في ظلّ تصاعدات التوترات مع أميركا وإسرائيل، وزيادة الغضب الداخليّ من جرّاء الأوضاع المعيشية الصعبة، دُعِي أكثر من 61 مليون إيرانيّ للتوجه الجمعة إلى صناديق الاقتراع، لانتخاب أعضاء مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة.ويتوقع المحللون أن تعزز هذه الانتخابات قبضة المحافظين المتشدّدين على المشهد في إيران، في ظل غياب المرشّحين الإصلاحيّين.ويقول الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد عباس ناجي، إنّ الانتخابات الإيرانية هذه المرة، هي عبارة عن صراع بين قوى تيار المحافظين الأصوليّين.وأكد ناجي في حديثه مع منصة "المشهد"، أنه رغم وجود 15200 مرشح في هذه الانتخابات، إلّا أنه ليس من المتوقع أن يحقق الإصلاحيون نتائج كبيرة. وأشار إلى أنه حتى انتخابات مجلس خبراء القيادة، تم إبعاد الرئيس الإيرانيّ السابق الذي يثعتبر صوت الإصلاحيّين في هذه الانتخابات.وقال: "هناك محاولة لهندسة هذه الانتخابات وتمكين قوى التيار المحافظين، من السيطرة على البرلمان ومجلس الخبراء".لكنّ المحلل الإيرانيّ حسين رويران، يقول إنّ الإصلاحيّين دخلوا هذا الانتخابات بشكل مستقل، أو في قوائم مشتركة، وليس في قائمة موحدة. وأضاف أنّ "الإصلاحيّين يخوضون هذه الانتخابات بحذر شديد".انتخابات مهمة للنظاممن جانبه، يرى مدير مركز جدار للدراسات محمد عبادي، أنّ هذه الانتخابات مهمة للنظام الإيراني، لأنه ستشهد انتخاب مجلس الخبراء الذي سيختار المرشد الجديد.وأوضح عبادي في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنّ الإدارة السياسية في طهران، ترى من الضروريّ سيطرة المحافظين على جميع مؤسسات الدولة، سواء الرئاسة أو البرلمان، أو مجلس الخبراء، لتوفير عملية انتقال سلسلة لسلطات المرشد الجديد.حتى بداية العقد الحالي، كان المرشّحون عمومًا ينتمون إلى حركتَين سياسيّتين: الإصلاحيّين والمحافظين. ولكن بعد عدم موافقة مجلس صيانة الدستور على ترشّح آلاف الإصلاحيّين لانتخابات العام 2020، يتواجه في الانتخابات الحالية بشكل رئيسيّ محافظون ومحافظون متشدّدون.يعدّ مجلس خبراء القيادة الذي يتمّ اختيار أعضائه في اليوم نفسه الذي تجري فيه الانتخابات البرلمانية، هيئة خاصّة بالجمهورية الإسلامية في إيران. ويعيِّن هذا المجلس المرشد الأعلى الذي يعدّ أعلى مسؤول سياسيّ ودينيّ في البلاد، كما يشرف على أدائه ويملك صلاحية إقالته. لذلك، قد يختار هذا المجلس المؤلّف بالكامل من رجال دين، خليفة للمرشد الأعلى علي خامنئي الذي سيبلغ من العمر 85 عامًا في أبريل.ويتمّ انتخاب أعضاء هذا المجلس الـ88 بالاقتراع المباشر لمدّة 8 سنوات. ويتنافس حاليًا 144 مرشّحًا جميعهم من الرجال.وكان الرئيس السابق حسن روحاني (2013-2021) من بين المتقدّمين للترشّح الذين تمّ استبعادهم قبل الانتخابات. وسعى روحاني (75 عامًا) إلى أن يُحافظ على عضويّته في المجلس، التي بدأت منذ العام 1999.وأرجع ناجي استبعاد روحاني إلى سببين: يتمّ تحميله من النظام الإيرانيّ تبعات الاتفاق النوويّ والعقوبات الأميركية، فروحاني يدفع ضريبة هذا الاتفاق سياسيًا. محاولة النظام تمكين المحافظين من السيطرة على مجلس خبراء القيادة، الذي قد يشهد انتخاب المرشد الجديد خلال هذه الدورة، والنظام ليس لديه رغبة في أن يكون روحاني موجودًا أثناء عملية التصويت.ضعف الإقبال لكن ما يثير مخاوف النظام الإيراني، هو ضعف الإقبال وإحجام الناس على المشاركة في عملية التصويت.يحق لنحو 61 مليون إيرانيّ من أصل 85 مليونًا، التصويت، نصفهم تقريبًا من النساء.وفي هذه الانتخابات التي تُنظّم في إطار جولة واحدة، سيتمّ فتح 59 ألف مركز اقتراع في جميع أنحاء البلاد، خصوصًا في المدارس والمساجد.وقال محمد صادق جوادي حصار، وهو سياسيّ إصلاحي: "أكره أن أقول هذا، لكنهم يستجدون الأصوات. إنهم يبذلون كل ما في وسعهم لإقناع الناخبين، ويضعون المخاوف الأخرى جانبًا في الوقت الحالي – بما في ذلك الحجاب".بل كانت هناك علامة نادرة على التسامح الرسميّ تجاه الناخبات اللاتي اخترن عدم ارتداء الحجاب الإسلامي. قال هادي طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة دينية، الشهر الماضي، عندما سُئل عما إذا كان بإمكان النساء غير المحجبات التصويت: "لم يحرم أيّ قانون من حقوق التصويت، ولا يمكن حتى أن تصادرها محكمة".ويقول رويران إنّ استطلاعات الرأي تُظهر أنّ الانتخابات لن تكون حامية الوطيس، ونسبة المشاركة تتراوح بين 40 – 50 %.ويتوقع الخبراء نسبة مقاطعة مرتفعة جدًا تتخطى 50%.شهدت الانتخابات التشريعية عام 2020 أدنى نسبة مشاركة منذ إعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979، إذ لم يُدلِ سوى 42.57% من الناخبين بأصواتهم خلال الاقتراع الذي جرى في بداية أزمة وباء كوفيد-19.وتوقع ناجي تراجع نسبة مشاركة النساء في هذه الانتخابات.تصاعد التوترات مع أميركاوتتزامن هذه الانتخابات مع استمرار الحرب في غزة، وتصاعد التوترات بين إسرائيل وأميركا من جهة وإيران وميليشياتها من جهة أخرى.وعن تأثير هذه التوترات على الانتخابات الإيرانية، استبعد عبادي وجود أيّ تأثير، مشيرًا إلى أنّ إيران اتخذت قراراها بعدم التصعيد أو الدخول في حرب أو صراع مع أميركا وإسرائيل.بدوره، يرى الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية محمد عباس ناجي، أنّ النظام يحاول استغلال الحرب الإسرائيلية في غزة، وتصعيد الميليشيات الموالية لإيران مع أميركا، لرفع مستوى المشاركة في الانتخابات باعتبارها رسالة للعالم، أنّ النظام يتمتع بقاعدة شعبية كبيرة في الداخل.وذكر أنّ مشاركة المواطنين الذين يدعمون النظام ويرفضون الضغوط الخارجية على إيران، ويدعو النظام الناس للمشاركة لإفشال رسالة تقويض أركان النظام.كما تجري الانتخابات في ظل استياء متزايد في إيران، إزاء غلاء المعيشة ونسبة تضخم تقارب 50%.وقال محسن عميدبخش الموظف الأربعينيّ ردًا على أسئلة فرانس برس، قرب بازار طهران الكبير، "جيوب الناس فارغة"، مضيفًا "لا أعتقد أنّ مجلس الشورى المقبل سيتمكن من تبديل هذا الوضع".منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2021، انخفضت قيمة العملة الوطنية بشكل حادّ مقابل الدولار في السوق المفتوحة. وارتفعت تكاليف السكن، وانخفضت حصص الوقود لسائقي السيارات، وارتفعت أسعار خدمات الإنترنت.وقد أثارت المعاناة الاقتصادية، التي ألقى المحافظون الحاكمون باللّوم فيها على الإدارة السابقة، انتقادات الحكومة من جميع الأطراف. (المشهد)