تبدلت الأحوال والأمنيات قسراً في نفوس أهالي قطاع غزة، فلم يعودوا يترقبون بشغف هطول الأمطار أسوة بسكان العالم، حيث أنّ فصل الشتاء ومناخه البارد يتسبب بتدهور أوضاعهم الحياتية المعيشية، ويقلب أوجاعهم وفصول معاناتهم، حيث أن 90% من سكان القطاع، أضحوا نازحين في خيم ومراكز اللجوء، مع اشتعال الحرب الإسرائيلية للعام الثاني توالياً، وتنكأ مياه أمطار الشتاء جراحهم، وسط غياب أبسط مقومات الحياة، ومعاناتهم الإنسانية المتصاعدة أساساً.ولأسباب متعددة تُعايش كل العائلات الغزية ظروفاً عصيبة في فصل الشتاء، إما بسبب الغرق، أو فقدان الأغطية والملابس اللازمة للأجواء الباردة، وانعدام وسائل التدفئة، وشح الأغذية والأدوية، والقلق من تسرب الأمطار نحو خيام النزوح ومراكز الإيواء، علاوة على تدفقها للمنازل التي بقيت قائمة، لكنها متضررة من غارات القوات الإسرائيلية طوال الحرب. وفي هذا الجانب، حذّر الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل عبر منصة "المشهد" من انتشار الأمراض والأوبئة، واشتداد معاناة الفلسطينيين. وقال بصل "دخول فصل الشتاء يعني تفاقم الأزمات ونقص الخدمات، في مراكز الإيواء ومخيمات اللجوء، وتتزايد حاجة السكان للخدمات الأساسية كالمياه والصرف الصحي وغيرها الكثير حيث لا يمكنُ توفيرها، يترافق مع ذلك منع إسرائيل المؤسسات الإغاثية الدولية من القيام بعملها، والحيلولة دون إدخال مضخات شفط المياه، وغاز التدفئة والطهي، ظروف ستفاقم الأوضاع سوءاً".وأكد أنّ "هناك أزمة حقيقية وظروف كارثية، مع دخول موسم الشتاء، في ظل عدم إدخال الملابس والأغطية والأحذية واحتياجات الأطفال منذ نشوب الحرب".الأمطار تدمر الخيام "الأمطار جرفت ودمرت خيامنا، وأتلفت فراشنا وملابسنا، وبالكاد استطعنا إنقاذ مقتنيات العائلة، خصوصًا الملابس الشتوية القليلة المتوفرة لأطفالي، بعد أن وضعتها في كيس بلاستيكي"، هذا جزء يسير مما يكابده نحو مليوني نازح يتكدسون في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة للعام الثاني توالياً. النازحة الأربعينية أسيل محسن وصفت لمنصة "المشهد" الأحوال المعيشية القاسية مع دخول فصل الشتاء، حيث تعيش وعائلتها المكونة من 7 أفراد في خيمة بالية لا تقوى أمام غزارة الأمطار والرياح، وتقول "ظروفنا مؤلمة، خصوصًا ومد البحر الذي يزداد في الشتاء، فالخيمة المتهالكة لا يمكن لها أن تصمد في وجع الأمطار والرياح والمياه المتدفقة علينا، وفوق كل ذلك نعيش حالة من الرعب جراء القصف الذي لا يتوقف، نحاول بكل الإمكانيات البقاء، لكن لا يوجد لدينا المال لشراء احتياجاتنا، ولم تصلنا مساعدات حتى اللحظة". وأضافت محسن "نعاني كبقية النازحين وأهالي قطاع غزة من نقص الغذاء والدواء والملابس الشتوية، وبالكاد نوفر للأطفال ما يسد جوعهم، حالنا مثل حال بقية النازحين من حولي، فما الذنب الذي اقترفناه حتى نصل إلى هذا الحال؟".وعلى الأرض، تعرضت أغلبية خيام النازحين ومحتوياتها لخراب واسع وأضرار شديدة، من جراء الرياح والأمطار، وغرقت في مياهها، وأدّى إلى تضرر وتهالك شبكات البنى التحتية لتجمع برك المياه في معظم المناطق، وأظهرت صوراً ومشاهد فيديو بثها النشطاء والنازحون على شبكات التواصل الاجتماعي، تعرض الأهالي لغرق خيامهم واقتلاعها بفعل دخول مياه الأمطار والمد البحريّ.غرق النازحين فالمناطق الشاطئية التي لجأ إليها عشرات الآلاف من النازحين في عموم قطاع غزة، لا تعاني من مياه الأمطار فحسب، بل من تسلل مياه البحر لتلك الخيام ليلاً، وفق ما حدث مع النازح الخمسيني وائل حمادة، الذي قال "عشت لحظات عصيبة من أجل الحفاظ على أرواح عائلتي من الموت غرقاً بالمياه، فنحن أجبرنا لنصب خيامنا واللجوء على شاطئ منطقة المواصي، لعدم توفر مكان آخر، وأقمنا السواتر الرملية دون جدوى، فمع ارتفاع الموج وحدوث حالات مد لعدة أمتار، أغرقت مياه البحر والأمطار خيامنا، وبالكاد أنقذت أطفالي وعائلتي من الغرق المحتم".وأضاف حمادة في حديثه مع منصة المشهد "المياه جرفت ملابسنا وأغطيتنا، وهدمت خيمتي وانتزعتها كحال بقية النازحين، نحن ومن خلالكم نناشد العالم من أجل وقف الحرب، وتوفير خيم تقينا برد الشتاء".ويتسبب هطول الأمطار والرياح الشديدة في تطاير الخيام، ويشكو النازح الستيني مراد النجار لمنصة "المشهد" من الخيام التي يقيمون فيها، قائلاً "مصنوعة من القماش وليس البلاستيك، وتتسرب المياه إلى داخلها بسهولة، ناهيك عن أرضية المكان غير المجهزة لتصريف مياه الأمطار، ملابسنا وأغطيتنا مبتلة، وفتات المواد الغذائية المتوفرة لدينا تلفت"، مضيفاً "نحن نواجه مصيراً صعباً للغاية، والأيام المقبلة ستكون شاقة، في ظل عدم توفر ما يقينا من برودة الجو، وزيادة الجوع". ولم تقتصر الخسائر والمعاناة عند هذا الحد، فمعظم منازل قطاع غزة طالها الضرر الجزئي والبليغ، حين داهمتها مياه الأمطار، بالإضافة لتعطل شبكات تصريف مياه المطر والصرف الصحي عن العمل، جراء تعرضها للقصف الإسرائيلي. وفي هذا الصدد أكدت بلدية غزة في بيان صحفي أن "حلول فصل الشتاء للمرة الثانية، مع استمرار الحرب منذ أكثر من عام، يفاقم من الكارثة الصحية والبيئية، بسبب كثرة الركام في شوارع المدينة، مما يسبب انسداداً في مصارف مياه الأمطار والصرف الصحي". وأفادت احصائيات رسمية بتضرر ثلثي منازل قطاع غزة ما بين تدمير كامل وجزئي، بسبب الغارات والتوغل البري، ويستعين سكانها بقطع القماش لمواصلة العيش فيها لكن دون جدوى، فمياه الأمطار تتسرب لداخلها.مراكز الإيواء يواجه عشرات الآلاف من النازحين في مراكز ومدارس اللجوء، ظروفاً صعبة للغاية، مع حلول فصل الشتاء، والازدحام الكبير في أروقتها، وقلة الأغطية والفراش وانعدام الطعام والشراب وانتشار الأمراض، وفداحة القصف الإسرائيلي الذي يطالها بشكل شبه يومي. وفي هذا الإطار، حذرت شبكة المنظمات الأهلية من "تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة مع دخول الشتاء، في ظل استمرار الحرب ومنع دخول المساعدات الإنسانية، ومواصلة نزوح عدد كبير من المواطنين في معظم المناطق"، وطالبت المجتمع الدولي "الضغط على إسرائيل لفتح المعابر أمام دخول المساعدات وفي مقدمتها، الخيام، والشوادر، ومواد النظافة" وبنبرة غاضبة تعبر النازحة الأربعينية سماهر قاضي في مركز إيواء بمدينة رفح لمنصة "المشهد" عن خشيتها من قدوم فصل الشتاء، "البرد القارص والشتاء ينهش أجساد الأطفال والشيوخ والنساء في غرف وساحات مركز الإيواء حيث أتواجد، نعاني كثيراً في الأيام العادية لكن مع قدوم الأمطار، باتت المعاناة ضعفين مع افتقارنا للأموال والأغطية والمستلزمات الإنسانية، لدي 3 أطفال بحاجة للملابس والطعام والتدفئة".(المشهد - القدس)