ضربات عسكرية قوية ومتتالية تلقاها "حزب الله" خلال الأيام الماضية، في مشهد غير معتاد منذ اندلاع الصراع مع إسرائيل في 8 أكتوبر الماضي على خلفية شن تل أبيب حربًا مدمرة على قطاع غزّة. وحافظ الطرفان خلال هذه الفترة على ما يسميه مراقبون بـ "قواعد الاشتباك المُنضبط" خشية الانزلاق في حرب واسعة بالمنطقة، إلا أنّ تل أبيب قررت المجازفة وكسر هذه القاعدة بتوجيه ضربات قاتلة للحزب، بدأت بتفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي في يد عناصر الحزب ثم تلاها اغتيال قيادات بارزة في قوة "الرضوان" وانتهى الأمر بتكثيف الغارات الجوية التي تقول إسرائيل إنها تستهدف أماكن أسلحة الحزب. وأمام هذه المستجدات، توجهت الأنظار نحو الحليف الأول والأكبر لـ "حزب الله" وهو إيران، التي هددت مرارًا وتكرارًا بالرد على إسرائيل خصوصًا بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في بلادهم. تحوّل لغة الخطاب الإيرانيتصريحات المسؤولين الإيرانيين جاءت عكس المتوقع، أو ربما كشفت الحقيقة التي لا يريد أنصارهم أن يروها، وفق مراقبين، إذّ حملت تصريحاتهم في طياتها خيبة أمل لـ "حزب الله". وخلال تواجده في نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، قال الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، إنّ طهران لا تُريد حربًا مع إسرائيل ولكنها تسعى لمنع حرب واسعة في المنطقة، لافتًا إلى التزام بلاده بضبط النفس تجاه ما أسماه بالاستفزازات الإسرائيلية المتكررة. تصريحات المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، حملت في طياتها أيضًا لهجة غير معهودة طالب خلالها بضرورة حشد جهود الدول الإسلامية لمواجهة إسرائيل. وأمام تحوّل لغة الخطاب الإيراني التي اعتادت على التصريحات النارية، رأى مراقبون في حديث لمنصة وقناة "المشهد"، أنّ موقف طهران لم يتغير بشأن دعمها لـ "حزب الله" ولكنها في الوقت نفسه تخشى الانجرار إلى حرب شاملة مع إسرائيل وهو ما يجعلها صامتة أمام الضربات التي يتلقاها الحزب من إسرائيل.مصلحتها في المقام الأولوفي التفاصيل، قال المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عبد الرحمن، إنّ إيران لا تريد الانجرار إلى حرب مع إسرائيل، لافتًا إلى أنّها تلقت العديد من الضربات ولكنها امتصّت تلك الضربات من أجل تجنب المواجهة الشاملة مع تل أبيب. وأضاف عبد الرحمن لـ"المشهد": مع انتخاب الرئيس الجديد مسعود بزشكيان، باعتباره جزءًا من التيار الإصلاحي، يبحث عن حلول للتوتر بين إسرائيل وإيران"، مشيرا إلى أنّ تصريحات بزشكيان جاءت متماشية مع تصريحات خامنئي. وأشار عبد الرحمن إلى أنّ "إيران لجأت في السابق إلى سياسة الحروب الدعائية ونجحت في سياستها التوسعية بالمنطقة من خلال الضجة الإعلامية التي يطلقها بعض المسؤولين الإيرانيين على عكس الواقع الحقيقي". وأوضح عبد الرحمن أنّ "قيادات إيران تضع مصلحة النظام في المقام الأول قبل أيّ شيء، لافتًا إلى أنهم يدركون أن مصلحتهم حاليًا في تجنب حرب شاملة مع إسرائيل، مضيفًا:" تصريحاتهم الحالية تدعو "حزب الله" إلى ضبط النفس وعدم التصعيد ردًا على اغتيال قياداته في لبنان". وقال المتخصص في الشأن الإيراني، إنّ "المسؤولين الإيرانيين يريدون توصيل رسالة إلى الغرب بأنهم دولة لا تريد الحرب ولا تسعى إليها، وبالتالي ليس من مصلحتها توسيع الصراع الحاصل في لبنان الآن". وأضاف : "ما جرى ليس تخليًا عن "حزب الله" ولكنهم مضطرون لفعل ذلك.. إيران تعتبر "حزب الله" جزءًا منها وليست جماعة لبنانية وبالتالي تضغط من أجل عدم التصعيد خوفًا على بقاء نظامها". وأشار إلى أنّ ما فعلته إيران مع "حزب الله" تكرر في السابق مع "حماس" بعد اندلاع حرب غزّة، حينما خرجت تصريحات الوعيد والتهديد من اشتعال المنطقة في حال دخول إسرائيل بريًا إلى غزّة ولكن بعد تلك الفترة لم تقم إيران بفعل أيّ شيء سوى إعطاء أوامر لوكلائها في المنطقة بالقيام بعمليات مناوشة لإسرائيل فقط.حذر إيرانيبدوره، قال الباحث في الشأن الإيراني، الدكتور محمد عبادي، إنّ "المشهد الحالي معقدّ للغاية ولكن لو تعاملنا مع الموقف الإيراني وفق الدعاية والشعارات التي أطلقها الإيرانيون قبل 7 أكتوبر فيمكن القول إنها تخلت عن كل "محور المقاومة" وليس "حزب الله" وحده". وأوضح في حديث لمنصة "المشهد" أنّ "إيران سعت لترسيخ منطق يقضي بأنه في حال تعرض أيّ من حلفائها في المنطقة لهجوم إسرائيلي أو أميركي فإن بقية الحلفاء مجبرين على الدخول في هذه المعركة". وأضاف عبادي:مع بداية حرب غزّة تخلّت إيران عن "حماس" بعد أن قالت إن هجوم 7 أكتوبر هو عملية فلسطينية خالصة ولا دخل لها بها.ما جرى لاحقًا من اغتيال هنية في طهران وصولًا إلى ما يحدث مع "حزب الله" يشير إلى تخلي إيران عنهم.إيران لا ترغب بالدخول في حرب شاملة مع إسرائيل خشية تضرر ترسانتها العسكرية وخوفًا من دخول الولايات المتحدة طرفًا في الصراع وهو ما سيؤثر بالتأكيد على مقدرات الدولة الإيرانية.المبدأ الوحيد الذي تعتمده إيران في سياستها الخارجية هو "البراغماتية"، ومن مصلحتها حاليًا عدم الدخول في حرب مع إسرائيل، لافتاً إلى أن طهران غير مهتمة ولا راغبة في الانخراط في الحرب تحت ذريعة عدم الجاهزية. طهران تقوم بمدّ "حزب الله" بالأسلحة والأموال.إيران تسعى لتحقيق أيّ مكاسب سواءً في السلم أو الحرب من خلال حشد الرأي العام في المنطقة لصالحها من خلال التصريحات النارية وقت السلم، والرجوع خطوات إلى الخلف وقت الحرب خوفًا على مقدراتها.هناك تخوفات إيرانية كبيرة من مغامرة غير محسوبة قد تقوم بها تل أبيب باستهداف المنشآت النووية الإيرانية، طهران أعطت توجيهات لجميع وكلائها بضرورة ضبط النفس في هجماتهم على إسرائيل تجنباً لحرب شاملة.واختتم الباحث في الشأن الإيراني حديثه إلى "المشهد" قائلاً إنّ "حزب الله" حتى الآن لم يستخدم أسلحته الدقيقة والمتطورة في الهجوم على إسرائيل ويلتزم فقط بأدوار دفاعية ردًا على العمليات الإسرائيلية ضده، مضيفًا:"ربما هذا بتوجيه إيران التي تسعى حاليًا إلى الوصول إلى تسوية شاملة مع الغرب في كل الملفات المُعلقة، ولكن هذا قد يصطدم برفض رئيس الوزراء الإسرائيلي".(المشهد)