تلعب السجائر جزءًا كبيرا من المزاج الشعبي لملايين المصريين، فهي عندهم كالماء والهواء ولا يستطيعون الاستغناء عنها، فالسيجارة التي باتت شيئا رئيسا في يوم المدخن المصري، رفيقة كوب الشاي أو القهوة المختلطة، ما بين أنفاس أول الصباح وآخر المساء، المستقرّة ما بين أصابعهم أو شفاههم، أصبح اليوم الحصول عليها أمرا في غاية الصعوبة، خصوصا مع تصاعد وتيرة الأزمة التي تشهدها أسواق السجائر في مصر، منذ فترة قاربت الثلاثة أشهر.فعلى ما يبدو أنّ السجائر دخلت على خط حمّى الارتفاعات التي طالت أنواعا عديدة من السلع في الأسواق المصرية، حيث تفاقمت أزمة السجائر على نطاق واسع، في ظل تضارب واضح لأسعارها، على حسب المنطقة والمتجر، إضافة إلى اختفاء عدد من الأنواع المشهورة، وهو ما ساعد على وجود سوق سوداء للسجائر، موازٍ للسوق الرسمية، وبأسعار وُصفت "بالفلكية والمبالغ فيها".أرقام صادمة للمدخنينوبحسب مسؤولين بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، فإنّ نسبة المدخنين داخل البلاد، تصل إلى نحو 18 مليون نسمة غالبيتهم من الذكور، وأنّ الفئة العمرية من 35 إلى 44 سنة، هي أعلى نسبة مدخنين في مصر، وفي خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي 2022-2023 (من يوليو 2022 حتى نهاية مارس 2023)، بلغ إنفاق المصريين على السجائر والدخان، 55 مليار جنيه.أهم أسباب تفاقم الأزمةمنصة المشهد حاولت التعرف عن قرب إلى تفاصيل هذه الأزمة التي باتت تؤرق ملايين المدخنين من المصريين، والتقت رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات في مصر إبراهيم إمبابي، والذي كشف بدوره عن سببين رئيسيّين لتلك الأزمة، السبب الأول وهو تباطؤ وزارة المالية في إقرار الزيادات المتفق عليها في ما يخص التشريع الضريبي على السجائر، مؤكدا وجود تعديل ضريبيّ في الميزانية الجديدة، خاصّ بالسجائر، تم الاتفاق عليه قبل ثلاثة أشهر مع وزارة المالية، يتضمن زيادة أسعار السجائر من جنيه ونصف إلى جنيهين اثنين، ولم يتم الإعلان عنه رسميا.أما السبب الثاني الذي أدى إلى خلق الأزمة، فيتمثل في جشع التجار، حيث يقومون برفع أسعار أصناف السجائر داخل الأسواق، بزيادات متفاوتة من دون السعر الأصلي، لتحقيق مكاسب كبيرة ومبالغ فيها.مليارات الدولارات من ضرائب السجائروتقدّر الحكومة المصرية قيمة الضرائب على التبغ والدخان والمعسّل في موازنة العام المالي الحالي، بنحو 80 مليار جنيه، أي ما يعادل قيمته (5 مليارات دولار) بزيادة خمسة مليارات جنيه (318 مليون دولار) على حصيلة العام المالي الماضي، والتي بلغت نحو 75 مليار جنيه (4.7 مليار دولار).وحول الاقتراح الذي قدّمه رئيس الشركة الشرقية للدخان، والتي تستحوذ على نحو 75% من حجم السوق الخاصة بسلعة "السجائر" في مصر، بشأن ضخّ كميات أكبر من السجائر لمواجهة ارتفاع الأسعار، أوضح إبراهيم إمبابي، أنّ ضخ كميات أكبر من السجائر، لن تكون كفيلة بخفض الأسعار وضبط السوق، ولا يجب تكرار سيناريو أثبت فشله قبل ذلك، وأضاف قائلًا: "لو الشركة الشرقيّة للدخان زوّدت الإنتاج وباعت المنتج للتجار أنفسهم، هنرجع للدائرة نفسها والنقطة صفر، فلازم يتم تغيير سيستم البيع، ولازم يعطى لتاجر التجزئة بدلا من التاجر الكبير، لتوفير المنتج في السوق".حلول مقترحة لحل الأزمة سريعاوقدّم رئيس شعبة الدخان مقترحات لمواجهة الأسعار المرتفعة للسجائر، واصفا إياها "بالحل السحري"، وذلك عبر ضخّ كميات السجائر التي تم ضبطها من قبل الجبهات الرقابية لدى التجار المخالفين، وبيعها في محطات الوقود التابعة للشركة الوطنية المملوكة للدولة، ليصبح المنتج منتشرا في الأسواق، ومن ثم سيؤدي إلى تراجع الأسعار بشكل سريع.أيضا أكد إبراهيم إمبابي ضرورة قلب الهرم التوزيعي المعتاد في توزيع السجائر، بحيث يتم توزيع المنتجات إلى تجار التجزئة والسوبر ماركت ومحطات الوقود، من دون البيع في الوقت الحالي لتجار الجملة والموزعين.غياب الرقابةواتفق المتخصص في الشأن الاقتصادي مصطفى مراد، مع رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات، حول أسباب تصاعد الأزمة، حيث أوضح أنّ التجار يتلاعبون بأسعار السجائر كل على حسب أهوائه، والتسعير بسعر أعلى من السعر الرسمي المكتوب على كل علبة، وهذا أدى إلى وجود سوق موازية "سوداء" للسجائر، بسبب غياب الرقابة على الأسواق.وكشف مصطفى مراد عن قيام بعض التجار بتخزين كميات كبيرة من السجائر بغرض الاحتكار، وهو ما أدى إلى شحّها بين المستهلكين، وبالتالي التحكم في الكميات لديهم، والتحكم في رفع سعرها كما يحلو لهم.المدخنون يواجهون صعوبات في الحصول على السجائرارتفاع أسعار السجائر مؤخرا بات ملحوظا يشتكي منه معظم المدخنين، لكنّ الشكوى تحولت إلى اختفاء بعض الأصناف وظهورها بشكل نادر في بعض المتاجر، ما يستدعي رحلة بحث عن السيجارة المفضلةموسى الأحول يبلغ من العمر أربعين عاما، يروي للمشهد قصّته مع السجائر رفيقة دربه على حد قوله، فيقول: "أمارس التدخين منذ عشرة أعوام، والنوع المفضل لديّ هي سجائر الكليوباترا، ولا أستبدلها بأخرى مهما كانت المغريات، ويضيف، ارتفع سعر علبة سجائر كليوباترا مؤخرا حتى باتت تلامس الـ70 جنيها، ومن غير السهل العثور عليها، في حين أنّ سعرها الرسمي 24 جنيها.ويؤكد موسى أنه لا يستطيع أن يتناول غير سجائر الكليوباترا، لكن ومع شحّ وجودها في السوق، وارتفاع ثمنها بأسعار فلكية، أصبح يشتريها عن طريق "الفرط"، بمعني أنه يقوم بشراء سيجارة أو اثنتين أو ثلاث على الأكثر في اليوم الواحد، في ظل هذه الظروف الصعبة.قرارات حكومية لحلحلة الأزمةرئيس الحكومة المصري مصطفى مدبولي، عقد اجتماعا موسعا اليوم، مع عدد من المسؤولين المعنيين، للوقوف على المعوّقات التي أدت إلى تصاعد أزمة السجائر داخل الأسواق، والعمل على حلحلتها بشكل عاجل، ووجّه بزيادة أوامر التوريد للمواد الخام، بما يُسهم في زيادة حجم الإنتاج اليومي، وإتاحة المزيد من المعروض، سعيًا لاستقرار السوق وضبط الأسعار الخاصة بسلعة السجائر.تحذيرات منظمة الصحة العالميةووفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإنّ التدخين يتسبّب في وفاة ما لا يقل عن ثمانية ملايين شخص سنويا، إضافة إلى أنّ صناعة التبغ تضر بالبيئة بقدر مخاطر التدخين نفسها على حياة البشر.ووفقا للمنظمة، فإنه يتم التخلص من 4,5 تريليون عقب من أعقاب السجائر كل عام، في الأنهار والمحيطات، حيث يلوّث كل عقب سيجارة نحو 100 لتر من الماء.(المشهد)