بينما تتواصل المعارك العسكرية في المدن السودانية بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، زار رئيس مجلس السيادة السودانيّ عبد الفتاح البرهان، القاهرة، والتقى الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي، في خطوة وصفها محللون بأنها محاولة للتوصّل إلى أفق سياسيّ للصّراع الدّائر هناك.زيارة البرهان للقاهرة هي الثانية من نوعها، منذ اندلاع الحرب في السودان، حيث كانت الزيارة الأولى له، في أغسطس من العام الماضي.وقال محللون سياسيون، في حديث لمنصة "المشهد"، إنّ الزيارة تهدف إلى مناقشة تطورات الأوضاع في السودان، وإمكانية التوصّل إلى حلّ سياسيّ يحافظ على وحدة وسلامة الأراضي السودانية، فضلًا عن تنسيق الجهود في ما يخص التوترات الجارية في البحر الأحمر، وتأثيرها على حركة الملاحة في المنطقة.وخلال الأسابيع الماضية، قام البرهان بزيارتين مماثلتين إلى الجزائر وليبيا، وتأتي أيضًا بالتزامن مع انسحاب بعثة الأمم المتحدة للمساعدة الانتقالية في السودان، فيما دعت الأمم المتحدة، على لسان الأمين العام، إلى ترك السلاح جانبًا والانخراط في حوار سياسيّ من أجل إنهاء الأزمة السياسية هناك.الحفاظ على مؤسسات الدولة السودانيةوحول دلالات زيارة البرهان إلى القاهرة، قالت الباحثة في الشأن الإفريقيّ بالمركز المصريّ للفكر، رحمة حسن، إنّ الزيارة تهدف في الأساس بحث إمكانية التوصّل إلى حلّ سياسيّ للحرب في السودان، لافتة إلى أنّ مصر منذ اندلاع الحرب حرصت على أن يكون هناك حل يضمن بقاء الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية.وأوضحت حسن، في حديث لـ"المشهد"، أنّ وجود البرهان في القاهرة يتزامن مع تفاقم الأوضاع الإنسانية، فضلًا عن تجميد السودان للتعامل منظمة "إيقاد"، مؤكدة ضرورة أن يكون هناك حل سياسيّ للأزمة هناك وهو ما تسعى مصر لفعله.وأشارت إلى أنّ مصر استقبلت خلال الأيام الماضية عددًا من القادة الأفارقة في إطار جهودها لمنع تفاقم الأوضاع في منطقة القرن الإفريقيّ التي تعاني من صراعات، متابعة "الوضع في السودان متشابه إلى حدّ ما مع الوضع في ليبيا، وكلا الدولتين ترتبطان بحدود جغرافية مع مصر، ومن هنا يأتي الحرص المصريّ على ضرورة التوصل لتوافق سياسيّ للأزمة".ورأت الباحثة في الشأن السوداني، أنّ القوى السياسية في السودان أدركت أنّ الطرح المصريّ لحل الأزمة في السودان، هو الأقرب لتحقيق هذا الهدف، خصوصًا مع تأكيد مصر على ضرورة بقاء مؤسسات الدولة السودانية متماسكة.الرؤية المصرية الأقرب للتنفيذمن جانبه، اتفق المحلل السياسيّ السودانيّ، مكّي مغربي، مع الطرح السابق، قائلًا إنّ "زيارة البرهان لمصر ستكون فارقة في مسار الوصول إلى حلّ سياسي".وأضاف في حديث لـ"المشهد: "اتضح أنّ الموقف المصريّ من الأزمة في السودان، هو السّليم وهو الضامن الأقرب للتوفيق بين القوى السياسية في السودان"، متوقعًا أن تحدث انفراجة سياسية في الأزمة خلال الفترة المقبلة.وحول انسحاب البعثة الأممية من السودان، أشار مغربي إلى أنّ البعثة لم تقم بالدور المنوط بها عمله، لذلك فشلت لأنها لم تكن على مسافة واحدة من القوى السياسية كافة.واندلعت الحرب في السودان، منذ منتصف شهر إبريل من العام الماضي، بين الجيش السودانيّ وقوات التدخل السّريع، راح ضحيّتها عشرات آلاف من المواطنين السودانيّين، فيما تحدثت تقارير أممية ودولية عن نزوح ملايين السودانيّين فرارًا من الحرب وسط ظروف إنسانية صعبة.الحل من الداخلبدوره، رأى مساعد وزير الخارجية المصريّ الأسبق، السفير محمد حجازي، أنّ أهمية الزيارة تكمن في الدور المحوريّ لمصر، والذي يتعين عليها استعادة الأمن والاستقرار في محيطها الإقليميّ لأنه جزء من أمن مصر القومي.وأشار حجازي في حديث لـ"المشهد"، إلى أنّ استقرار الأمور في السودان، أحد مرتكزات الحركة الدبلوماسية لمصر، لافتًا إلى أنّ الزيارة سبقتها لقاءات لفصائل سودانية مختلفة من أجل التوصل إلى توافق سياسي.وأوضح أنّ اضطرابات حركة الملاحة في البحر الأحمر كانت من الأمور التي جرى بحثها، حيث ترتبط مصر والسودان بحدود مطلة على البحر الأحمر، الذي يشهد اضطرابات كبيرة بسبب الحرب في غزة.أيضًا بحث أحوال اللاجئين السودانيّين في القاهرة كان من ضمن المحاور التي كانت على أجندة لقاء البرهان مع الرئيس السيسي، بحسب حديث السفير محمد حجازي، موضحًا أنّ مصر من الدول التي استقبلت مئات الآلاف من السودانيّين خلال الفترة الماضية، ويتم تقديم أشكال الرعاية والدعم كافة لهم.وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنّ رؤية مصر للأزمة في السودان تتلخص في أهمية أن يكون الحل من الداخل السوداني، وليس من خلال توافق دوليّ أو إقليمي، وبالتالي خلقت هذه الرؤية نوعًا من الثقة في الطرح المصريّ بخصوص وقف الصراع المسلح.(المشهد - القاهرة)