نفّذت "قوات العشائر العربية" في شرق سوريا هجوماً واسع النطاق على قرى وبلدات في الضفة الشرقية من نهر الفرات تسيطر عليها قوّات سوريا الديمقراطية "قسد" وتحتوي على مراكز عسكرية ونقاط وحواجز عائدة لها.اتّهمت "قسد" الحكومة السورية بالوقوف خلف الهجوم الذي جاء في توقيت حسّاس يُشير إلى سيناريوهات محتملة لأي تطوّرات ميدانية بالتزامن مع تصاعد التوتّرات إقليمياً وفي المنطقة التي تنتشر فيها القوّات الأميركية والتي تقود "التحالف الدولي" المشكّل لمحاربة تنظيم داعش."قسد" أعلنت صدّ هجوم العشائر حقّق الهجوم المباغت لمسلّحي العشائر العربية فجر الأربعاء والذي تركّز على الخط الممتد من الحدود العراقية - السورية عند نقطة الباغوز وصولاً إلى الشحيل في ريف الميادين الغربي تقدّماً كبيراً في بدايته، حيث نجح مسلّحو العشائر في اجتياز نهر الفرات شرقاً والسيطرة على عدد من النقاط والحواجز العسكرية قبل أن تقوم قسد بصدّ الهجوم بعد استقدام تعزيزات من ريف الحسكة الجنوبي المتّصل مع ريف دير الزور. يرسم نهر الفرات الذي يقطع محافظة دير الزور من منتصفها الفاصل الحدودي بين مناطق سيطرة حكومة دمشق جنوب الضفة والمناطق الواقعة تحت سيطرة "الإدارة الذاتية" المعلنة من قبل طرف واحد شمالاً في أقصى شرق الجغرافية السورية. المواجهات، التي بدأت مع تسلل مجموعات مسلّحة من قوّات العشائر بقوارب صغيرة في نقطة الهواشه، استمرت على طول خط الاشتباك في 7 قرى بريف دير الزور الشرقي حوالي 4 ساعات أسفرت عن قتلى من كلا الطرفين، وسط تبادل الاتّهامات والتصريحات التي تناقلتها حسابات مواقع التواصل الاجتماعي المحلّية. واتّهمت "قسد" الحكومة السورية بالوقوف وراء الهجوم، وقال القيادي في "مجلس دير الزور العسكري" التابع لـ"قسد"، نوري خليل، إن "الهجوم الذي استهدف مناطق ريف دير الزور الشرقي، فجر الأربعاء، كان هجوماً منظماً". وأضاف خليل في مقابلة مع وكالة هاوار المحلية أن "دمشق تسعى دائماً إلى زعزعة الاستقرار في شمال شرق سوريا وبالتحديد في مناطق دير الزور لأهميتها الإستراتيجية". بالمقابل، تداولت حسابات مناوئة لـ"قسد" تسجيلاً صوتياً منسوباً لـ"قائد قوّات العشائر العربية"، الشيخ إبراهيم الهفل، يؤكد فيه التزامه "بتحرير الأراضي من قسد المصنّفة دولياً بالإرهابية"، رافضاً في الوقت ذاته اتّهامات التبعية لأي أحد، حسب إعلانه.أهمية دير الزور الجيوإستراتيجية تكتسب محافظة دير الزور، التي تتألف من 3 مدن رئيسية: مدينة دير الزور المركزية، الميادين، البوكمال، أهمية جيوإستراتيجية نتيجة لموقعها الجغرافي الواقع على الحدود مع العراق، واحتوائها على كبرى حقول النفط والغاز في البلاد، بالإضافة إلى أهمّيتها الزراعية، حيث تشكّل مع محافظتي الرقة والحسكة الواقعتين بنسبة كبيرة تحت سيطرة "الإدارة الذاتية" السلة الغذائية الإستراتيجية لسوريا. بقيت المحافظة منقسمة بين مناطق سيطرة الحكومة السورية و"داعش"، التي اتّخذت منها نقطة انطلاق لإعلان "دولتها الإسلامية في سوريا"، قبل أن تقضي "قسد" على آخر معاقل التنظيم الإرهابي في الباغوز في آخر تجمع سكاني سوري على الحدود العراقية. ورغم بسط "قسد" سيطرتها على المنطقة غداة القضاء على تنظيم داعش بمساندة قوات "التحالف الدولي" التي تقودها الولايات المتّحدة، إلا أن دير الزور، ذات التركيبة الاجتماعية العشائرية، بقيت الخاصرة الرخوة بالنسبة "للإدارة الذاتية" التي يقودها الأكراد في سوريا، خصوصا وأن معظمها تكاد تخلو من السوريين الأكراد خلافاً لمحافظتي الحسكة والرقة الواقعتين تحت سيطرتها أيضاً. بالمقابل، فإن موقع المحافظة الحيوي على الخط الواصل من طهران إلى الحدود السورية-اللبنانية، وانتشار القواعد العسكرية الأميركية في شمال ضفة نهر الفرات، يفسّر تمركّز القوّات الإيرانية والميليشات الموالية لإيران في مساحاتها الصحراوية، التي تعرّضت بنحو مكرر لاعتداءات جوّية أميركية وإسرائيلية. مع اقتراب قوّات العشائر من المواقع العسكرية الأميركية في حقل العمر النفطي وغيرها، شنّ الطيران الأميركي غارات عدة مستهدفاً المجموعات المهاجمة، بالتزامن مع تعزيز قوّاتها ومواقعها بأرتال من الآليات العسكرية المدججة. من جهتها، أعلنت "قوى الأمن الداخلي" التابعة "للإدارة الذاتية" في دير الزور، حظراً كلّياً للتجوال في المنطقتين الشرقية والجنوبية، بالتزامن مع إغلاق الطرق المؤدية إلى المربع الأمني في مركز مدينة الحسكة، المنطقة الوحيدة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية في المحافظة إلى جانب مطار القامشلي. ومع الأخذ بعين الاعتبار بعد مدن الحسكة والقامشلي عن مناطق الهجوم، يمكن تفسير خطوة "قسد" بالضغط على الحكومة السورية، عبر منع دخول الآليات إلى مناطق سيطرتها أو نقاطها، في إجراء يتكرّر مع كل توتر بين الجانبين منذ سنوات.الردّ على اغتيال هنيةالهجوم الأخير جاء قبل أقل من عام عن سابقه، في وقت تصاعد التوتّر في المنطقة التي تترقّب الرد الإيراني على قيام إسرائيل باغتيال زعيم "حماس" السابق إسماعيل هنيّة في طهران، حيث مثّلت القواعد الأميركية في سوريا إلى جانب مثيلاتها في العراق أهدافاً ثأرية لإيران والميلشيات التابعة لها. ويشير المحلل السياسي شورش درويش إلى وجود رابط بين توقيت الهجوم وتصاعد التوتّر في المنطقة، مستدلّاً على ذلك بأن "القوات المهاجمة قريبة لإيران أكثر من قربها من دمشق من جهة، وتزامن الهجوم مع استهداف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق من جهة أخرى". ويضيف درويش في حديثه مع منصّة "المشهد": "نحن نتحدث عن سياق متصل بعودة الهجمات والضربات لإرباك الولايات المتّحدة وتوجيه الرسائل، خصوصا وأن طبيعة الهجوم وعدد الأفراد المشاركين فيه وغرف العمليات التي قامت القوّات الأميركية بقصفها على السرير النهري، كلها تشير إلى أن الموضوع أقرب إلى أن يكون رسائل متبادلة".بالمقابل، يرفض المحلل السياسي السوري محمد العمري، ربط الهجوم "بالتوقيت السياسي" قائلاً في حديثه إلى منصّة "المشهد" إن:هذا الحراك للعشائر العربية لم يكن الأول من نوعه، فقد كان هناك حراكات سابقة، تم إفشالها من خلال استخدام الأميركيين للقوة الفائضة، من دون تحقيق الوعود التي قدّمت للعشائر بتغيير الوضع القائم.لا يمكن الحديث عن ربط هذا الحراك بما يحصل من توترات على مستوى المنطقة، وإن كانت هذه التوترات ربما تكون قد دفعت العشائر للتحرك سريعاً واستغلال هذا الوضع. ومنع الولايات المتحدة الأميركية وحتى قسد من الاستفادة من هذا التوتر في إعادة التموضع وزيادة القبضة العسكرية في تلك المنطقة، خصوصا وأن الولايات المتحدة استقدمت المزيد من الأسلحة، وكذلك قامت بعدد من العمليات العسكرية على الحدود السورية العراقية.واتّهم مدير المركز الإعلامي في "قسد"، فرهاد شامي، "المخابرات السورية" بالوقوف وراء الهجوم، بالإضافة إلى توجيه أصابع الاتّهام إلى "قوّات الدفاع الوطني"، وهو فصيل تابع للجيش السوري يتكوّن من أبناء العشائر المنتشرة في المنطقة، و"مقاتلين موالين لإيران". ويرى العمري أن "إصرار قسد على تركيز الاتهام على المخابرات السورية وحتى اتهامها بشكل مباشر بتبعة العشائر إلى إيران، مردّها السعي إلى الحصول على المزيد من الدعم الأميركي في ظل اهتمام واشنطن بما يحصل من تطورات في قطاع غزة وأوكرانيا، وتبرير السلوكيات التي يمكن أن تقوم بها قسد من قتل وتدمير واعتقالات وما إلى ذلك في داخل العشائر العربية". على الرغم من عودة الهدوء إلى خطوط الاشتباكات، إلا أن البيانات الصادرة من قبل مسلّحي العشائر المنقسمة فيها بينها لناحية تأييد كل من دمشق والإدارة الذاتية، تنذر بعودة التصعيد إلى المنطقة، في ظل مواصلة القوّات الأميركية تدعيم قوّاتها المتمركزة في المنطقة بشكل رئيسي. (المشهد)