وسط ترقب لزيارة أميركية كانت مقررة إلى بكين من أجل خفض التوتر بين البلدين، أشعل المنطاد الصيني الخلافات بين بكين وواشنطن خصوصا بعدما تم إسقاطه بتوجيه من الرئيس جو بايدن منعا للتجسس وحماية للأمن الوطني. وألغى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زيارته في عطلة نهاية الأسبوع إلى بكين بعد أن شوهد منطاد صيني في الأجواء الأميركية، الأمر الذي قد يؤدي إلى انعكاسات عدة على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري بحسب مراقبين.وأسقطت الولايات المتحدة السبت، المنطاد الصيني الذي يشتبه في قيامه بالتجسس على الجيش الأميركي، بعد أيام من تحليقه فوق أجواء البلاد، بينما انتقدت بكين قرار البنتاغون بالإسقاط متهمة الولايات المتحدة بـ"المبالغة في رد الفعل وبانتهاك الممارسات الدولية بشكل خطير"، إذ كانت قد ادعت أنه "منطادا مدنيا يستخدم للأرصاد الجوية".المنطاد يحمل رسالة وتشدد كارولين روز، كبيرة المحللين في معهد "نيو لاينز" للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، في حديث لمنصة "المشهد"، على أن "الصين تعمدت توجيه رسالة واضحة واستفزاز الولايات المتحدة، خصوصا أنها لم تلجأ إلى التجسس عبر الأقمار الاصطناعية بل أرسلت منطادا فوق الأجواء الأميركية".لكن رئيس مجلس العلاقات العربية الدولية (كارنتر) طارق بن سليمان آل شيخان يتمسك بأن هناك سيناريوهات عدة غير التجسس، قائلا: "السيناريو الأول أن الصين فقدت السيطرة على المنطاد ودخل الأجواء الأميركية بسبب عدم التحكم فيه، وهذا ما حصل معها قبل أشهر حينما فقدت بكين السيطرة والتحكم بأحد أقمارها الاصطناعية مما سبب هلعا كبيرا لدى العالم".ويعتقد خبراء الطقس أن مزاعم الصين بشأن المناطيد ممكنة، إذ قال أستاذ كيمياء الغلاف الجوي في جامعة واشنطن دان جافي لوكالة "أسوشييتد برس" إنه "في الأيام الأخيرة، كانت سرعة الرياح فوق ارتفاع 30.000 إلى 40.000 قدم (9000 إلى 12000 متر) 150 ميلا في الساعة (240 كم/ساعة) أو أعلى في هذه المنطقة من المحيط الهادئ".وأوضح جافي أن أنماط الرياح في شمال المحيط الهادي في الأيام الأخيرة "كان من شأنها أن تهب المنطاد شمال غربي ألاسكا ثم جنوبا غربيا عبر كندا إلى مونتانا".الصين قالت إن المنطاد يستخدم للأرصاد الجويةوعن السيناريو الثاني وراء المنطاد الصيني، يقول آل شيخان إن "السيناريو الثاني هو إرسال بكين لهذا المنطاد ليس التجسس على المنشآت النووية والعسكرية الأميركية، بل لإرسال رسالة قوية لواشنطن بأنها قادرة على التواجد بالأجواء الأميركية"، معتبرا أن هذا "يشكل نكسة لإدارة بايدن والبنتاغون الذي لم يستطع رصد هذا المنطاد إلا بعد أن تم الإبلاغ عنه من قبل طائرة مدنية".وأضاف: "في كلا السيناريوهين، تعمّد بكين أو فقدانها السيطرة على المنطاد، فإن ذلك يعتبر نكسة لواشنطن كونها لم ترصد المنطاد إلا بعد تحليقه بالأجواء الأميركية".وعن مدى قانونية ما فعلته واشنطن، نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤولي الدفاع في واشنطن قولهم: "وجود هذا المنطاد في مجالنا الجوي يعد انتهاكا واضحا لسيادتنا وكذلك القانون الدولي، ومن غير المقبول حدوث ذلك".وأكد مسؤولون دفاعيون أن "البنتاغون فكّر في إسقاط المنطاد في وقت سابق من هذا الأسبوع، لكنه قرر عدم القيام بذلك بعد إطلاع بايدن، وتم اتخاذ القرار المناسب والقانوني بالتشاور مع كبار القادة، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي ووزير الدفاع لويد أوستن".التوتر بين البلدينوبقيت التوترات بين الولايات المتحدة والصين عالية بسبب عدد لا يحصى من القضايا بما في ذلك قضية تايوان وحقوق الإنسان وكوريا الشمالية وحرب روسيا وأوكرانيا ومطالبات الصين في بحر الصين الجنوبي وصادرات الرقائق والسياسة التجارية وتغير المناخ.وكانت رحلة بلينكن، التي تم الاتفاق عليها بين الرئيس شي ونظيره الأميركي في نوفمبر الماضي على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا، تهدف إلى تخفيف بعض هذه المخاوف.وقال بلينكن إنه بسبب "وجود منطاد المراقبة في مجالنا الجوي، لم تكن الظروف مواتية للقيام بزيارة بناءة في هذا الوقت"، لافتا إلى أنه أبلغ كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الصين وانغ يي، في اتصال هاتفي بأنه يؤجل الرحلة.وأشار إلى أنه أخبر المسؤول الصيني أن الولايات المتحدة "لا تزال ملتزمة بالتواصل الدبلوماسي مع الصين" وأنه يخطط لزيارة بكين "عندما تسمح الظروف بذلك".لكن روز ترى أن الرد الأميركي سيكون من خلال فرض إجراءات عقابية على بكين من دود تحديد شكلها، مشددة على أن "إسقاط المنطاد الذي حلّق فوق المحيط الأطلسي كان لكسر نفوذ الصين، وواشنطن ستضغط حتما لكنها أيضا منشغلة بالحفاظ على سياستها في حرب أوكرانيا". وكانت وزارة الخارجية الصينية قد قالت في بيان إن "الصين تعرب عن استيائها الشديد واحتجاجاتها على استخدام القوة من جانب الولايات المتحدة لمهاجمة المنطاد المدني غير المأهول"، مشددة على أنها "تحتفظ بحق اتخاذ مزيد من الردود الضرورية".بدوره، يستبعد آل شيخان أن "تؤثر الحادثة على العلاقات بين البلدين بشكل قد يدعو لحدوث تصادم عسكري أو ما شابه ذلك"، معتبرا أن "البلدين اتهما بعضهما البعض كما حدث خلال زيارة رئيس مجلس النواب سابقا نانسي بيلوسي إلى جزيرة التايوان، حيث هددت كل منهما الآخر اعلاميا وبحشد البوارج والفرقاطات الصينية، لكن الأمور انتهى فجأة".وتوافق مع روز بأن "واشنطن منشغلة بما هو أهم من المنطاد وهي الحرب الروسية الأوكرانية".في المقابل، حذّر المسؤول الدفاعي السابق في المجلس الأطلسي ماثيو كرونيغ من أن حادث المنطاد قد يؤدي إلى "تصعيد خطير" بين الولايات المتحدة والصين، مضيفا أنه "في الواقع، أعطت بكين القدرة على رسم خريطة أفضل لصوامع الصواريخ الباليستية الأميركية العابرة للقارات من أجل الاستهداف المستقبلي وقياس رد الفعل الأميركي".وفور إسقاط المنطاد الصيني على الساحل الشرقي للولايات المتحدة، ضربت البحرية وخفر السواحل الأميركيان طوقا على موقع سقوط حطام المنطاد.ويسعى الأميركيون إلى انتشال الحطام من أجل معرفة أسرار المنطاد الذي قالت الصين إنه كان يعمل لغايات بحثية، بينما أكد مسؤولون أميركيون أنهم واثقين من أن المنطاد لأغراض التجسس.(المشهد)