"فقد والديه"، بهذه العبارة تلقت أم سامي فاجعة وجود إحدى الأطفال الخدج في بلدتها دون ذويه بعد الزلزال الأليم، فلم يكن لديها الخيار إلا بالموافقة على رعايتها إلى حين إبلاغ السلطات المعنية بذلك.أم سامي (45 عاما)، امرأة سورية من مدينة جبلة في محافظة اللاذقية ولديها 4 أبناء، قررت استقبال مولود حديث بعدما طلبت منها جارتها القيام بذلك لعدم معرفة أي معلومات حول والديه الذي قيل إنهما توفيا بعد انهيار سقف منزلهم.وهذه ليست الحالة الوحيدة في بلاد أصابها الألم في كارثة هي الأضخم بتاريخ المنطقة، لكن أم سامي تؤكد في حديث لمنصة "المشهد" على أنها "ستبحث عن ذوي الطفل وتعلم السلطات بوجوده لديها إلى حين اتخاذ الإجراء المطلوب".وخسر العديد من الأطفال ذويهم تحت الأنقاض في الزلزال الأخير، لكن التساؤل الأبرز ما هو مصيرهم ومدى إمكانية تحمل سوريا المنهكة اقتصاديا ودور الأيتام فيها لهذا الكم من الأطفال اليتامى؟وفي وقت تجاوزت فيه حصيلة الوفيات 26 ألفا، لا يوجد أي بيانات رسمية حول عدد الأطفال الذين سقطوا في الفاجعة، أو خسروا ذويهم، لكن منظمة "اليونيسف" حذّرت من أن آلاف الأطفال والأسر عرضة للخطر بعد أن ضرب زلزالان مدمران وعشرات الهزات الارتدادية جنوب شرق تركيا وسوريا.1.2 مليون طفل يتيمبدوره، يقول مدير جمعية "الأنصار" لرعاية الأيتام في دمشق وليد الكفيري في حديث لمنصة "المشهد" إن "دور الأيتام في سوريا قادرة على احتواء أعداد الأطفال مجهولي النسب والأيتام، على الرغم من ضعف الإمكانات التي تملكها".وأضاف الكفيري أنه في دمشق "يوجد 4 دور أيتام كبيرة إضافة إلى عدد قليل من الدور الصغيرة التي لا تملك إمكانات ضخمة"، مؤكدا "أنها تفي بالغرض على الرغم من الآثار السلبية التي سببها الحصار الغربي".وقبل وقوع الزلزال، كانت التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 1.2 مليون طفل يتيم في جميع أنحاء سوريا.وفي ديسمبر 2022، كشفت مديرة "دار الرحمة" لرعاية الأيتام في العاصمة السورية براءة الأيوبي أن عدد الأيتام ارتفع لأكثر من 100% مقارنة بالأعوام الماضية.وبيّنت الأيوبي، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، أن "الدار التي تديرها والتي كانت تأوي 150 فتاة، تضم حاليا 400 طفل يتيم من بينهم 250 فتاة و150 فتى".وكانت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل قد أكدت في بيان دعم الأطفال والأسر المتضررة جراء الزلزال قائلة: "قلوبنا وبالنا عند الأطفال والأسر المتضررين، وبخاصة من فقدوا أحباءهم أو أصيبوا، أولويتنا العاجلة الآن هي ضمان حصول الأطفال والأسر المتضررين على الدعم الذي هم في أمس الحاجة إليه".ولجهة الحلول المطروحة لمعالجة أزمة الأطفال اليتامى وحمايتهم جرّاء الزلزال، يوضح مفتي حلب ورئيس لجان افتاء حلب وسائر المحافظات السورية محمود عكام، في حديث لمنصة "المشهد"، أن "هناك طرقا عدة أبرزها المرسوم رقم 2 لعام 2023 الذي أقرته الحكومة السورية في 14 يناير الماضي من أجل حماية هذه الفئة من المجتمع".وفي مراجعة للمرسوم المذكور، فهو يستهدف الأطفال المجهولي الأم والأب، أو المجهولي الأب والمعلومي الأم لكن أمهاتهم تخلّت عنهم ولا يوجد من يرعاهم.ووزع المرسوم الأدوار لتأمين الرعاية العادلة للأطفال المجهولي النسب، وتوفير بيئة سليمة لهم تضمن تأمين احتياجاتهم الحياتية وتعليمهم وحمايتهم ليكبروا كبقية أطفال المجتمع.وتضمن المرسوم إحداث هيئة عامة ذات طابع إداري تسمّى "بيوت لحن الحياة" تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي، وهي معفية من جميع الضرائب والرسوم المالية.وعلى الرغم من أن المرسوم لم يذكر بشكل مفصّل وضع الأطفال اليتامى إلا أن مفتى حلب أكّد على أهميته في ظل هذه الأزمة، مشيرا إلى أن "الكفالة في الإسلام تحّل هذه المشكلة إلى حد كبير".الاحتضان بالرضاعة وعند سؤاله عن مدى إمكانية إقامة الطفل المكفول مع الجهة الكافلة في حالة الرضاعة الشرعية خصوصا في ظل أزمة السكن بالمناطق المنكوبة، تمسك عكام بإمكانية اقتران الكفالة بالرضاعة، ليتمكن الطفل من العيش شرعا مع عائلته الجديدة. وأوضح أنه في الشرع يجوز للأم حتى إن لم تكن متزوجة أن تُرضع الطفل المكفول، حتى لو لم تتمكن من ذلك، جاز إعطائها محفّزات لإدرار الحليب"، وهو ما يعرف في السعودية بالاحتضان.ويعتبر الاحتضان مفهوما شرعيا في السعودية بعدما لاقى تأييدا ودعما من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، حيث أولت جمعية الوداد مسؤولية جميع الأطفال الأيتام من فاقدي الرعاية الوالدية في المملكة.ويوضح حسين بحري، رئيس مجلس إدارة جمعية الوداد، في حديث لمنصة "المشهد"، أن "الاحتضان بشرط الرضاعة يمنح الكفيل حقا شرعيا بإسكان طفل من غير نسبه في منزله"، مضيفا أنه "يجعل الحاضنة أمّا بالرضاعة وزوجها محرم للطفلة المحتضنة".وعن كيفية حصول الإرضاع، يقول رئيس مجلس إدارة جمعية الوداد: "مع التمسك بإمكانية الإرضاع من قبل أقارب الزوجة ضمن الحدود الشرعية المعروفة، نقدم في الوداد برنامجا طبيا لتحفيز إدرار الحليب من المرأة غير المرضعة، وذلك لمساعدة الأسرة العقيمة من تحقيق رغبتها في احتضان الطفل اليتيم وإرضاعه ليكون ابنا لهم من الرضاعة".وللرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء موقفها الواضح من الرضاعة الاصطناعية، إذ تقول في فتوى تحمل الرقم 19252، إنه "إذا ثبت أن ما نزل من هذه المرأة لبن (حليب)، فيكون هذا الرضاع محرما، سواء كان بسبب تنشيط هرمون الحليب المدر أم لا".وكذلك أكدت فتوى تحمل الرقم 19252 أنه "إذا درت المرأة اللبن بسبب ما تتناوله من مُدرات (منشطات للهرمونات)، وأرضعت طفلا خمس رضعات، فإنها بذلك تكون أمّ له".واستشهدت الفتوى بآية قرآنية: "وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة"، وكذلك بحديث نبوي مفاده أنه "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".والأمر نفسه ينطبق في سوريا إذا أرادت العائلة إقامة الطفل المكفول معها بحسب عكام الذي أكد ذلك قائلا في "حال إرضاع الطفل تكون قد أصبحت أمّا له وأصبحت شقيقتها خالة له ووالدها جدا له وهكذا".وحتى هذه اللحظة لا تزال الكفالة في سوريا مرتبطة بمبلغ مالي على العائلة تسديده (200 ألف ليرة سورية شهريا أي حوالى 29 دولارا أميركيا) من دون وجود تفاصيل حول الإجراءات القانونية اللازمة لنقل الطفل المكفول إلى منزل آخر. (المشهد)