سعى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جولته الإفريقية لإثبات التزام الولايات المتحدة حيال القارة قولا وفعلا، لكن الهدف تمثّل أيضا بتعزيز الدفاعات في مواجهة أزمات متزايدة والمساعي الروسية والصينية لتحقيق مكاسب في المنطقة. قام بلينكن بجولة شملت 4 دول ديموقراطية مطلة على المحيط الأطلسي تقيم علاقات وديّة مع الولايات المتحدة هي أنغولا ونيجيريا وساحل العاج والرأس الأخضر، في ظل تدهور الوضع الأمني في أجزاء أخرى من منطقة الساحل. تأتي زيارة بلينكن إلى إفريقيا في أعقاب 4 زيارات أزمة قام بها إلى منطقة الشرق الأوسط فيما وُجّه له مرارا السؤال عن سبب عدم إيفاء الرئيس جو بايدن بوعده زيارة القارّة العام الماضي. وحاول الوزير الأميركي إيصال رسالة عبر التركيز على الجانب الودي للزيارة. ففي أبيدجان، حضر مباراة لكأس أمم إفريقيا حيث أهداه قادة ساحل العاج قميصا برتقالي اللون للفريق الوطني لكرة القدم يحمل اسمه، بينما حرص هو على الإشادة بمهارات الفريق في عدة مناسبات. وفي نيجيريا، الدولة الإفريقية الأكثر سكانا، قام بلينكن بجولة في مدينة لاغوس الشاسعة حيث تحدّث إلى مهندسي برمجيات من فئة الشباب. كما اختار مقاربة أكثر ليونة في السياسة، فبعد عقد من الحملات العسكرية الفاشلة التي قادتها فرنسا ضد الجهاديين، دعا بلينكن إلى نهج أكثر "شمولا" يركّز على التنمية. وأشار إلى ساحل العاج كنموذج، إذ تبدو حدودها الشمالية مستقرة بعد جهود منسقة لتوفير فرص للشباب. وفي آخر زيارة قام بها إلى إفريقيا جنوب الصحراء في مارس 2023، أمل بلينكن في دعم رئيس النيجر المنتخب محمد بازوم ليطيح به الجيش بعد 4 أشهر فيما يُجري حكام نيامي الجدد الآن محادثات لتوطيد العلاقات مع روسيا.دفاع عن النفس وإن كان العديد من الأفارقة أعربوا عن عدم ارتياحهم حيال إرسال الولايات المتحدة مليارات الدولارات إلى أوكرانيا في مواجهة روسيا، فإن واشنطن بدت أكثر عزلة في القارة نظرا لدعمها إسرائيل التي تقصف غزة ردا على هجوم "حماس". وقال مؤسس معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا جاكي سيليير "بالمجمل، فإن الولايات المتحدة في حالة دفاع عن النفس في إفريقيا حاليا نظرا إلى دعمها لإسرائيل". وأضاف "أخشى أن الزخم تحوّل إلى روسيا والصين". لم يزر بلينكن جنوب إفريقيا التي تعرضت لانتقادات واشنطن لرفعها دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بالإبادة. وناقش الوزير الأميركي أزمة الشرق الأوسط مع نظيرته جنوب الإفريقية ناليدي باندور هاتفيا أثناء مغادرته، وأكد للصحفيين أن على الخلاف ألا يؤثر على العلاقات الأوسع مع بريتوريا. وقال مدير برنامج الحوكمة والدبلوماسية الإفريقية لدى "معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية" ستفين غروزد إنه بينما يولي بايدن إفريقيا أهمية أكبر بعدما أُهملت في عهد سلفه دونالد ترامب فإن "الأولوية هي لأزمتي أوكرانيا وغزة". وأفاد بأن "الدول الإفريقية بدأت تشعر بارتباط أقوى مع الجنوب العالمي مقارنة بالولايات المتحدة، لكن التجارة مع الولايات المتحدة تبقى مهمة للغاية".مبادرات ملموسة وبينما تنشر مجموعة فاغنر الروسية عناصرها دعما لأنظمة عسكرية وتسلط الأضواء على مشاريع البناء الصينية الضخمة، بما في ذلك الملعب في أبيدجان حيث حضر بلينكن المباراة، فإن الولايات المتحدة تشدد على الدوام على أنها تسعى لشراكات بعيدة الأمد لا مشاريع برّاقة. لكن بلينكن أوضح خلال جولته أيضا أن لدى الولايات المتحدة مبادرات ملموسة لإفريقيا. في أنغولا، اطلع على التقدم الذي تم تحقيقه بشأن ممر لوبيتو وهو مشروع أميركي للبنى التحتية يعد أكثر مشاريع الولايات المتحدة طموحًا في القارة ويهدف إلى الربط بين زامبيا غير الساحلية وجمهورية الكونغو الديمقراطية الغنية بالموارد بميناء مطل على المحيط الأطلسي. وخلال مناسبات في كل من ساحل العاج وأنغولا، روّج بلينكن لمشروع أميركي يقوم على إرسال بذور لزراعة محاصيل قادرة على مقاومة أحوال الطقس الصعبة التي تزداد سوءا بفعل التغير المناخي.وأجرى بلينكن أيضا مشاورات مستفيضة بشأن الجهود الأميركية والإفريقية للتوسط في النزاعات، لا سيما في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بينما ناقش الإصلاحات الاقتصادية مع الرئيس النيجيري الجديد بولا أحمد تينوبو. ورأى أستاذ العلوم السياسية في "جامعة أوبالفيمي أوولوو" في نيجيريا فيمي ميميكو أن زيارة بلينكن كانت بمثابة "مصادقة" أميركية على المسار الديمقراطي في البلاد، وتحمل أهمية بالغة في ظل جميع الأحداث الجارية حول العالم. وقال "إنها تؤكد على الاتجاهات المرتبطة بالتزام الولايات المتحدة تعزيز العلاقات مع نيجيريا وبالتالي إفريقيا طبعا". (رويترز)