لم تكن العلاقات المغربية - الجزائرية في أحسن حالاتها، لتتحمّل المزيد من التوتر، فجاءت قضية مقتل شابين مغربيّين دخلا المياه الإقليمية للجارة الشرقية، لتصبّ الزيت على النار.وسائل التواصل الاجتماعي وجدت مادّة دسمة لتؤجّج تراشق الاتهامات، وتصعّد لهجة كراهية بين البلدين تجاوزت حدودها، لتدخل السياسة والتاريخ والقرابة الجغرافية والهويّاتية، بعيدا عن رأي القانون في القضية.بحسب شهادة أحد الشباب المغاربة، فهم لم يكونوا مسلّحين ودخلوا عن طريق الخطأ، وتحاوروا وشرحوا وضعهم لحرس السواحل الجزائري، لكنّ هذا الأخير يقول العكس ويؤكد أنّ الشباب "تعنّتوا" بعد إنذارات عدة وقاموا بـ"استفزازات". فماذا يقول القانون الدوليّ والقانون الجزائريّ في قضية مقتل شابين دخلا المياه الإقليمية الجزائرية، عبر الحدود البحرية مع مدينة السعيديّة المغربيّة؟السيادة وحماية الحدود المحامي الدولي وأستاذ القانون الدولي في جامعة الجزائر منير قتال، يرى أنّ الدولة الجزائرية تلتزم بالقوانين الدولية كافة، من ضمنها اتفاقية القانون البحري، والاتفاقية الدولية مونترو حول القوانين البحرية لحماية الحدود الساحلية، واتفاقية الحقوق المدنية الحقوقيّة والسياسيّة، وغيرها من القوانين الدولية الأخرى في استخدام القوة.ويقول قتال في حديث لمنصة "المشهد"، إنّ الدولة الجزائرية لديها كل السيادة المطلقة لحماية حدودها ومياهها الإقليمية، وهناك موادّ تنصّ على عدم خرق الحدود، سواء شركات أو أفراد من دون علم مسبّق للسلطات الجزائرية.ويوضح أنّ مقتل الشابين المغربيّين جاء على أساس الخلفيات التالية:عدم الاستجابة لإنذارات عدة، الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية للأمم المتحدة للقانون البحري، التي تحدد الحقوق البحرية، وميثاق الأمم المتحدة ينص في الفصل السابع، أنه بإمكان الدولة الساحلية أن تقوم بالتصعيد التدريجي، إذا شعرت بتهديد إرهابي أو تهديد جواسيس، أو استخدام القوة.الشابان المغربيّان لم يستجيبا للإنذارات بالتوقف، وقاما بمناورات في المياه الإقليمية الجزائرية، وبالتالي يصنّفهما القانون الدولي كمشتبه بهما. نلوم السلطات المغربية التي سمحت لهما بالدخول، ولم تتّخذ أيّ تحرّك إبان خرق الحدود الساحلية الجزائرية. الأسطول البحري الجزائري ليس لديه مسؤولية لحماية حياتهم، بل أكثر من ذلك، أنّ المناورات التي قام بها هؤلاء الشباب، أثارت غضب واستفزاز السلطات الجزائرية. بعيدا عن الخلفيات السياسية، قوانين استخدام القوة في هذه الحالة، تختلف من دولة إلى أخرى، وتعتمد على نظام القانون الدولي.قانون البحار الجزائري يتضمن أنّ خرق ضبط التجوال في المياه الإقليمية، يمكن أن تستخدم فيه الدولة القوة والتصعيد التدريجيّ لصدّه.ما قامت به الجزائر مشروع لحماية الأمن والسلم الدوليّين، وقانوني.قانون حقوق الإنسانعلى نقيض الطرح السابق، قال المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب، إنّ ما تعرّض له الضحايا يعدّ "انتهاكًا جسيمًا لحقوق الإنسان، وحرمانًا تعسّفيًا من الحق في الحياة"، خصوصا أنّ الضحايا كانوا في "خط حدوديّ غير واضح، وفي منطقة بحرية غير متنازع عليها".في السياق، يوضّح أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية في جامعة وجدة، خالد شيات، أنّ القانون الدوليّ يتدخل في قضية مقتل الشابين المغربيّين على مستويَين:القانون الدوليّ لحقوق الإنسان الذي يقرّ حقوق كل الأطراف.القانون الدوليّ الإنسانيّ الذي يتدخل في حال كانت أطراف القضية في حالة حرب أو نزاع مسلّح.ويعتبر المصدر ذاته في حديث لـ"المشهد"، أنّ "استخدام السلاح في مثل هذا الوضع، يعني أنّ هناك أوامر لإطلاق النار على أيّ شخص يدخل الحدود".ويشرح خالد شيات أنّ الضحايا إذا "اعتبرناهم لاجئين دخلوا إلى هذه الأراضي، كان من المفترض أن يتمّ التعامل مع القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين، وإذا كانوا مهاجرين سريّين، فيجب التعامل مع القوانين نفسها، لكن طبعا مواطنين لديهم الجنسيّة الفرنسيّة لن يطلبوا اللجوء إلى الجزائر". أما إذا كانت الجزائر تعتبر أنّ هؤلاء ربما مسلحين ويشكلون خطرا على الدولة، فيفسّر شيات أنه في جميع الحالات وفي اتفاقية جنيف وعدد من الاتفاقيات الدولية الأخرى، يجب أنه حتى في حالة شكّ، يجب الاعتبار أنهم يمكن أن يكونوا مدنيّين"، ويضيف:وفقا للقانون الدولي هؤلاء لم يكونوا مسلحين ولا طالبي لجوء، ولا يسعون للهجرة غير الشرعية، يجب التعامل معهم بأسلوب آخر، وإرجاعهم إلى مناطقهم من دون استخدام أيّ قوة.هناك مسؤولية على الشخص الذي أطلق النار، ويدخل في إطار الإجرام وهو مسؤول طبقا للقانون الجنائي الخاص بالعسكريين في الجزائر.تترتب مسؤوليات على الأشخاص الذين أعطوا الضوء الأخضر والأوامر لإطلاق نار على المدنيين.إذا تم إعطاء أوامر لقتل مدنيين على أساس جنسيّتهم، فهذا يرقى إلى جريمة ضدّ الإنسانية. قوانين عالم البحاربالنسبة للباحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية كريم عايش، فما حدث "جريمة"، مضيفا أنه "كيفما كان شكلها تبقى عملا مرفوضا ويعاقب عليها القانون، فهي جريمة قتل أرواح بشرية والتي تلاقي الاستنكار أولا، ثم الإثبات وبعدها العقاب". أما في ما يخص قوانين عالم البحار، فيقول عايش في حديث لمنصة "المشهد":هناك اتفاقية جنيف لسنة 1958 الذي تم تعويضها باتفاقية مونتيكو باي، أو ما يُعرف باتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحر والمصادَق عليها سنة 1982، والتي حدّدت القواعد الشاملة لكل المعاملات والتعريفات المرتبطة بالبحر، والتي عرفت مصادقة أكثر من 60 دولة بما فيها المغرب والجزائر.هذه الاتفاقية تنص على ضرورة تقديم المساعدة لأيّ شخص وُجد في البحر في حالة ضياع ضمن مقتضيات المادة 98.هنا سنعود بشريط الأحداث لنقل تصريح أحد الناجين من الحادث، والذي أكد تواصل القتلى مع حرس الحدود بالجزائر قبل انطلاقهم في رحلة العودة، ليتم مقتل اثنين وإصابة ثالث، ما يُعتبر خرقا سافرا لمقتضيات القانون الدولي، وجريمة في حقّ سياح تاهوا في البحر، لم يكونوا مسلحين أو يشكلون أيّ تهديد يُذكر.الاتفاقية الدولية للقرصنةفي المقابل، يشير المحامي الدولي منير قتال، أنّ الاتفاقية الدولية للقرصنة التي تؤكد على مكافحة القرصنة، وتحديد الإجراءات لمحاكمة ومعاقبة المجرمين أو المشتبه بهم في خرق الحدود الإقليمية البحرية.وأضاف المتحدث ذاته، أنّ "الدولة الجزائرية في موقف قوة وطبّقت مقتضيات القانون الدوليّ والقوانين في استخدام القوة، والتي تعتمد على نظام القانون الدولي والقوانين الوطنية المعتمدة في الدولة الجزائرية، والتي تسمح بالحق في الدفاع عن الحدود ولها السيادة الكاملة في حمايتها". اللجوء إلى الأمم المتحدةمن جانبه، لفت الخبير القانوني كريم عياش، أنّ خفر السواحل الجزائري، "احتجز شخصا وتمت محاكمته وإيداعه السجن في أقل من يومين، من دون احترام شروط المحاكمة العادلة وتمكينه من الدفاع، وفق مقتضيات القانون، سواء الجزائريّ أو الدولي، خصوصا في ما يتعلق باحترام حقوق الإنسان". ويرى عياش أنه يحق للدول التي يحمل الضحايا جوازات سفرها، التقدم بشكوى لدى الأمم المتحدة، و"المحكمة الدولية لقانون البحار الموجودة بهامبورغ ألمانيا، يمكن أيضا اللجوء لمحكمة العدل الدولية، وهذا لا يمنع قيام الجهاز الدبلوماسي برفع دعوى مدنية في الجزائر نفسها، ومطالبة الدولة بتقديم المسؤولين ومحاكمتهم، وتعويض الأضرار التي لحقت بعائلات الضحايا". واعتبر المصدر ذاته أنّ هذه الخطوات يمكن للمغرب القيام بها، وفرنسا أيضا، على اعتبار كون الضحايا من مزدوجي الجنسية.والجمعة، فتحت النيابة العامة تحقيقا في "ملابسات مصرع" شاب مغربي - فرنسي، بعد أنباء عن مقتله رفقة شاب آخر في إطلاق نار من طرف خفر السواحل الجزائري، على الحدود مع المغرب. (المشهد)