بعد سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، يبدو المشهد السوري شديد التعقيد والتشابك، نتيجة لتعدد أطراف الصراع وتداخل المصالح، خصوصا فيما يتعلق بالجانب الكردي في شمال سوريا، حيث تشير الأحداث المتسارعة على الأرض، إلى تخوّف الكرد من إقصائهم وحرمانهم من حقوقهم القومية التي لطالما طالبوا بها.ومنذ أكثر من عقد، يسيطر الكرد على مناطق واسعة من شمال وشرق سوريا، ويعتبر المقاتلون الأكراد الحليف الأبرز للولايات المتحدة الأميركية في محاربة تنظيم "داعش"، حيث اعتقلوا على مدار سنوات أكثر من 9 آلاف عنصر من مقاتلي التنظيم. إلا أن تركيا التي تتشارك الحدود مع سوريا لطالما اعتبرت أن المقاتلين الأكراد متحالفون مع حزب العمّال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة كمنظمة إرهابية.وصرّح الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان، أن أنقرة تتوقع أن تسحب الدول الأجنبية دعمها للمقاتلين الأكراد في سوريا بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، مضيفاً: "لم يعد هناك أي سبب يدعو القوى الأجنبية لدعم مقاتلي وحدات حماية الشعب الكردية"، ونشرت الرئاسة التركية هذه التعليقات يوم الجمعة الماضي.وفي المقابل، تحت الضغط العسكري الذي تمارسه تركيا على مناطق الكرد، والهجمات المتكررة على منطقتي منبح وعين العربي (كوباني)، أعلن قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي استعدادهم لإقامة منطقة منزوعة السلاح في مدينة كوباني شمالي البلاد وذلك لطمأنة تركيا، مؤكداً أن قواته ليست امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وأن "قسد" مستعدة لإخراج المقاتلين غير السوريين فور التوصّل إلى هدنة. ويتساءل محللون سياسيون، عن مصير المشروع الكردي في المنطقة، هل ستسلّم الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا جميع أراضيها للسلطات السورية الجديدة؟ أم ستبدأ حرب طاحنة بين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا؟ وماذا سينتج عن هذه الحرب؟ وما هو موقف كرد العراق من كل ما يجري؟تغييرات جذريةويقول النائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني أردلان نور الدين، لمنصة "المشهد" إن الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، يتمنى أن تكون هذه التغيرات الجذرية لصالح جميع السوريين، وأن يكون الكرد لهم حصة من هذا التغيير، لأنهم من أكثر المكوّنات المضطهدة في المنطقة سواء في سوريا أو العراق في زمن حزب البعث.ويؤكد نور الدين أن الجانب السياسي الكردي في أربيل، يتمنى من الأحزاب الكردية السورية، أن تتخلى عن كل المقاتلين الأجانب الذين يتبعون لحزب العمّال الكردستاني، وأن تعمل هذه الأحزاب لمصلحة البلاد، ويتم التوصل إلى اتفاق، سواء أكان حكما ذاتيا أو أي طريقة يجدونها مناسبة لبلدهم. وألا نشهد حروبا جديدة وجودات نزوج ولجوء جديدة.من جانبه، يقول النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني شيروان الدوبرداني، لمنصة "المشهد" إن إقليم كردستان لطالما كانت حدوده مفتوحة لاستقبال اللاجئين.وأشار الدوبرداني إلى أنه يوجد في إقليم كردستان نحو 263 ألف سوري، وحوالي 9 آلاف لاجئ تركي، ومن إيران أكثر من 8 آلاف ومن فلسطين وجنسيات أخرى، مضيفاً: "نحن ننظر للحالة الإنسانية قبل كل شيء، وأبواب إقليم كردستان مفتوحة لهم، لكن بكل تأكيد لن تستقبل أي أطراف مسلحة أو تابعة لجماعات أو أحزاب متشددة".وحول إغلاق المعابر البرية الحدودية بين كردستان و سوريا حالياً، يجيب الدوبرداني، إن هذه المعابر مغلقة مؤقتاً لأسباب أمنية، لأنه يوجد تخوّف من "داعش" ومن حركات مسلحة أخرى، إضافة إلى التخوّف من هروب عناصر "داعش" من السجون في الشمال السوري، ومن مخيم الهول، أيضاً انتشار عناصر "داعش" في ريف حمص، لذلك قام إقليم كردستان بإغلاق الحدود في الوقت الحالي.وحول قدرة الإقليم على استيعاب أعداد جديدة من اللاجئين السوريين، يجيب الدوبرداني: "إقليم كردستان ومنذ سنوات الحرب السورية الأولى، استقبل اللاجئين السوريين وقدّم لهم كل المساعدة والدعم الممكن، إلا أن الحكومة المركزية في بغداد، لم تقدم أي شيء، وتحمّلت حكومة إقليم كردستان استقبالهم وتأمين السكن والطعام والدفء لهم"."تسليم السلاح"وكانت وزيرة الخارجية الألمانية "أنالينا بيربوك" صرّحت لوسائل الإعلام، أنه يجب نزع سلاح القوات الكردية ودمجها في هيكل الأمن الوطني السوري، بينما قالت "باربرا ليف" كبيرة الدبلوماسيين الأميركيين المعنية بالشرق الأوسط إن، الولايات المتحدة تعمل على انتقال مُحكم لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في الشمال السوري. وتأتي هذه التصريحات، في ظل تخوّف كردي من تخلّي الجانب الأميركي عن دعمه لقوات سوريا الديمقراطية، وإصرار تركيا على توجيه ضربات جوية عنيفة للشمال السوري، ما يهدد المشروع الكردي في المنطقة من جهة، ويعقّد المشهد في المناطق الكردية التي تحتوي على عشرات السجون لعناصر "داعش" إضافة إلى مخيم "الهول" الذي يضم نساء وأطفال التنظيم.وصرّح مظلوم عبدي قبل أيام، لصحيفة "نيورك تايمز" أنه اضطر إلى تحويل المقاتلين الذين كانوا يحرسون سجون "داعش"، من أجل القتال ضد المسلحين المدعومين من تركيا، ما يهدد بالانفلات الأمني المحتمل للمنطقة، وعجز الجانب الكردي عن السيطرة على الأرض.بينما وفي الوقت ذاته صرّح وزير الدفاع السوري الجديد في الحكومة المؤقت "مرهف أبو قصرة" أن الحكومة السورية الجديدة ليس لديها أي مشكلة مع الكرد في سوريا، لكن مشكلتها مع قوات سوريا الديمقراطية التي يجب أن تنضم للقوات السورية وتسلّم كامل المناطق التي تسيطر عليها.ويقول القيادي في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومقره مدينة السليمانية عباس كاريزي، لمنصة المشهد إن، المشروع الكردي في شمال سوريا لم ينته، ويأمل الاتحاد الوطني الكردستاني أن التغيرات التي حصلت في سوريا، ستصب في صالح مختلف المكونات وليس في صالح حزب أو جهة معينة، لأن الكرد مكوّن أساسي في سوريا، والقضية الكردية هي قضية مشروعة، لذلك نرى أن التغيير سيكون للأفضل سواء للشعب السوري أو الكردي.وحول التهديدات التركية بقصف المناطق الكردية، يقول كاريزي إن، هذه التهديدات هي غير مشروعة، نطالب الدولة التركية أن تحافظ على حسن الجوار وعلى المواثيق الدولية، وفي الوقت ذاته نطالب الأحزاب الكردية في شمال سوريا أن يذهبوا إلى العملية الديمقراطية والمشاركة في كتابة دستور جديد يرضي جميع السوريين.وحدة الصف الكردي ويقول المحلل السياسي محمد زنكنة إن الوضع الكردي في سوريا مقلق، هذا القلق مبني على عدم وجود وحدة موقف سياسي وعسكري كردية، مضيفاً: "بادرت قيادة إقليم كردستان بزعامة الرئيس مسعود بارزاني أكثر من مرة إلى توحيد الصف الكردي، إلا أن القوات الكردية في سوريا لم تستجب لهذه المبادرات، وفي المحصلة ضاعت عفرين ورأس العين. وسيطرة عليها الميليشيات". ويؤكد زنكنة أنه "بوجود هذه المناطق المحتلة من قبل الميليشيات، وغياب الرؤية السياسية الحقيقة للجانب الكردي، وعدم وجود اتفاق كردي كردي، بالتأكيد الوضع بعد سقوط نظام بشار الأسد مقلق أكثر، وإن لم تسارع هذه الأطراف بتشكيل جبهة كردستانية موّحدة تتألف من الكرد والمكونات الأخرى، أي الكرد المدعومين من حزب العمال الكردستاني والكرد في المجلس الوطني الكردي، ستذهب الأوضاع من سيئ إلى أسوأ".ويضيف زنكنة: "كما أنه على "قسد" أن تخرج تماماً من عباءة حزب العمال الكردستاني، وأن يكون لها قرار مستقل، لا علاقة له بالقيادة المرابطة في جبل قنديل (حزب العمال الكردستاني).ويكمل حديثه: "نؤكد أن ما صرّحت به وزيرة الخارجية الألمانية هو مجرد رأي، الجانب الألماني ليس له أي دور في شمال سوريا، لذلك ندعو كرد سوريا إلى التفاوض مع تركيا، والاستفادة من تجربة إقليم كردستان، لأن تركيا في البداية رفضت قيام إقليم كردستان، لكن سياسية الرئيس مسعود بارزاني كانت الحل والمفتاح للقضية الكردية، اليوم توجد علاقات تجارية بين كردستان وتركيا، وقنصلية فعّالة في أربيل، ووزيارات متبادلة".ويختم زنكنة حديثه بالقول: "عبر السنين ناضل الكرد من أجل هويتهم، رغم كل التحديات والحروب التي خاضوها، لم ينته الوجود الكردي ولن ينتهي، المشروع الكردي في سوريا يمر بمخاض عسير بعض الشيء، لكن الحكم الذاتي موجود إلى حد ما، الحفاظ عليه يحتاج إلى وقت وعمل وتخطيط، نحن متفائلون بذلك". (المشهد - بغداد)