع أكياس النّفايات يوميّاً، أيضاً، لا بأس أن يشعروا قليلاً بما نعيشه حفاظاً على سلامتهم".وأوضح أنه يقوم بالحدّ الأدنى من ترتيب النفايات، ولا يرفعها، منعاً لتسبّبها بأي خطر على المارّة."قرار ماكرون مُجحفٌ"المواطنون متضامنون مع عمال التنظيفات ويجدون أن مطلبهم محق جدا. وفي هذا الإطار، عبّرت المعلّمة الشّابّة أنّا ف. في دائرة باريس 16 عن تعاطفها مع عمّال التنظيفات، مشيرة في حديثها لمنصة "المشهد" إلى أنّ "الإضراب الذي يهزّ فرنسا في مختلف القطاعات أمرٌ ضروريّ، لأن قرار ماكرون مُجحفٌ للغاية بحقّ جميع العاملين، وخصوصاً عمّال التنظيفات، الذين أظهروا للجميع مدى أهميّة عملهم، فمن دونهم غطّت النّفايات والرّوائح الكريهة والمناظر المُقرفة، باريس وشوارعَها الرّاقية". وتابعت: "هذا الإضراب طال سكّان قلب باريس الذين لم يتأثّروا فعليّاً بإضراب المواصلات العامّة لأنهم يأتون سيراً على الأقدام إلى أعمالهم"."أزمة النّفايات خطيرة جدّا"أماّ المرأة الستّينيّة، فيرونيك س. فرأت أن "ما نعيشه حاليّاً مؤسف للغاية لفرنسا شعباً وبلداً، فما يحصل تخطّى الحدود، والخطوط الحمراء، لم نعد نعرف بلدنا، ففرنسا الجميلة، التي تستقطب السيّاح من مختلف أصقاع الأرض، باتت العاصمة مكسوّة بالنّفايات، ونحن نخسر يوميّاً الكثير من جاذبيّتنا وجمالنا، بسبب بعض "المغفّلين"، الذين يخّربون هذا البلد، بمواقف غير مسؤولة تسبّب الفوضى وهي غير مثمرة بتاتاً، بأعمالهم الفوضويّة تلك، يطيحون بكلّ ما بذله أسلافهم لبناء فرنسا التي كنّا نحلم بها".وتابعت: "لا أسخّف مطالبهم، لكنّ الطريقة التي يعتمدونها للاحتجاج على قرار رفع سنّ القاعد، غير لائقة، وغير مُجدية، لا بل مُؤذية للجميع، خصوصاً أن أزمة النّفايات خطيرة جدّاً، وعلى المدى البعيد ستجلب الأمراض والأوبئة".مهما يكن من أمر، يبدو أن فرنسا لن تعاني أزمة نفايات فحسب، فمشروع قانون نظام التقاعد الذي مررته حكومة إليزابيت بورن من دون تصويت في البرلمان مستعينة بمادة من دستور الجمهورية الخامسة، أدى ويؤدي إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة لا يعلم أحد إلى أين ستُفضي. (فرنسا - المشهد)