يُجمع الأدباء والنقاد على أنّ الأدب الفلسطينيّ المعاصر لم يغِب، وحاضر في أحوال الفلسطينيّين خصوصًا السياسية، فهو ينشد الحياة ويلفظ الموت، فنجده ضمنًا في النصّ بالانتماء، وفكرة في الكلمة بالهوية، التي تصوّر أحوال الفلسطينيّين في البلاد وخارجها، متحدّيًا قوى الشر، التي تسعى لإلغاء الحقوق، وإخفاء الحقائق.. بالبقاء.وعلى مرّ السنوات تمكّن الأدب بأشكاله كافة، من رصد الواقع والتطلّعات، على الساحة المحلية والعالمية، وكتب المفكرون والروائيون والشعراء حول القضية الفلسطينية من وجهة نظرهم، فعملوا على رواية تفاصيلها بأبعادها الإنسانية والتاريخية، فوضعوها على جسر الحق.. مقابل الحياة، فكانت وما زالت مسيرتهم زاخرة وحافلة. إدوارد سعيد.. فكر وإنتاج لا ينضببرز عدد من المفكرين الفلسطينيّين، صوتهم الفاعل في إيصال الكلمة والفكرة يُسمع صداه حتى اليوم، أبرزهم الأكثر شهرة المفكّر المقدسيّ إدوارد سعيد، الذي أغنى الساحة الفكرية العربية والعالمية، وألّف ما يقارب 20 كتابًا، وكان من أكثر الأصوات تأثيرًا في الدفاع عن القضية الفلسطينية، مشيرًا لمُعاناة الشعب اليهوديّ من الإبادة والاضطهاد، وعمل كأستاذ للنقد الأدبيّ في جامعة كولومبيا حتى رحيله عام 2003، وهو من الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الاستعمارية، كان سعيد عضوًا في المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ، واستقال منه احتجاجًا على اتفاقية أوسلو. صحيفة "غارديان" نشرت تقريرًا أعدّه الباحث مصطفى بيومي، قال فيه إنّ الناقد والمفكر الفلسطينيّ إدوارد سعيد، يبدو وبعد 20 عامًا على وفاته كـ"نبيّ"، وإنّ هناك جوعًا لسرده الذي قدّمه خلال مسيرته الفكرية، حيث لا تزال أفكاره مُلهمة، ولهذا لجأ البعض إلى سعيد كمرشد لهم. ولا يجد الباحث صعوبة في العثور على لقطات قديمة لسعيد على منصات التواصل الاجتماعي، فأفكاره وكلماته ولقطاته الأرشيفية، نُشرت مؤخرًا بشكل واسع في كتب ومقالات علمية وأكاديمية ومنصّات. وحول ذلك يقول الشاعر والأديب المتوكّل طه لمنصة "المشهد": "في الحرب على غزة، عاد الشعب الفلسطينيّ إلى آباره الجوفية لكي يستقي ويشحذ روحه، والعودة إلى إدوارد سعيد عودة إلى الروح، لحظة التحام، وليؤصّل مداركه لكي يظل قادرًا على المواجهة، لذا نرى كل حمولة إداورد سعيد الفكرية، تُستعاد لأنّ الشعب يحتاجها كوقود لروحه، كجزء من التأكيد على الثقافة والهوية والشخصية الفلسطينية المهدّدة بالفناء". وتتفق الكاتبة والأديبة ديما السمّان مع الشاعر طه، وأشارت لمنصة "المشهد" إلى أنه "في هذه المرحلة بالذات، التي تعيش فيها غزة هاشم كل أسباب القهر والتجويع والإرهاب، بنيّة التهجير والإبادة، من المؤكد أن يعود الناس لنتاجات عمداء الأدب الفلسطيني، أمثال غسان كنفاني، ومحمود درويش، وسميح القاسم وإدوارد سعيد وغيرهم، إذ كبروا وتثقفوا وطنيًا عليها، تحثّهم وتحفّزهم على التمسّك بالأرض والهوية، فتكون أشبه بالمنارة التي تدلّهم على الطريق". المقاومة تنهض على الجذر الثقافي وأضاف الشاعر طه لـ"المشهد" أن "الروح المتوقّدة لدى الشعب الفلسطينيّ لم تنطفئ منذ 100 عام، بل تزداد توهّجًا وسطوعًا، ونرى هذا الإشعاع في الثقافة الفلسطينية، كلّما كان هناك حالة مدّ وجموح ومقاومة، فالثقافة الفلسطينية ابنة المقاومة، لا يمكن أن نرى ثقافة ساطعة إلّا لحظة الاشتباك والمواجهة". وتابع قائلًا: "محمود درويش الوطن الشعري، إدوارد سعيد الوطن الفكري، غسان كنفاني الوطن النضاليّ والأدبي، هؤلاء كوّنوا الروح الفلسطينية، أصّلوا المدارك بمعاني الحرية والعدالة لفلسطين، واستعادتهم في خضمّ الحرب الدائرة، لأنهم اجترحوا هذه العتبة التي وضعونا عليها، وأرادوا منها أن نندفع اتجاه النهار والحرية والخلاص".الأصوات البارزة الراوية لتفاصيل القضية توالت الإبداعات التي جسدت صورة الأدب الفلسطيني، فكتب الأدباء والشعراء نصوصًا شكّلت الوجدان، وساهمت في تقرير المصير، وأكدت الحقوق الوطنية الثابتة، أبرزهم فدوى طوقان، وتوفيق زيّاد، وعبد الكريم الكرمي، وسميح القاسم، ومريد البرغوثي، ومحمود درويش، الذي يظلّ إرثه الصوت التاريخيّ المعبّر عن قضية بلاده، فيما تميّز شعره بالإنسانية، وترك بصمة مهمة في القصيدة العربية الحديثة، وتجسّد قصيدته "فكّر بغيرك" التي كتبها في أواخر تسعينيات القرن الماضي، البُعد الإنسانيّ حين كَتب: وأَنتَ تُعِدُّ فطورَك، فكِّرْ بغيركَ لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ كما أنّ هناك روائيّين أثرهم ممتدّ مثل غسان كنفاني، الذي تبنّت كتابته فكر الخلاص والحرية، وعندما نقرأ روايته "رجال فى الشمس"، تتجسد فيها أفكار الإنسانية إلى حدّ بعيد، وحاليًا في فلسطين هناك امتداد لهذه الأصوات، من بينهم يحيى يخلف، وإبراهيم نصر الله، وهما من الأصوات السائرة على النّهج ذاته. الحرب وإحياء الأدب الفلسطينيتوضح الكاتبة والأديبة ديما السمّان لمنصة "المشهد"، "لا شك أنّ حرب غزة حرّكت مشاعر العالم أجمع، فما بالُك بالفنانين والأدباء وأصحاب الأدوات الإبداعية، وخصوصًا من الفلسطينيّين، وهم مجبولون بالأحاسيس والمشاعر، حرب غزة نبشت الجرح الذي ما اندمل يومًا، فتقرّح من جديد، لينطلق صرخة تصمّ الآذان، تذكّر بالنكبة ثمّ النّكسة وما تلاها من حروب قَتلت ودمّرت بهدف التّهجير والإبادة". وختمت السمّان، "ليس على مستوى فلسطين، بل على مستوى العالم العربيّ أجمع، فقد بدأنا نلحظ المبادرات المختلفة من الشعراء الفلسطينيّين والعرب، الذين يدعمون غزة، بأجيالهم المختلفة، يخطّون بأقلامهم قصائد تُدمي القلوب، ومنهم من كتب باللغتين الإنجليزية والفرنسية وغيرهما من لغات العالم، مؤمنًا بأهمية دوره في إيصال صرخة الضحايا إلى العالم، لتطفو القضية على السطح من جديد، بعد غفوة طالت، أو ربما انتكاسة، أطفأت الشعلة لفترة من الزمن، لتعود وتشتعل". (المشهد - القدس)