فيما لا تزال الحرب الأهلية مستمرة في شوارع الخرطوم ومدن سودانية أخرى، اجتمع قادة كبار من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع 3 مرات هذا الشهر في البحرين، في أول تواصل على هذه الدرجة بين الجانبين المتحاربين في الصراع المستعر منذ 9 أشهر، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء "رويترز" نقلا عن مصادر مطلعة. وقالت 4 مصادر، بينهم 2 حضرا المحادثات، إنه على عكس المحادثات السابقة المتعلقة بالحرب في السودان، حضر ممثلون من الإمارات ومصر والسعودية والولايات المتحدة. وأضافت أن اجتماعات المنامة غير المعلنة جاءت بعد محاولات متكررة من دول المنطقة ودول شرق إفريقيا للتوسط في وقف لإطلاق النار والتوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الحرب. واندلعت الحرب في السودان في أبريل الماضي بسبب خلافات حول صلاحيات الجيش وقوات الدعم السريع في إطار خطة مدعومة دوليا لانتقال سياسي نحو حكم مدني وإجراء انتخابات.الاتفاق على إعلان مبادئوتقاسم الجيش وقوات الدعم السريع السلطة مع المدنيين بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير في انتفاضة شعبية عام 2019، قبل مشاركتهما في انقلاب بعد ذلك بعامين. ودمر القتال أجزاء من السودان بما فيها العاصمة الخرطوم وأودى بحياة أكثر من 13 ألف شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وأثار تحذيرات من حدوث مجاعة وخلق أزمة نزوح. وقالت المصادر لرويترز إن اللواء شمس الدين كباشي، نائب القائد العام للقوات المسلحة مثل الجيش في الاجتماعات، فيما شارك من قوات الدعم السريع اللواء عبد الرحيم دقلو، شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. وذكر أحد المشاركين أن الجانبين اتفقا مبدئيا على إعلان مبادئ يشمل الحفاظ على وحدة السودان وجيشه، وأنه من المزمع إجراء مزيد من المحادثات لمناقشة وقف إطلاق النار، لكن اجتماعا للمتابعة تأجل الأسبوع الماضي.من جانبه، أبدى التحالف الوطني السوداني تفاؤله إزاء تلك الخطوة في سبيل إيقاف الحرب المستعرة منذ أشهر، حيث يقول المتحدث الرسمي باسم التحالف شهاب الدين الطيب لمنصة "المشهد": "من المؤكد أن أي لقاء يتم بين طرفي الحرب في السودان سيفتح الطريق أمام الحلول التفاوضية لأننا على يقين تام أن تمدد هذه الحرب سيعقد الأوضاع الإنسانية ويصعب إيجاد حلول إيقافها".وأضاف الطيب: "نشجع مثل هذه اللقاءات وندعم الجهود الإقليمية والدولية التي تنظم هذه اللقاءات. وأؤكد على دور القوى المدنية في اتصالاتها بأطراف الصراع والدول الإقليمية لإتمام لقاء المنامة". خطوة إيجابيةوفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي السوداني عمسيب عوض في حديث لمنصة "المشهد" أن هذه الخطوة "هي أول خطوة إيجابية منذ بداية الصراع".وأشار إلى أن لقاءات المنامة "هي بمثابة أول عمليات كسر الجليد بين الطرفين"، مضيفا أنها جاءت "نتيجة قناعة الطرفين بعدم جدوى الحل العسكري".لكن عوض أوضح أنه لنجاح هذه اللقاءات واستمرارها، فإن ما تحتاجه هو "الضغط أكثر من قبل الشركاء لإقامة حوار مباشر بين الطرفين" كما شدد عوض على ضرورة "إضافه وسطاء آخرين لتقريب وجهات النظر وتحديدا من الجانب الإفريقي والعربي، وإلزام الطرفين للوصول إلى صيغة مشتركة لوقف إطلاق النار، مع توفير ضمانات كافيه لجعل عملية السلام ممكنة".وكان المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي قال في بيان أمس الأربعاء إنّ "المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان، أدت إلى نزوح نحو 8 ملايين شخص".وقال غراندي خلال زيارة له إلى إثيوبيا إنّ "النزاع الوحشيّ في السودان" أدى إلى نزوح "نحو 8 ملايين" شخص ودعا الى "دعم عاجل لتلبية احتياجاتهم".وأضاف "سمعت قصصًا مؤلمة عن فقدان عائلة وأصدقاء ومنازل وسبل العيش، لكن وسط هذا اليأس، لمست أيضًا تصميم اللاجئين على المضيّ قدُمًا إذا قدّمنا لهم الدعم والفرص".لقاءات مميزة عن سابقاتهامن ناحيته، يرى الباحث والكاتب السياسي فايز السليك في حديثه لـ"المشهد" أن "لقاء المنامة يظل تسريبات حتى الآن من دون أن يبادر أحد الطرفين لتأكيد اللقاء وما طرحه رسميا"، لكن في كل الأحوال يجب على القوى الداعية لإسكات أصوات البنادق في السودان دعم أي خطوات نحو الحوار".وعمّا يميُز هذه اللقاءات عن سابقاتها، يقول المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة السودانية السابق: "ما يميّز مثل هذه اللقاءات هو مستوى التمثيل الرفيع متمثلا في قائد ثاني قوات الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو، ونائب قائد الجيش السوداني الفريق شمس الدين الكباشي، وهو مستوى رفيع على عكس التفاوض السابق حيث كان المستوى أدنى، وهو مستوى لا يتحمل اتخاذ قرارات سياسية، أو أخرى متعلقة بوقف الحرب".كذلك أشار السليك إلى أن مشاركة دول مثل الإمارات ومصر والسعودية والولايات المتحدة في لقاءات المنامة "يمثل تطورا مهما لأهمية الدول الأربعة وعلاقتها بالسودان وتأثيرها على الأطراف المتصارعة"، مؤكدا أن مشاركة دول بهذا الوزن يمكنه أن يدفع خطوات إلى الأمام حال صفت نوايا الطرفين وقويت الإرادة السودانية".أما عن المخاطر التي تحيط باللقاء، فقال السليك: "ظل قائد الجيش يرسل إشارات متضاربة حول السلام والحرب، ورفض الوساطات الإقليمية والدولية مثل وساطة منظمة (إيقاد)، وإعلانه استمرار الحرب حتى آخر جندي"، مضيفا "كذلك تعدد مراكز القرار داخل الجيش ومحاولة الإسلاميين قطع الطريق أمام أي اتفاق لإطفاء الحريق المشتعل". (المشهد)