كمن يمشي على حروف مليئة بشظايا الزجاج، عبّرت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس مقابلتها مع شبكة "سي إن إن"، محاولة تفادي الندوب التي قد يسببها الإفصاح عن سياسيات تُنفر الناخبين، أو الكشف عن مواقف تجرح لحمة الحزب الديمقراطيّ الناجي من انسحاب الرئيس جو بايدن، وانتخابها خلفًا له بطريقة اعتبرت مجازفة تاريخية.المقابلة التي أتت بعد إحجام طويل عن الحديث مع الصحافة، وضعت هاريس تحت تدقيق كبير، وطرحت تساؤلات حول تأثير أدائها على توجهات الناخبين وخياراتهم في الـ5 نوفمبر المقبل، فرغم تقدمها في الاستطلاعات الأخيرة على خصمها الجمهوريّ دونالد ترامب، يرى محللون أنّ ظهور نائبة الرئيس في مقابلة "سي إن إن" نهاية الأسبوع، وأدائها المنتظر في مناظرتها الأولى مع ترامب في الـ10 سبتمبر الحالي، سيؤثر بشكل بالغ على حظوظها في الفوز بالرئاسيات المقبلة.مقابلة هاريسعلى مدار الأسابيع التي تلت استخلاف كامالا هاريس لجو بايدن كمرشحة رئاسية للحزب الديمقراطي، تعرضت نائبة الرئيس لوابل من الانتقادات بسبب تحاشيها الرد على الأسئلة الصحفية، واكتفائها بإلقاء خطب مكتوبة. يُرجع أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسيّ إدموند غريب تأخر هاريس في إجراء مقابلات صحفية، إلى عدم استقرار فريق حملتها الإنتخابية على سياسة مُحددة، وحيرته بين خيار تقديم برنامجها كاستمرارية لبرنامج الرئيس جو بايدن، وبين خيار انتهاج طريق مختلف عن الطريق الذي سلكته رفقته، على مادر ما مضى من عهدتهما الرئاسية. ويستشهد الدكتور غريب في حديثه لـ"المشهد" بمثالين: الأول يتعلق بالسياسة الداخلية، وتحديدًا الاقتصاد، حيث حاولت هاريس الدفاع عن سجلها في المجال مع الرئيس جو بايدن من جهة، واعترفت بضرورة إحداث تغيرات لمساعدة الأسر الأميركية من جهة أخرى، من خلالها حديثها عن اقتطاعات ضريبية بقيمة 6 آلاف دولار، لمن يرزق بمولوده الأول، وأخرى بقيمة 25 ألف دولار لمن يشتري بيتًا لأول مرة، من دون أن تعرض تفاصيل كيفية تحقيق ذلك.كمثال ثانٍ عن ضبابية مواقف هاريس ومحاولتها التوفيق بين الانسجام مع بايدن، والابتعاد عنه، بحسب ما يخدم طموحها في الفوز بالرئاسة، تحدث الدكتور إدموند غريب عن محاولة نائبة الرئيس إرضاء مناصري الشعب الفلسطيني، والداعمين لإسرائيل على حدّ سواء، وذلك من خلال التأكيد على الاستمرار في تقديم الدعم العسكريّ للحكومة الإسرائيلية من جهة، والتعبير عن الانزعاج من ارتفاع أعدد المدنيّين الذين قضوا في غزة، وحق الشعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره من جهة أخرى، يقول المتحدث.مواقف غامضةفي هذه المرحلة من أيّ دورة انتخابية عادية في الولايات المتحدة الأميركية، يكون الناخبون على معرفة جيدة بالمترشحين للرئاسة وعلى اطلاع واسع على برامجهم الإنتخابية، لكنّ الطريقة الاستثنائية التي أصبحت من خلالها هاريس مرشحة للرئاسة، غيرت قواعد اللعبة بشكل تام، فخلافتها لبايدن في وقت متقدم جدًا من الحملة الانتخابية، لم تمنح الأميركيّين فرصة التعرف إليها، وجعلت من مقابلة "سي إن إن" الخميس الماضي، والمناظرة المنتظرة مع ترامب وما قد يتبعها من مقابلات صحفية مستقبلًا، الفرص الوحيدة لتحديد موقفهم منها. في هذا السياق، يتوقع الدكتور والمحلل السياسيّ نبيل مخائيل، أن تتزايد حظوظ هاريس الانتخابية بعد ظهورها على شبكة "سي إن إن"، وباستثناء عجزها عن تقديم تفاصيل سياسات واضحة تتعلق بكيفية تحسين الوضع الاقتصاديّ وتعزيز القدرة الشرائية للأميركيّين، يرى مُحدثنا أنّ كامالا هاريس ظهرت في صورة أحسن بكثير مما كان متوقعًا، وهو ما يوحي بتحضيرها واستعداداها للمناظرة المرتقبة مع ترامب، ويؤشر ذلك بأنها قد تحصد المزيد من التعاطف وتحظى بفرصة أكبر للفوز على خصمها الجمهوري، وفق رأيه.تقدّم كامالا هاريسفي انتظار رصد انطباعات الناخبين حول الظهور الإعلاميّ الأول للمرشحة الديمقراطية للانتخابات الأميركية، كاملا هاريس، أظهر استطلاع جديد نشرته صحيفة "USA TODAY"، تقدمها على المرشح الجمهوريّ دونالد ترامب بنسبة 48% مقابل 43%. وتعكس هذه النتائج تحولًا بمقدار 8 نقاط في السباق الرئاسيّ منذ أواخر يونيو الماضي، عندما تقدم ترامب على الرئيس جو بايدن في استطلاع مماثل بنحو 4 نقاط. جاء هذا التقدم البسيط لنائبة الرئيس مدفوعًا بالتحولات الكبيرة في توجهات بين بعض المجموعات الديموغرافية الرئيسية التي تُعتبر ذات أهمية تقليدية للديمقراطيّين، بما فيها الناخبون من ذوي الأصول الإسبانية والسود وفئة الشباب، وكذا أولئك الذين يقل دخلهم السنويّ عن 20 ألف دولار. وتظهر النتائج المكورة سابقا أنّ هاريس نجحت في ما فشل في تحقيقه بايدن، وبحسب تصريح ديفيد باليولوغوس، مدير مركز الأبحاث السياسية بجامعة سوفولك، لصحيفة "USA TODAY" فإن: فئات الشباب الذين يدعمونها بنسبة 49% مقابل 36% لصالح ترامب والأشخاص الملونين الذين انتقلوا من دعم بايدن بنسبة 47% إلى مساندتها بنسبة 76%.والأسر ذات الدخل المنخفض التي أصبحت تدعمها بنسبة 58%، تحولت لصالحها، بعد أن مُنحت فرصة الحديث لممثليها في المؤتمر الوطنيّ الديمقراطي، الذي انعقد بولاية شيكاغو من الـ19 إلى الـ22 أغسطس المنصرم. (المشهد)