خلال 12 عاما من الحرب السورية كان من المستبعد الحديث عن إمكانية جلوس الأطراف المتصارعة إلى طاولة المفاوضات، اليوم تتوالى اللقاءات والمبادرات لإحداث تسوية سياسية تُخرج البلاد من سنوات الفوضى والدمار والتشرد.هذه اللقاءات تتزامن مع الانفتاح العربي والإقليمي على الدولة السورية، ولعلّ التقارب السوري التركي كان سببا آخر لتسارع جميع الفاعلين في البلاد إلى حل يحفظ مصالح الجميع.لكن قد يكون من المبالغ الحديث عن مهمة سهلة وممكنة في الوقت القريب، فالمفاوضات المباشرة بين المعارضة والحكومة السورية من جهة، أو الإدارة الذاتية والحكومة من جهة أخرى تشوبها خلافات، بحسب خبراء.مبادرة الإدارة الذاتيةضمن آخر المبادرات، لقاء نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع ممثل عن المعارضة السورية لبحث تسوية سياسية أول أمس السبت، وذلك بعد أسابيع من إعلان الأكراد في شمال سوريا عن خطة شاملة للتسوية.وتتضمن المبادرة التي أعلنت عنها الإدارة الذاتية 9 نقاط، منها الاعتراف بوحدة سوريا واعتماد نموذج الإدارة في كل البلاد، إضافة إلى "توزيع عادل للثروات". كما أكدت الإدارة الذاتية في مؤتمر صحفي بالرقة على استعداد الإدارة لاستقبال النازحين واللاجئين في مناطق سيطرتها. ودعت الإدارة الذاتية المجتمع الدولي إلى "دور فعّال" للوصول إلى حل بين الدولة والمعارضة والتأكيد على خروج أنقرة من المشهد السوري. فهل تُنبؤ هذه المبادرة ومثيلاتها باقتراب الأزمة السياسية من نهايتها؟ هل تعود المعارضة إلى دمشق؟ وما أبرز شروط أطراف المشهد السوري للتفاوض؟في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية أمس الأحد جاء ما يلي: "جرى خلال اللقاء، تبادل معمّق لوجهات النظر حول تطورات الوضع في سوريا وما حولها، وتم إيلاء اهتمام خاص لمسألة تعزيز تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2254".وتابع البيان: "أشار الجانب الروسي إلى ضرورة الاحترام غير المشروط لوحدة وسلامة أراض وسيادة سوريا، وتم التأكيد على أهمية تكثيف الجهود الدولية لتحسين الوضع الإنساني وإعادة إعمار البنية التحتية السورية ذات الأهمية الاجتماعية بعد انتهاء الأزمة، وعودة اللاجئين".منصة "المشهد" تواصلت مع ممثل عن المعارضة السورية خالد المحاميد الذي كشف تفاصيل لقاء المسؤول الروسي وشروط الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الرئيس بشار الأسد.تفاصيل اللقاء الروسي مع المعارضة السوريةوعن سياق اللقاء، يوضح المحاميد أن "التواصل مع الجانب الروسي ليس بجديد وإنما هو مستمر لسنوات، لأن الروس جزء أساسي وفاعل في الملف السوري"، على حد تعبيره.وقال المحاميد: "روسيا عضو في اجتماعات أستانا ولديها اتفاقيات في الجنوب وفي دمشق، في حمص والقلمون، ولها دور أيضا في إصدار قرار الأمم المتحدة 2254 المتعلق بالتوصل إلى تسوية سياسية للوضع في سوريا".وأضاف أن اللقاء يأتي في سياق "إعادة بعض الدول لعلاقاتها مع الأسد"، نافيا أن تكون المعارضة ضد إعادة هذه العلاقات، لكنه في الوقت ذاته تتمنى أن يرافق فتح مسارات مع دول عربية وإقليمية انفراجة في الأزمة السياسية.وتابع: "نحن كنا دائما ننتطلع ليكون هناك دور عربي في الملف السوري، نرحب بالدور العربي بتفعيل هذا المسار السياسي من أجل عودة المهاجرين وإعادة بناء الثقة بين السوريين".وشدّد المحاميد على "ضرورة عودة المُهجّرين الذين يفوق عددهم 12 مليون سوري"، مجدّدا تأكيده على أن "الحل السياسي الذي يشمل العودة يجب أن يكون وفقا لقوانين الأمم المتحدة".وكشف المحاميد أن الجانب الروسي أكد أن هناك مبادرات عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، وضمن مساعي حثيثة لموسكو ستُعقد لقاءات بين وزارات الدفاع والأمن ووزراء الخارجية وبعد الانتخابات التركية المقررة في 14 مايو 2023 "ستكون الأمور أوضح مع تركيا".وأشار المحاميد إلى أن هدف المعارضة السورية من هذه اللقاءات هو تحريك المسار السياسي."نؤكد على فتح حوار مباشر في دمشق لانتهاء الأزمة والمحنة، 12 عاما مرت ولا يزال السوريون في الشتات، الشعب السوري يستحق العودة الآمنة وتحقيق العدالة الانتقالية"، بحسب المحاميد.ودعا المحاميد إلى اتخاذ قرارات جريئة، مؤكدا أنه من دون حل في الداخل السوري لا يمكن أن تتقدم سوريا، "من يُعيد بناء الدولة السورية هو شعبها".لقاء المعارضة مع بشار الأسد؟وفي ظل التوجه المتفائل للأطراف السورية لإنهاء الأزمة في البلاد، سألنا المحاميد إن كان اللقاء بين المعارضة والأسد ممكنا أكثر من أي وقت مضى.فكان جواب المعارض السوري كالتالي:المصلحة الوطنية أولا ولدينا أجندات وطنية وضمير لحل سياسي.يجب علينا أن نتنازل جميعا، لا النظام انتصر ولا المعارضة انتصرت.بالعكس دُمرت سوريا والخاسر الأكبر هو المواطن السوري.وشدّد المحاميد على ضرورة إصلاح البيت السوري من الداخل وليس من الخارج، مضيفا: "نريد أن نطوي الصفحة ونبدأ صفحة جديدة من أجل الوصول إلى الحل وهو أن نجلس إلى الطاولة، إذا لم يكن هناك خطة حقيقية سينفجر الأمر لاحقا لأن "الوضع كارثي" في سوريا، على حد تعبيره. ويختم الحاميد: "جميع دول مجلس الأمن وافقت على القرار 2254 السالف الذكر، نحن وافقنا الدخول في المفاوضات من دون شروط مسبقة ونحن نطالب بتطبيق هذا القرار".مفاوضات مع الدول الداعمة للمعارضةفي المقابل، يعتبر المحلل السياسي السوري غسان يوسف أن المعارضة اليوم "لا تملك أي ورقة قوة لتُفاوض بها الدولة السورية لأنها لم تعد تعتمد على دعم خارجي من تركيا".وأضاف: "تركيا رفعت يدها على دعم المعارضة وبالتالي المفاوضات ستكون بين الدولة السورية والدول الداعمة للمعارضة".واعتبر يوسف:المعارضة السورية تحاول أن تثبت أنها لا تزال موجودة وتتمتع بنوع من التأييد الشعبي.المعارضة فقدت قوتها وزخمها ولم يعد لديها ما تفاوض به.المعارضة تبحث عن وجوده لها في الخارطة السياسية السورية بعد الانفتاح العربي على سوريا وبعد مبادرة الأكراد.في الشكل لم تعد هذه المفاوضات ضرورية بين المعارضة والدولة السورية حتى الدول الداعمة للمعارضة لم تعد تقتنع بالمفاوضات بين الجانبين.واعتبر المتحدث نفسه أن التواصل مع روسيا ليس بجديد، "نعرف أن المعارضة السورية كانت تتواصل مع روسيا منذ بداية الأحداث في سوريا وموسكو هي من تبادر للقاء المسؤولين".أما عن ضرورة عودة اللاجئين والمهجّرين التي ركز عليها ممثل المعارضة السورية، فيرى يوسف أن هذه مسألة ضمن مساعي الدولة السورية لأنها تُعتبر أن من واجبها إعادة هؤلاء إلى بيوتهم وقُراهم، "العودة تحصيل حاصل والدولة السورية معنية بها".ويرى المحلل السياسي أنه في ظل الانفتاح العربي والتقارب السوري التركي الأمل أقوى في أن يتحسن الوضع في الداخل السوري وتتحسن الأوضاع الاقتصادية. مُعيقات التفاوض أما عن أبرز العراقل التي تمنع مفاوضات مباشرة بين المعارضة ودمشق، فيلخصه المحلل السياسي السوري في عدم وجود رغبة لا من طرف الدول الداعمة للمعارضة ولا الدولة السورية لإقامة هذه المباحثات.أما بالنسبة لمفاوضات مباشرة مع الإدارة الذاتية، فيرى غسان يوسف أنها مرتبطة بالإدارة الأميركية ووجود القوات الأميركية. ويعتقد المتحدث ذاته أن مبادرة الأكراد للتسوية السياسية، التي لم يُذكر فيها وجود "الاحتلال الأميركي" فهي مبادرة "ناقصة ولا يمكن التعويل عليها"، حسب وصفه، ويضيف:أعتقد أن موضوع المفاوضات مع المعارضة تقريبا انتهى. لكن بالنسبة للإدارة الذاتية ستعتمد المفاوضات إذا جرت على دعم من الولايات المتحدة.هذا الدعم مشكوك فيه لأنه توجد قناعة في دمشق أن واشنطن تعمل على إقامة "كانتون" كردي في شمال شرق سوريا.وهو ما يعني تهيئة لحدوث انفصال في تلك المنطقة."ولكن كل شيء جائز في السياسة كل شيء قد يتغير، ربما يكون هناك انسحاب أميركي من شمال سوريا كما شاهدنا في أفغانستان، ومبادرة الإرادة الذاتية يأتي في ظل خوف من المستقبل ولعب الأكراد على أكثر من وتر"، يختم الكاتب والمحلل السياسي حديثه. معالجة منقوصة وتجزئة للحلنائب الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بدران جيا كرد، يعتبر أن جهود التسوية السياسية التي تتم من دون مراعاة واقع الحال في سوريا هي "جهود منقوصة ولابد من أن يتبعها وقائع"، من جهة أخرى "الملفات التي تتطلب معالجة فعلية ليست فقط موضوع اللاجئين والجلوس مع دمشق، بل هناك ملفات عدة منها "الإرهاب والاحتلال كذلك وأيضا قرار أممي 2254".ويوضح جيا كرد في تصريح لمنصة "المشهد"، أن "المعالجة المنقوصة أو تجزئة الحل تدلّ على أن هناك غلبة لمصلحة طرف ما على حساب المصلحة السورية ولسنا مع هذا التوجه"، ويضيف: الدلائل تشير إلى أن مبادرة الإدارة الذاتية تكمن في أنها مبادرة سورية وطنية.هدف بنود المبادرة هو تحريك المياه الراكدة من أجل البحث والتشاور بين قوى سورية وبدعم دولي.المبادرة تهدف إلى تفاهم حول الملفات والقضايا التي من شأنها تلبية متطلبات السوريين، بما فيهم نحن كشعب ومكونات شمال وشرق سوريا.لا بد من الوصول إلى تسوية سياسية وفق ما تصمنه مصلحة الشعب السوري بكل مكوناته ولا يمكن أن تعود الأمور إلى ماكان قبل 2011.ويؤكد جيا كرد أن استمرار الأزمة دون حلول واقعية منطقية تزيد من تعقيد الأمور وتؤدي لأن تسوء أكثر، و"مبادرتنا جاءت للحد من تطور حالة السوء الموجودة في المشهد السوري"، على حد تعبيره.لا شروط للإدارة الذاتيةأما عن شروط الإدارة الذاتية للتفاوض، فيرفض المتحدث استخدام مصطلح "شروط"، ويقول: نحن نطرح حلول وآليات، مع دمشق لدينا رؤى تتمثل في تحقيق تغيير سياسي شامل وبناء نظام سياسي في سوريا. نحن كإدارة ذاتية اليوم لا يمكن لنا أن نتحدث عن حل مع طرف ونتجاهل رؤيته وهذا ما يحصل بيننا وبين دمشق. نحن دائماً جاهزون للجلوس والنقاش من دون شروط ولكن نريد أن يتم إتخاذ وجهة نظرنا بعين الاعتبار حول الأطروحات التي نطرحها نحن.ونفى جيا كرد أن يكون مشروع إدارته لا يرتبط بأي مشاريع هدفها تقسيم وتفتيت سوريا.وتابع: "لا نلمس مرونة واضحة من قبل دمشق وهذا عائق أساسي حتى الآن"، وفقا لحديث المسؤول السوري في الإدارة الذاتية.(المشهد)