خلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأ العالم يوقن تماما ما آلت إليه التغيرات المناخية، بفعل الأنشطة البشرية منذ أكثر من 150 عاما، حيث ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة لم تسجل من قبل، وحرائق مستعرة في شمال وجنوب الكرة الأرضية، وجفاف وطقس متطرف بمناطق مختلفة في أنحاء المعمورة كافة، وتحذيرات من أزمة غذاء بفعل التأثيرات غير المواتية على الثروة الزراعية والسمكية. وفي غضون ذلك، تأتي أيضا توقعات متشائمة من علماء وخبراء بشأن المستقبل، إذ ترى المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، أنّ ارتفاع درجات الحرارة العالمية سيستمر خلال السنوات الخمس المقبلة، لتصل إلى مستويات قياسية، بفعل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجاوز المتوسط السنوي لدرجات الحرارة العالمية بالقرب من سطح الأرض، من مستويات ما قبل العصر الصناعي، بمقدار 1.5% المحدد وفق اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وذلك في عام واحد على الأقل في الفترة بين 2023 و2027. تحديات متسارعةوقبل أيام قليلة، كشف عالم المناخ البريطاني السير بوب واتسون عن نظرة أكثر تشاؤما، إذ توقّع الإخفاق في تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى 1.5 درجة مئوية، قائلا في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية: "أعتقد أنّ معظم الناس يخشون من التخلي عن هدف 1.5 درجة مئوية، الذي لا أعتقد أننا سنحققه. في الواقع أنا متشائم جدا بشأن تحقيق حتى 2 درجة مئوية". ويتفق الخبراء الذين تحدثوا لمنصة "المشهد"، مع ما قاله عالم المناخ البريطاني، حيث يقول الباحث في مركز دراسات التنمية والبيئة بلندن الدكتور أغلب العتيلي، إنّ "الهدف بعيد المنال لأنه وُضع منذ سنوات من دون إتاحة آليات دولية لمراقبة تنفيذه". ويضيف العتيلي خلال حديثه مع منصة "المشهد": "للأسف لا بديل أمامنا سوى تحقيق هذا الهدف في ظل الآثار التي نراها الآن من تغيّر المناخ وتطرف الطقس". بدوره، يعتبر رئيس وحدة التغير المناخي السابق بوزارة البيئة في مصر الدكتور السيد صبري، أنّ هدف اتفاقية باريس أصبح "حلما بعيد المنال"، مشيرا إلى أنه "منذ توقيع الاتفاقية لا تزال هناك أزمة ثقة بين الدول النامية والصناعية، نتيجة عدم وفاء الأخيرة بوعودها". وقبل نحو 8 أعوام تبنّت 197 دولة اتفاق باريس في مؤتمر الأطراف عام 2015، والذي دخل حيّز التنفيذ عام 2016، بهدف الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة. وعلى الرغم من ذلك، يقول عالم المناخ البريطاني: "بناءً على الالتزامات الحكومية الحالية لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، من المتوقع أن ترتفع درجات الحرارة العالمية إلى 2.7 درجة مئوية. لكن لتحقيق هدف اتفاق باريس نحن بحاجة إلى تقليل الانبعاثات الحالية بنسبة 50% على الأقل بحلول عام 2030. إلا أنّ المشكلة هي أنّ الانبعاثات لا تزال تتزايد، ولن تنخفض".من جهته، أقر خبير الكوارث الطبيعية وتغير المناخ ومدير الحد من الكوارث الطبيعية في اليونسكو سابقا بدوي رهبان خلال حديثه مع منصة "المشهد" بصعوبة تحقيق الهدف العالمي لخفض درجات الحرارة، قائلا إنه منذ اتفاقية باريس كان هناك تقدم في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، لكن هذا التقدم لا يزال بعيدا عما هو مطلوب، خصوصا أن التعهدات لا تنفذ أو تنفذ بشكل جزئي.ويضيف رهبان: "يجب معالجة أسباب التغير المناخي، والتي ترجع في الأساس إلى الاحتباس الحراري الناجم عن الأنشطة البشرية، لذا فإن الإنسان هو المسؤول بالدرجة الأولى عن انبعاثات الغازات الدفيئة، وهي تتسبب في الاضطرابات المناخية التي نراها الآن".وتعتبر الأمم المتحدة أنّ تجاوز هدف اتفاقية باريس للمناخ سيعرّض ملايين الأشخاص لأحداث مناخية مدمرة محتملة، فيما يقول الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في تقرير نُشر يونيو الماضي، إنّ 90% من جميع الكوارث مرتبطة بالمناخ والطقس، ما أدى إلى وفاة أكثر من 410,000 شخص في العقد الماضي، وأثر على 1.7 مليار شخص. آمال على "كوب 28" وسط كل هذه التحديات المناخية المتسارعة، تستضيف دولة الإمارات خلال أقل من 3 أشهر، مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ "كوب 28" نوفمبر المقبل، مع تفاؤل من قبل الخبراء والمهتمين بقضايا المناخ في ما يتعلق بمخرجات المؤتمر، خصوصا أنه سيشهد أول تقييم عالمي شامل للتقدم المحرز منذ اعتماد اتفاقية باريس للمناخ عام 2015. ويعتبر الخبراء الذين تحدثوا مع منصة "المشهد"، أنّ "كوب 28" سيوفر فرصة مهمة لتنسيق الجهود العالمية بشأن العمل المناخي، وكذلك الإجراءات الواجب اتخاذها لسد الفجوة بين البلدان المتقدمة والنامية، حيث يقول رئيس وحدة التغير المناخي السابق بوزارة البيئة المصرية السيد صبري: "سيركز المؤتمر على موضوع التمويل وخصوصا تفعيل آليات إنشاء صندوق تعويضات الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، والذي تم إقراره في مؤتمر (كوب27)". ويضيف صبري: "من المقرر أن يُجري مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة، مراجعة شاملة للأنشطة والأعمال التي قامت بها الدول الأعضاء، مقارنة بالتزاماتها طبقا لاتفاق باريس"، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن تكون الأنشطة المنفّذة أقل بكثير عما يجب تنفيذه اتساقا مع الأهداف. ويعتبر السيد صبري أنّ التحدي الأكبر الذي يواجه "كوب 28"، يتمثل في فقدان الثقة بين الدول الصناعية والدول النامية، وعدم الوفاء بالوعود من حيث توفير التمويل ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات للحدّ من تأثيرات التغيرات المناخية، قائلا: "ما تم إنفاقه على الحروب أكثر مما هو مطلوب في قضايا التصدي لتغير المناخ". ووفق الموقع الإلكتروني لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ "كوب 28"، فإنّ برنامج المؤتمر على مدار أسبوعين، يتضمن السعي نحو إيجاد حلول لسد الفجوات حتى عام 2030 والاستجابة للتقييم العالمي، وذلك من أجل خفض الانبعاثات بنسبة 43% خلال العقد الجاري، وتصحيح مسار التكيف مع التغير المناخي والتمويل والخسائر والأضرار.ويعتبر مدير الحد من الكوارث الطبيعية في اليونسكو سابقا بدوي رهبان أن مؤتمر "كوب 28" يُشكل محطة جديدة في مجال تنسيق جهود المفاوضات بشأن تغير المناخ، خصوصا أن المسائل المتعلقة بهذا الأمر تحتاج إلى المناقشات وتفاهمات وتنازلات بين الدول، ولا يمكن التوصل إلى ذلك من دون مؤتمر يجمع أصحاب المصلحة.وأضاف رهبان أن "كوب 28" سيبحث ويناقش نقاطا عدة، أبرزها:معالجة الثغرات في تنفيذ الاتفاقيات والقرارات المتعلقة بتغير المناخ. مراجعة ما تحقق نحو الأهداف التي اتخذت فيما يتعلق بالحد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب وفق اتفاقية باريس للمناخ. مستوى التقدم الذي حدث بعد مقررات مؤتمر "كوب 27" في شرم الشيخ.وأكد خبير تغير المناخ المقيم في باريس أن أهمية "كوب 28" تكمن في أنه "سوف يبحث كل ما يتعلق بأزمة تغير المناخ من تنفيذ الالتزامات وصولا إلى الطموحات المستقبلية، أخذا بعين الاعتبار تسارع الأحداث المناخية المتطرفة وما يحدث هذا الصيف في العديد من البلدان".بدوره، يعتقد الباحث في مركز دراسات التنمية والبيئة بلندن أغلب العتيلي، أنّ التحدي الأكبر الذي يجب أن يضعه مؤتمر "كوب 28" في عين الاعتبار، يتمثل في "وجود التزام أكثر وضوحا من الدول بتطبيق اتفاقية باريس، وكذلك الاتفاقات الأخرى المتعلق بمعالجة التغيرات المناخية". ويقول العتيلي خلال حديثه: "أعتقد أنّ (كوب 28) سيحاول وضع صيغة لتنفيذ متابعة هذه الاتفاقيات في المستقبل. نحن بحاجة إلى آليات مراقبة لتطبيق الإجراءات الوطنية لتقليل الانبعاثات الكربونية"، مشيرا إلى أنّ الافتقار إلى آليات المتابعة، أدى إلى عدم تحقق الأهداف المتفق عليها، خصوصا في ما يتعلق بخفض البصمة الكربونية واستهلاك الوقود الأحفوري.العدالة المناخيةوأكد وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة في الإمارات والرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف "كوب 28" سلطان الجابر، قبل أيام، أهمية القطاع الخاص في إنجاح قمة 2023 التي تستضيفها دبي، والتي تعدّ الأهم منذ إبرام اتفاق باريس 2015، قائلا في مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الفرنسية: "لا يمكننا وقف نظام الطاقة المعاصر قبل بناء نظام طاقة للغد، يكون مزودا بمصادر انبعاثات كربونية صفرية. لا نريد أن نتسبب بأزمة طاقة".وقبل ذلك بأسابيع قال سلطان الجابر أمام مؤتمر "أوبك" الدولي الثامن المنعقد في فيينا، إنّ "الالتزام على مستوى الصناعة للوصول إلى انبعاثات قريبة من الصفر من الميثان بحلول 2030، يحتاج إلى تسريع الوتيرة. وإنّ صناعة النفط والغاز تحتاج إلى تحقيق صافي الانبعاثات الصفري بحلول عام 2050 أو قبله، لذا فإنّ مواجهة هذا التحدي، توجب تركيز (كوب 28) على احتواء الجميع، والاستفادة من المهارات والخبرات في إدارة وتمويل المشروعات والمعرفة التكنولوجية لجميع القطاعات ذات الصلة، خصوصا قطاع النفط والغاز".وينتقد الباحث في مركز دراسات التنمية والبيئة بلندن، الدول الصناعية والمتقدمة في ما يتعلق بالتزاماتها بتغير المناخ، بعد اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية منذ أكثر من عام، والتي أدت إلى أزمة طاقة في أوروبا، إذ يقول لـ"المشهد": "كان هناك انتكاسة في ما يتعلق بإجراءات الحد من الانبعاثات الكربونية. فمثلا ألمانيا عادت لاستخدام الفحم في محاولة لتوفير الطاقة بعد انقطاع الغاز الروسي. ما حدث هو تغير مؤقت بسبب الحرب، لكنّ هذا التراجع يفرض الحاجة إلى آليات واضحة لتطبيق الاتفاقات والتعهدات". ويضيف العتيلي: "منظومة خفض الانبعاثات الكربونية غير عادلة بالنسبة للبلدان النامية صاحبة الاقتصاد المتوسط والصغير، إذ هي مجبرة على المساهمة في قضايا التغير المناخي، في الوقت الذي تنظر فيه دول مثل الولايات المتحدة والصين إلى النمو الاقتصادي والإنتاج، باعتبارهما أهم من الالتزام بخفض الانبعاثات الكربونية". وأبدى العتيلي تفاؤله بحدوث "انفراجة" في ما يتعلق بتحقيق العدالة المناخية بين الدول المتقدمة والنامية في مؤتمر "كوب 28"، من خلال تعزيز مساعدة الدول النامية على التكيف مع التغيرات المناخية، والعمل على تقليل البصمة الكربونية في القطاعات الصناعية بالدول المتقدمة. وبحسب الموقع الإلكتروني لـ"كوب 28"، فإنّ برنامج المؤتمر يشمل تسليط الضوء على القطاعات والمواضيع التي أثارها أصحاب المصلحة خلال المشاورات المفتوحة التي أجرتها دولة الإمارات خلال الأشهر الماضية، بما في ذلك الموضوعات التي يجب أن تكون جزءا من جدول أعمال مؤتمر الأطراف كل عام، والموضوعات الأساسية الجديدة مثل الصحة والتجارة والإغاثة والتعافي والسلام، كما يتضمن أيضا موضوعات شاملة تدعم التسليم الفاعل والمترابط منها بالتكنولوجيا والابتكار، والشمول والتمويل.(المشهد)