فيما يبدو أن الظروف الإقليمية والتحديات السياسية والاقتصادية العالمية، قد تلعب دورًا مهمًا في تسريع عودة العلاقات المصرية التركية إلى طبيعتها بعد انقطاع دام لعشر سنوات.ففي السابع والعشرين من فبراير الماضي، قام وزير الخارجية المصري سامح شكري، بزيارة تركيا، في خطوة اعتبرها البعض أنها بادرة حسن نية لتطبيع العلاقات بين البلدين، لتأتي اليوم، زيارة وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو لمصر، لتفتح الباب من جديد لعودة الأمور إلى مسارها الطبيعي. وكانت العلاقات المصرية التركية قد شهدت توترا في العام 2013 عقب الإطاحة بحكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان، فيما بدأت محاولات عودة العلاقات منذ منتصف عام 2021. تدشين لمسار العلاقات الطبيعية وقالت وزارة الخارجية المصرية، إن زيارة وزير الخارجية التركي تُعد بمثابة تدشين لمسار استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين، وإطلاق حوار مُعمق حول مختلف جوانب العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، بهدف الوصول إلى تفاهم مشترك يحقق مصالح الدولتين والشعبين الشقيقين. وأكد وزير الخارجية المصري سامح شكري، ونظيره التركي العمل من أجل التطبيع الكامل للعلاقات وبدء مرحلة جديدة من التعاون المشترك. وقال شكري، في مؤتمر صحفي مع نظيره التركي بالقاهرة اليوم، "لدينا أرضية صلبة ونحن على ثقة بأننا سنستعيد العلاقات مع تركيا بشكل قوي"، مشيرا إلى أنه أجرى مع نظيره التركي مباحثات مهمة وشفافة. وأكد محللون سياسيون، أهمية الزيارة تمهيدًا لعودة العلاقات بين البلدين، خاصة أن الأوضاع السياسية والاقتصادية في العالم تتطلب تضافر الجهود من أجل إيجاد حلول فعالة للقضايا ذات الاهتمام المشترك خاصة في ليبيا وسوريا وملف غاز شرق المتوسط. تفاهمات مماثلة وقال أستاذ العلوم السياسية المصري، الدكتور إكرام بدر الدين، إن زيارة وزير الخارجية التركي لمصر سبقها بأيام زيارة مماثلة لوزير الخارجية المصري إلى تركيا، وإعلان دعم مصر لتركيا عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا. وأضاف في تصريح لمنصة "المشهد" أن عناصر التشابك بين تركيا ومصر متعددة خصوصًا بعد التحديات التي يواجهها العالم سواء اقتصاديًا أو سياسيًا أو أمنيًا، مشيرًا إلى أن هذا التقارب سبقه أيضًا تقارب وتفاهم بين السعودية وإيران وكل هذه التفاهمات تصب في مصلحة المنطقة خاصة أن الدولتين مؤثرتين في المنطقة. وكشف أستاذ العلوم السياسية المصري، أن التقارب المصري التركي، سينعكس بشكل إيجابي على المنطقة وبالتأكيد ستكون المحاور الاقتصادية ضمن الملفات المطروحة بين الجانبين، لافتًا إلى أنه رغم فتور العلاقات بين البلدين خلال السنوات الماضية إلا أن التعاون الاقتصادي لم ينقطع بينهما. وأعرب شكري خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي، عن تطلعه إلى فتح قنوات التواصل بين الأجهزة الحكومية في مصر وتركيا، مشيرا إلى أن العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا لها مكانة مهمة رغم الفتور الذي مر بالعلاقات الثنائية. وأوضح شكري أن هناك رغبة لتطوير العلاقات واستعادة زخمها على كل المستويات السياسية والاقتصادية لافتا إلى أن استعادة زخم العلاقة مع تركيا ستؤدي لزيادة وجود رجال الأعمال من الجانبين وتطوير نشاطهم.جهود سابقة من جانبه، قال الباحث في الشأن التركي، محمود علوش، إن الزيارة تكتسب أهمية كبيرة على مستويات عدة، أولًا لأنها أول زيارة لوزير تركي منذ 10 سنوات تقريبًا، بعد القطيعة الدبلوماسية بين البلدين ولذا تكتسب الزيارة أهمية لإيجاد مسار لعودة العلاقات الطبيعية بين البلدين وهي مسألة حيوية في مسار المصالحة. وفي تصريحات لمنصة "المشهد" تابع علوش: "تأتي أهمية الزيارة أيضًا في ظل زخم دبلوماسي كبير طرأ على مسار المصالحة وبالتحديد بعد لقاء الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والمصري عبد الفتاح السيسي، في الدوحة، وبالتالي ستشكل الزيارة نقطة تحول مهمة في مسار إصلاح العلاقات". وأضاف الباحث في الشأن التركي، "لكن علينا ألا ننسى أن التقدم المحرز الآن هو نتيجة لجهود عامين من المحادثات بين البلدين، و هذه المحادثات شهدت تقدما في بعض المراحل وانتكاسات في المراحل الأخرى ولكن الآن وصل الجانبان إلى أرضية واضحة يمكن البناء عليها لإعادة العلاقات الدبلوماسية". ورأى علوش أن التحولات الإقليمية لعبت دورا مهما في دفع مسار المصالحة التركية المصرية وبالتحديد في ملف المساعدة الدبلوماسية التي نشطت في الكوراث خاصة بعد زلزال 6 فبراير. وأشار إلى أن الخطوة المقبلة المنتظرة هي إعادة السفراء بين البلدين وأيضًا حصول لقاء على المستوى الرئاسي بين قادة الدولتين، مبينًا أن تركيا ومصر هما دولتان إقليميتان كبيرتان وبالتالي أي تحول في العلاقات من شأنها أيضًا أن يؤثر بشكل كبير على الجغرافيا السياسية الإقليمية. وقال علوش إن التقارب التركي المصري سوف يساعد البلدين في التوصل إلى مقاربة مشتركة لتسوية الخلافات بشأن ليبيا وهي مسألة حيوية للطرفين، فالحوار سيكون له تأثير إيجابي على الاستقرار الإقليمي وسوف ينعكس بالإيجاب فيما يتعلق بالصراعات الإقليمية خاصة في ليبيا ومسار التسوية في سوريا. وأكد الوزير شكري عقب لقاء نظيره التركي، بحث الأوضاع الإقليمية المتصلة بالفلسطينيين وسوريا وليبيا والعراق والاتفاق الإيراني السعودي، مشددا على أن كل المجالات مفتوحة في إطار الإرادة المشتركة لتنمية العلاقات وتطويرها.غاز شرق المتوسط البعد الاقتصادي في العلاقات بين البلدين مهم أيضًا، في رأي الباحث في الشأن التركي، فخلال العقد الماضي ورغم القطيعة السياسية بين مصر وتركيا لم تتأثر حركة التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير، ومصر تولي أهمية بشكل ملحوظة إلى الاستثمارات التركية في البلاد وأيضا تركيا هي أكبر مشتر للغاز المسال من مصر وبالتالي أيضا العوامل الاقتصادية ساعدت إلى حد كبير في دفع عودة المسار السياسي بشكل كبير. وأوضح علوش أن ملف الغاز في شرق المتوسط مسألة حيوية لكلا البلدين وفي تقديره أن المصالحة ستساعد الجانبين في التوصل إلى مقاربة مشتركة في إدارة مصالح البلدين بشرق المتوسط. وقال إن تركيا تطمح إلى إبرام اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين وبعد المصالحة ستكون الفرص أكبر، لكن لا ينبغي تجاهل ملف المشاكل الإقليمية المحيطة في المتوسط، وفي النهاية ملف المصالحة سوف يساعد البلدين في التعاون في المجالات الحيوية بينهما ورفع مستوى التبادل السياسي والتجاري بين البلدين. وأكد وزير الخارجية التركي أن مصر دولة مهمة في حوض المتوسط وأن بلاده تولي أهمية بالغة لدورها في قضايا المنطقة، مشيرا إلى أن الزيارات بين الطرفين ستكون متواصلة. ودعا أوغلو وزير الخارجية المصري إلى زيارة أنقرة، مشيرا إلى أن الرئيسين المصري والتركي تعهدا خلال لقائهما بالدوحة بتطوير العلاقات، مؤكدا بذل قصارى الجهد من أجل التطبيع الكامل للعلاقات وعدم العودة للوراء. وأكد الوزير التركي العمل على إعادة تبادل السفراء مع مصر خلال الفترة المقبلة، مشيرا إلى مناقشة التعاون في قضايا الاقتصاد والطاقة والمجال العسكري، لافتا إلى استمرار العمل على تطوير العلاقات بين الشعبين وإنعاش التعاون الثقافي، مؤكدا أن هناك إرادة سياسية جادة من أجل تطوير العلاقات بين البلدين في الفترة المقبلة.(المشهد)