يشهد شمال العراق تصاعداً للتوتر في أجزاء متعددة من إقليم كردستان العراق شبه ذاتي الحكم، بعد تعرّضه لضربات من كل من إيران وتركيا، وسط عجز كل من بغداد وأربيل عن حماية سيادة العراق الذي بات ضحيّة تشابك وتصارع المصالح الإقليمية والدولية.تجد أربيل نفسها محاصرة باتّهامات تركية بوجود "منظّمة إرهابية" داخل حدودها، في إشارة إلى "حزب العمال الكردستاني"، واتّهامات إيرانية باحتواء الإقليم لمراكز تجسس تابعة للمخابرات الإسرائيلية "الموساد" على أراضيها.ضربات متزامنة على مناطق الأكراد في سوريا والعراق ردّاً على مقتل 9 جنود أتراك وإصابة 4 آخرين خلال اشتباكات مع مسلّحين من "حزب العمال الكردستاني" حاولوا التسلل إلى قاعدة تركية في شمال العراق، تشن تركيا هجمات مكثّفة ضد مناطق الإدارة الذاتية في سوريا. تزامن ذلك مع إعلان إيران ليل الإثنين شن هجمات بصواريخ بالستية على "مجموعات إرهابية" في أربيل وسوريا، مشيرة إلى تدمير "مقرات تجسس وتجمع لمجموعات إرهابية معادية لإيران في أجزاء من المنطقة باستخدام صواريخ بالستية"، حسب قولها. يقول الكاتب والمحلل السياسي الكردي حسين عمر في حديثه إلى منصة "المشهد" إن "هناك توافقاً بين الضربات الإيرانية على إقليم كردستان العراق، والضربات التركية على مناطق الإدارة الذاتية في سوريا، سواء كان علنياً أم ضمنيا، هدفهما الضغط على الولايات المتحدة للخروج من المنطقة، حيث تتركز القوات الأميركية في سوريا والعراق بالمناطق الكردية، لذلك أنقرة تحاول أن تدمر الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، وإيران تبث الرعب في نفوس حكومة إقليم كردستان العراق". ويرى عمر أن "هناك اختلافاً بين الضربات التركية والإيرانية، من ناحية أن إيران لا تعادي وجود الشعب الكردي، فهي تحاول أن تكون أربيل ساحة نفوذ لها فقط، وهي منزعجة من العلاقات القائمة بين حزب "الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود بارازاني وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، لكنها (الحكومة الإيرانية) لا تحاول أن تهدم إقليم كردستان لأنها تعترف رسميا بوجود هذا الإقليم، على عكس الحكومة التركية". وبحسب عمر "يوجد اختلاف في وجهات النظر (بين البلدين)، لكن الرسالة التي تريد كلا الحكومتين إرسالها واحدة هي ضرورة خروج القوات الأميركية من المنطقة، لأهداف مختلفة، فالهدف التركي هو إنهاء الوجود الكردي، وهو ما يقوله إردوغان بشكل علني، بينما الهدف الإيراني هو تقوية النفوذ".هدف مشترك (تركي - إيراني - سوري) ضد الأكراد تختلف أنقرة وطهران ودمشق في ملفات عدة، لكن الأطراف الثلاثة تتفق على الخطر الذي يمكن أن يشكّله أي كيان كردي ذاتي الإدارة، الأمر الذي لا يصب في مصلحة الأكراد الذين باتوا يتلقون الضربات من جميع الدول المحيطة فيهم. ففي الوقت الذي تلاحق فيه تركيا الأكراد منذ سنوات في جبال قنديل، ترفض سوريا "الإدارة الذاتية"، وتعتبرها مشروعاً انفصالياً، يسعى إلى اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، الأمر الذي ينفيه الأكراد، مؤكدين على وحدة الأراضي السورية مع توسيع صلاحيات الإدارة الذاتية لمناطقها. في هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديث إلى منصة "المشهد" إن "تركيا وإيران وسوريا لا يريدون أن يكون بجوارهم كيان كردي كما حدث في العراق، لذلك هم متفقون في هذا الموضوع على الرغم من أنهم قد يكونون مختلفين في استهداف الأكراد داخل دولهم، لكنهم لا يريدون أن تكون هناك دولة كردية لأنهم يعتبرونها تهديداً كبيراً لهم. لذلك فهم متفقون على ألا يحصل الشعب الكردي في تركيا أو سوريا أو إيران على حقوقهم أو على حكم ذاتي".ويشرح وجدان أنه "في بعض الأحيان يتم استغلال الأكراد بين هذه الدول، على سبيل المثال، عندما يكون هناك خلاف بين دمشق وأنقرة، تستخدم الأولى الأكراد ضد تركيا، والأمر ذاته في الخلافات الإيرانية – التركية، لكن رغم ذلك هناك اتفاق تام بين هذه الدول على عدم إقامة دولة كردية".وبحسب وجدان فإن "التحالف بين هذه الدول ضد الأكراد قائم، حيث تستهدف إيران من خلال ميليشياتها شرق سوريا، والقواعد الأميركية الداعمة للأكراد، تركيا أيضا لديها حرب مع الأكراد سواء في العراق أم سوريا، وهي دخلت الأراضي السورية والعراقية بهذه الحجة، وسوريا متعاونة مع أنقرة في هذا الأمر، لأنها تعتبر أن الأكراد اقتطعوا جزءاً كبيراً من الأراضي السورية".أربيل "علاقات مع تركيا رغم العداء التاريخي" في ظل التحديات والحروب التي واجهت الأكراد عبر تاريخهم، أثار إقامة إقليم كردستان العراق وعاصمته أربيل "نقلة نوعية في تاريخ الكرد بالمنطقة، بعد عقود من معارضة دولية لإنشاء دولة أو كيان مستقل لهم منذ اتفاقية لوزان عام 1923، التي تم توقيعها بين تركيا وقوى متحالفة، بينها بريطانيا وفرنسا، حيث تم التخلي عن الحقوق القومية الكردية التي أقرتها اتفاقية سيفر عام 1920. ويعود تأسيس إقليم كردستان العراق، رسمياً، إلى معاهدة الحكم الذاتي في مارس 1970، بعد الاتفاق بين الحكومة العراقية والمعارضة الكردية. وكان للغزو الأميركي للعراق عام 2003، دور مهم في إعادة تشكيل علاقة بغداد بالأكراد، حيث أقرّ العراق دستوراً جديداً عام 2005، واعتبر منطقة كردستان العراق "كياناً اتحادياً" ضمن العراق، ما اعتبر إنجازاً كبيراً لمسعود بارازاني الذي يعد مؤسس الإقليم. حول ذلك يبيّن عبد الرحمن أن "الاقتصاد هو الذي يهيمن على العلاقات بين تركيا وكردستان العراق، حيث إن حكومة أربيل تزود تركيا بكميات كبيرة من البترول لدعم الاقتصاد التركي، فيما أن الحزب الديمقراطي الكردي في أربيل لا يرقى إلى تهديد تركيا. الحزب الديمقراطي الكردستاني هو على عكس الحزب الوطني الكردستاني الذي يعد انفصاليّا فهو يطالب بالفيدرالية فقط داخل حدود العراق، لذلك تركيا تدعم هذا الحزب لأنه لا يدعم الأكراد داخل أراضيها". ويشرح عبد الرحمن أن "الوجود الإيراني في إقليم كردستان هو وجود معنوي أكثر مما هو وجود مسلح، لكن هناك ميليشيات تتبع ما يسمى ولاية الفقيه الإيرانية، وهي تتبع للجيش العراقي أخيرا، مثل قوات "الحشد الشعبي" التي تعد جزءا من الجيش". ويختم تصريحه قائلا: "إقليم كردستان ليس لديه إمكانية أن يقوم بالرد على الصواريخ البالستية التي تطلقها إيران، لكن الإقليم بعلاقاته المقبولة مع الحزب الوطني الكردستاني تحدى من العنجهيّة الإيرانية (الغرور) تجاه إقليم كردستان العراق".(المشهد)