بعد أن منعت السلطات الروسية المرشح المناهض للحرب بوريس ناديجدين، من المشاركة في الانتخابات الرئاسية هذا الشهر، بدت وكأنها ترسل رسالة واضحة، مفادها أنّ الكرملين لن يتسامح بعد الآن مع مشهد انتخابيّ تنافسي، حتى ولو كان فوز فلاديمير بوتن مضمونًا.وكشفت صحيفة "فايننشال تايمز" أنّ الكرملين غيّر سياسته الانتخابية، وإذا كان قد سمح في الانتخابات الماضية لعدد قليل من مرشحي المعارضة المختارين بعناية، بالدخول إلى صناديق الاقتراع، فإنّ حملته الحالية قبل الانتخابات الرئاسية في 15-17 مارس، تشير إلى أنه حتى الترشيحات غير الواقعية يُنظر إليها باعتبارها خطرًا محتملًا على النظام.وقال ناديجدين، أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية الروسية، للصحيفة، إنّ "الدعم الذي تلقيته دمرّ بالكامل قواعد اللعبة التي كان الكرملين يتوقعها، واتضح أنّ الكثير من الناس على استعداد لتقديم الدعم العلنيّ لمرشح يدعو إلى السلام وينتقد بوتين وسياساته".وكان لوفاة أليكسي نافالني، أشرس منتقدي بوتين، في مستعمرة سجن في القطب الشماليّ الشهر الماضي، بعد أن أمضى السنوات الـ3 الماضية خلف القضبان ونجاته من محاولة تسميم، تأثيرًا واضحًا على المعارضة.كما أنّ الحملة الأمنية الروسية ضد إظهار أيّ دعم زعيم المعارضة نافالني، بما في ذلك الاعتقالات في جنازته يوم الجمعة الماضي، حيث هتف الناس بشعارات مناهضة للنظام، سلطت الضوء على الدرجة التي لم يعد بها بوتين على استعداد للتسامح مع أيّ نوع من المعارضة.وقال ميلوف، الزعيم الرسميّ السابق الذي تحوّل إلى المعارضة، "يدرك بوتين أنه لا يوجد حب في علاقاته مع المجتمع الروسي، يمكن أن تكون هناك مفاجآت غير سارة، إنه يريد أن يبعث برسالة خوف، لا تحاول حتى إخراج رأسك".وعلى مدى السنوات الـ24 التي قضاها بوتين في السلطة، كان الكرملين يدير انتخاباته من خلال نظام يسمى الديمقراطية الموجهة، ما يسمح بمحاكاة زائفة للمبادئ الديمقراطية، ولو كوسيلة لدعم النظام والتأكيد على شعبية الرئيس.ولكن بعد عامين من الحرب الشاملة في أوكرانيا، والقمع الوحشيّ ضد أيّ شكل من أشكال المعارضة الداخلية، اختار نظام بوتن التخلص من الواجهة تمامًا.قال فلاديمير ميلوف، الوزير السابق في الحكومة الروسية الذي تحوّل إلى ناشط معارض وشريك سابق لنافالني: "يريد بوتين أن يكون العنوان الرئيسيّ في نهاية يوم الانتخابات، هو أنّ 85 % من الروس يلتفون حول القيصر بشكل واضح".وفي ديسمبر الماضي، منعت السلطات الروسية "إيكاترينا دونتسوفا"، وهي صحفية تلفزيونية سابقة، ومرشحة مناهضة للحرب، لديها مئات الآلاف من متابعي "تليغرام"، حتى من جمع التوقيعات اللازمة للظهور في بطاقة الاقتراع.وبعد شهرين، منعت لجنة الانتخابات المركزية ناديجدين، المرشح الوحيد المناهض للحرب، بحجة وجود عدد كبير من التوقيعات الباطلة، مادفع مرشحين اثنين من المنافسين الـ5 المتبقين لبوتين إلى الانسحاب أيضًا.وفي ديسمبر الماضي، قال ليونيد سلوتسكي، مرشح الحزب الديمقراطيّ الليبراليّ الروسي، للصحفيّين، إنه ليس لديه أمل في الفوز فعليًا بالسباق، مضيفًا، "أحلم بالفوز بالعملية العسكرية الخاصة، لكن لا أحلم بالتغلب على بوتين. لأيّ غرض؟".لماذا كان ناديجدين ضروريًا؟ قال مارات غيلمان، مستشار الكرملين السابق، الذي تحول إلى منتقد للنظام في المنفى: "كان بوتين يأمل من السماح لـ ناديجدين في البداية، بجمع الأصوات، أن يضفي الشرعية على التصويت، ليُظهر للعالم أنّ هناك شخصًا في الانتخابات يعارض الحرب، لكن سرعان ما اتضح أنّ إضفاء الشرعية لن يحدث".وأصدرت روسيا هذا الشهر قانونًا جديدًا، يسمح للسلطات بمصادرة الأموال والممتلكات والأصول من أيّ شخص يتبين أنه يشوّه سمعة الجيش الروسي، واستهدف القمع أيضًا الانتقادات في المعسكر المؤيد للحرب، حيث تم إبقاء القبض مؤخرًا على المدافع اليساريّ عن الحرب، سيرغي أودالتسوف، بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية، وحكم على قائد المتمردين القوميّ السابق إيغور جيركين بالسجن لمدة 4 سنوات بتهمة التحريض على التطرف.(ترجمات)