عقدان من الزّمن كانا مشهداً دامياً لنزاعات مميتة في إقليم دارفور السّوداني، وفي ظلّ انتشار السّلاح بشكل كبير في الآونة الأخيرة، ترتفع الأصوات الخائفة من طبول حرب أهليّة جديدة، قد تُقرع في أيّ لحظة.بمبادرة لمنظّمة "بروميديشن" الفرنسية، وبالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية والخارجية المصرية، قامت المنظّمة بدعوة الأطراف الفاعلة في إقليم دارفور وهي الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام والجيش السوداني وقوات الدعم السريع، للمشاركة في ورشة عمل عُقدت لمدة 3 أيام كانت قد بدأت الثلاثاء في العاصمة المصرية القاهرة، وهدفت تلك الورشة إلى مناقشة الأوضاع الأمنية في دارفور وإمكانية التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار وخفض التوتر في الإقليم.رئيس قوات الدعم السريع لديه علاقات طيّبة مع فرنسا للإضاءة على أبعاد هذه المبادرة، كان لمنصّة "المشهد" حديثٌ مع الصحفي والمحلّل السياسي علاء النّجار، الذي اعتبر أن "هذه الوساطة من جانب منظّمة "بروميديشن" بالتعاون مع الخارجية الفرنسيّة، يجب ربطها بالحرب الدائرة في السودان بين قوات الدعم السريع بقيادة قائدها محمد حمدان دقلو، الشهير بـ"حميدتي" وأيضاً الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان". ورأى النّجار أن "هناك محاولة من الأطراف المصريّة أيضا لمساعدة منظمات غير حكوميّة فرنسيّة تريد أن تحيّد منطقة دارفور عن مناطق الحرب السّودانية على اعتبار أن بعض التقارير غير الرّسمية تتحدث عن أن رئيس قوات الدعم السريع لديه علاقات طيّبة مع الدّول الغربية، وتحديداً مع فرنسا ومصر على أساس أنه يحاول أن يقدم نفسه كشريك يمكن الاعتماد عليه، ويساهم في محاربة الهجرة غير الشّرعيّة، ومحاربة الجيش السوداني على أساس أنه جيش إسلامي أو ينتمي إلى فكر الإخوان، وبالنسبة للدول الغربيّة ربما هذا الخطاب لقي مفعوله لديها، وتحاول إقحام قوات الدّعم السريع في المفاوضات".وأضاف: "يجب أن نتحدث عن هذه المنظمات غير الحكومية خصوصاً منظمة "بروميديشن" التي كانت مُنتقدة في مالي وبوركينا فاسو على أساس أنها تدخلت من أجل تقوية وتدعيم الديمقراطية والمجتمع المدني في هذه الدّول الإفريقية، لكن السلطات الإفريقية كانت تنظر إلى هذه المنظمة الفرنسية بعين الريبة، وهذا يدخل في إطار الجفاء والرفض لكلّ ما يأتي من فرنسا في إفريقيا".علاقات تجارية وثقافيّة قوية بين السودان وفرنسا أمّا عن دور فرنسا في السّودان فقال: "منطقياً، ليس هناك أي دور لفرنسا في السودان على اعتبار أن تأثير باريس هو في الدول الفرانكفونية وفي شمال إفريقيا، لكن العلاقات التجارية قوية جدّاً بين السودان وفرنسا، فالسودان تُعتبر شريكها التجاري الثالث، وتربط البلدين علاقات ثقافية أيضا، ففرنسا هي الدولة التي تستقبل أكبر عدد من الطلاب السودانيين في جامعاتها. أما من الناحية السياسية فهناك بعض المنظّمات غير الحكومية الفرنسية التي تحاول أن تقوم بدور معيّن بالتعاون مع مصر والإمارات بهدف تقريب وجهات النظر، لكن يبدو أن الأجواء لم تحن بعد لأن يتم قبول جميع الأطراف، لأن الحرب ما زالت دائرة في السّودان وهناك عدم ثقة في تصرفات رئيس قوات الدّعم السّريع".إفريقيا تغيّرت كثيراً وهناك رغبة في الاستقلاليّة وعن الدّور الفرنسي في إفريقيا، أشار النجّار إلى أن "تراجعاً واضحاً ظهر أخيراً للدّور الفرنسيّ في إفريقيا، ويمكننا وصف التراجع بـ"الخسارة الكبيرة"، فمنذ مجيء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وعلى الرغم من أنه قدّم تصوّراً جديداً وفكراً جديداً وقدّم نفسه كسياسيّ جديد، إلّا أن ترميم العلاقات لم يتمّ".وأضاف النجار "لوحظ ذلك من خلال الأزمات المتعدّدة خصوصاً مع شمال القارّة الإفريقيّة وقد امتدّ ذلك غرباً وشرقاً وحتى لوسط إفريقيا، كان هناك نوع من التّعامل الاقتصادي البحت، وكان يتمّ استخدام المستعمرات الفرنسيّة السابقة في إفريقيا على أساس أنها دول يمكن أن يتم عقد صفقات معها".وتابع النجار "لكن الأجيال الصّاعدة الجديدة من الحكّام في إفريقيا لا تريد أن تضع كلّ بيضها في سلّة فرنسا، ولا تريد أن يتم الاعتماد على الإرث التاريخي الاستعماريّ السابق، إفريقيا تغيّرت كثيراً، هناك نظرة جديدة ورغبة في الاستقلاليّة، لكن للأسف العقليّة الفرنسيّة لم تتغيّر، فالتعامل ما زال أمنيّاً وهناك غياب تامّ للدبلوماسيّة بدليل بسيط أن وزير الخارجيّة الذي وصل إلى الحكومة أخيراً تكوينه أوروبيّ بحت، ولا يملك تلك النظرة التي تعيد الإشراق لفرنسا في إفريقيا، لأن فرنسا فقدت إفريقيا وهناك الكثير من الجهود التي عليها القيام بها لتكون الشريك المنافس كبقيّة الشركاء".(المشهد)