بعد سقوط "حزب الله" في لبنان ومن بعده نظام بشار الأسد في سوريا، أجمعت تحليلات الخبراء على أن الوجهة القادمة لإسرائيل ستكون اليمن، التي يُطلق منها "الحوثيون" الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة على إسرائيل.وترى دوائر صُنع القرار في تل أبيب أن جماعة "الحوثي" في اليمن هي آخر ما تبقى من أذرع إيران في المنطقة بعد مرور أكثر من 14 شهرًا على اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، حيث جرى نقاش داخل مجلس الحرب الإسرائيلي حول وجهة تل أبيب القادمة هل تكون اليمن أم توجيه ضربة مباشرة لطهران، وفق إعلام إسرائيلي.في المُقابل، تواصل جماعة "الحوثي" إطلاق صواريخها تجاه إسرائيل، على الرغم من الضربات الإسرائيلية التي نفذتها خلال الفترات الماضية، وكذلك الغارات التي تشنها الولايات المتحدة وبريطانيا على أهداف "الحوثيين" في اليمن. وتقول وأميركا وبريطانيا، إن عملياتهما العسكرية ضد "الحوثيين" تأتي ردًا على استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر والتي تسببت في اضطرابات كبيرة لحركة التجارة البحرية في المنطقة. وخلال الساعات الماضية، نفذت أميركا وبريطانيا غارات جوية على أهداف عسكرية تابعة لـ"الحوثيين" في العاصمة صنعاء، وفق ما أعلنت عنه وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وأوضحت في بيان "قواتنا نفذت عدة ضربات ضد أهداف حوثية في صنعاء ومواقع ساحلية باليمن".وأشارت وسائل إعلام إلى تنفيذ نحو 12 غارة جوية على أهداف تابعة لجماعة "الحوثي" في اليمن من بينها مقر الفرقة الأولى مدرع وسط صنعاء. وتأتي الضربات الأميركية البريطانية في أعقاب إطلاق صواريخ باليستية على إسرائيل، وذلك ضمن الهجمات المُتكررة التي يشنها "الحوثيون على إسرائيل، ويقول "الحوثيون" إنّ هجماتهم دعمًا لغزة، التي تستهدفها إسرائيل بحرب مُدمرة منذ 7 أكتوبر 2023.الجغرافيا تُحارب مع "الحوثيين"في التفاصيل، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الستار سيف، إنّ تحركات "الحوثيين" في اليمن يُمكن تفسيرها وفقًا لمبدأين وهما: رغبة إيران في تحريك آخر مصدر لها في المنطقة لإثبات وجودها بعد الضربات التي طالت "حزب الله" ونظام الأسد في سوريا.رغبة الحوثيين في تسجيل حضور وكسب تعاطف في المنطقة العربية من خلال استخدام غطاء حرب غزة.وأضاف سيف في حديث لمنصة "المشهد" أنّ إسرائيل ترى في "الحوثيين" خطرًا حقيقيًا ولكنها لا تمتلك بنك أهداف ضد الجماعة في اليمن، لافتًا إلى أن الضربات التي توجهها تل أبيب لا تؤثر بشكل قريب أو بعيد على جماعة "الحوثي" بقدر تأثيرها على المواطن اليمني. وأشار إلى أن مسرح عمليات "الحوثيين" موجود في مناطق ذات تضاريس جبلية وعرة وأسفل الجبال والكهوف وعلى رقعة جغرافية واسعة في اليمن ما يجعل استهدافها بالغارات الجوية غير مؤثر بشكل كبير. وتوقّع المحلل السياسي أنّ تستمر هذه العمليات ربما لعام آخر فيما يُشبه حرب استنزاف لـ"الحوثيين"، مضيفا "الطبيعة الجغرافية تحارب أيضا مع الحوثيين". وعلى الرغم من عدم وجود توازن في القوى بين القدرات العسكرية لتل أبيب وجماعة "الحوثي" إلا أن هذه الحرب سيدفع ثمنها المواطن اليمني العادي وفي المقابل ستدفع إسرائيل مخاوف مستمرة طوال فترة الصراع، وفقًا لسيف.وأكد أن قلة المعلومات الاستخبارية لدى إسرائيل في اليمن تجعل من عملياتها العسكرية ضد "الحوثيين" غير مؤثرة بشكل تستطيع من خلال تدمير قدراته العسكرية.تزايد وتيرة الضرباتبدوره، قال المحلل السياسي اليمني صلاح نعمان، إنّ التصعيد الأخير في اليمن هو امتداد لما يحدث منذ شهور، لافتًا إلى أن تزايد ضربات الإسرائيليين يأتي بعد فراغها من جبهة لبنان وانخفاض مستوى العمليات في غزة. وأضاف نعمان في حديث لـ"المشهد"، "سنظل نرى الارتفاع في وتيرة الضربات على اليمن كلمات انخفضت وتيرة الحرب في غزة"، مُشيرًا إلى أن الضربات الأميركية البريطانية على اليمن مستمرة منذ شهور أيضًا ولم تتمكن من تحجيم العمليات العسكرية لـ"الحوثيين" في البحر الأحمر أو على إسرائيل. ورأى المحلل السياسي اليمني، أن الجغرافيا في اليمن لن تستطيع منع إسرائيل من استهداف قدرات "الحوثي" في اليمن، قائلا "لا أحد يستطيع القول إن الجغرافيا ستمنع إسرائيل بما تمتلكه من تكنولوجيا من استهداف قيادات (الحوثي) وترسانته ولكنها الإستراتيجيات الإسرائيلية وحدها هي من تقرر مستوى الصراع". وقال إن "الحوثيين" يستمدون قوتهم من استمرار الحرب سواء في الداخل اليمني أو فتح جبهات خارجية مع إسرائيل والغرب باستهداف سفنهم.وتقول إسرائيل إنها تستعد لحرب أخرى. وقال مصدر أمني إسرائيلي لصحيفة "التايمز"، "حتى بضعة أسابيع مضت، كنا نرد مرة، ومرتين. لكن من العدل أن نقول إننا لم نعد نرى الأمر على أنه مجرد رد بالمثل. الآن نحن ندخل بشكل كامل، وهذا يعني أن هناك خطة بخطوات تصعيدية. إنها مرتبطة بإستراتيجية أكبر". وأضاف المصدر "هناك نية مؤكدة من الجانب الإسرائيلي ومن قبل شركائه الدوليين لمواجهة (الحوثيين) بشكل كامل، وهناك مجموعة كاملة من الإجراءات والقدرات التي يتم بناؤها الآن وسيتم تنفيذها في الوقت المناسب". لقد ضربت إسرائيل اليمن 4 مرات ولكن يبدو أن الحوثيين لم يتراجعوا، مما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو إلى القول إن إسرائيل "بدأت للتو" في إشارة إلى التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد اليمن.عملية برية؟من جانبه، قال الخبير العسكريّ الأردني، إسماعيل أيوب، إنّ الضربات الجوية الأميركية والبريطانية سوف تتواصل على "الحوثيين" طالما استمرت الجماعة في استهداف السفن التجارية وإسرائيل ولكنه يعتقد في الوقت نفسه أن هذه الضربات تأتي في سياق تقليم أظافر إيران في المنطقة. وتوّقع الخبير العسكري الأردني في حديث لـ"المشهد" أن تتزايد وتيرة الضربات الإسرائيلية والأميركية /البريطانية خلال الأيام القادمة، مبينًا أن بُعد المسافة بين إسرائيل واليمن يمنع إسرائيل من توجيه ضربات متلاحقة وسريعة ومؤثرة ضد "الحوثيين" وبالتالي تقوم أميركا وبريطانيا بهذا الدور. وأوضح أيوب أنّ الضربات الجوية وحدها غير كافية للقضاء على القدرات العسكرية لـ"الحوثيين" نظرًا لوجودهم في مناطق جبلية وعرة تمكنهم من التحصن من الغارات الجوية. وقال "إذا كان الغرب يريد القضاء على (الحوثي) فلابد أن تكون هناك عملية برية داخل الأراضي اليمنية لكي تتمكن من الوصول إلى مناطق تخزين الأسلحة ووجود قوات (الحوثي). ورأى أيوب أنّ الغارات الجوية لن تقضي على "الحوثيين" ولكنها قد تحدّ من قدراته العسكرية مع مرور الوقت"، لافتًا إلى أن الحصار البحري والاقتصادي الذي قد تفرضه الولايات المتحدة على "الحوثيين" قد يُسهم في تحجيم قدراتهم في اليمن على شن هجمات على إسرائيل. (المشهد)