لطالما كان عموم المصريين يمنون أنفسهم بالذهاب إلى المملكة العربية السعودية من أجل أداء مناسك الحج لكن وعلى ما يبدو أن الكثير منهم لن يستطيعوا تحقيق ذلك في الوقت الحالي بعدما باتت الرحلة أكثر صعوبة حتى على من هم أيسر حالا من المصريين.فالأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد في هذه الآونة ألقت بظلالها على مختلف الأمور وذلك في ظل تحريك أسعار صرف الجنيه أمام العملات الأخرى مرات عدة، فضلاً عن موجة التضخم التي أشعلت لهيب هذه الأسعار.ولم تسلم كلفة أداء فريضة الحج هذا الموسم من تلك الأزمة بعد أن تجاوزت الزيادة في أسعارها عن العام الماضي 100% في ظل الحديث عن توقعات بتراجع أعداد الحجاج المصريين هذا العام.أنواع الحج في مصروهناك 3 أنواع للحج في مصر وهي مقسمة كالآتي:1- حج القرعة: ويُعرف بأنه الأرخص كلفة داخل مصر لأنه يجري تحت رعاية الحكومة وليس القطاع الخاص، ويقع الاختيار على عدد محدد من المتقدمين ليتمكنوا من الذهاب إلى المملكة العربية السعودية بأقل مصاريف ممكنة، حيث بلغت كلفة "حج القرعة" هذا العام نحو 149 ألف جنيه مصري بخلاف قيمة تذكرة السفر بالطائرة، والتي لم تحدد بعد، في حين كانت العام الماضي تقارب الـ91 ألف جنيه مصري، وهذا النوع تنظمه وتنفذه الجهة المختصة بوزارة الداخلية.2 - حج السياحة: وتنظمه الوزارة المعنية بشئون السياحة وتنفذه الشركات السياحية، وحددت وزارة السياحة والآثار أسعار الحج السياحي لعام 2024 وفقا لشكل وطريقة الخدمة المقدمة للمواطنين، وتم تقسيمها لثلاث فئات جاءت على النحو الآتي:الحج البري: يبدأ سعره من 191 ألف جنيه وحتى 225 ألف جنيه.الحج الاقتصادي (طيران): وسعر هذه الفئة يبدأ من 226 ألف جنيه ويصل إلى 260 ألف جنيه من دون حساب سعر تذكرة الطيران.الحج فئة الخمس نجوم: ويتراوح السعر فيه من 450 ألف جنيه وحتى 480 ألف جنيه من دون حساب سعر تذكرة الطيران.3- حج الجمعيات: وتنظمه الجهة المختصة بوزارة التضامن الاجتماعي عبر الجمعيات الأهلية على مستوى الجمهورية، وحددت الوزارة السعر على النحو الآتي:المستوى الأول: حيث الإقامة بفنادق 5 نجوم بساحة الحرم المكي ويصل سعره لمبلغ 235 ألف جنيه غير شامل قيمة تذكرة الطيران والتي تكون في حدود الـ35 ألف جنيه.المستوى الثاني: حيث الفنادق التي تبعد نحو 750 متراً من الحرم وسعره 168 ألف جنيه.المستوى الثالث: وسعرها يقدر بنحو 151 ألف جنيه وهو للفنادق البعيدة عن الحرم بمسافة 1400 متر.وقصرت الدولة الحج على من لم يؤد الفريضة من قبل وأن يكون قادراً على أداء المناسك ويقدم ما يثبت خلوه من الأمراض المستعصية والمعدية والفيروسية والسرطانية والعصبية والنفسية، بما يمكنه من أداء المناسك بالاعتماد على نفسه ووجود مرافق للذين تتجاوز أعمارهم 75 عاماً وأصحاب الإعاقة والأمراض التي تتطلب حالتهم وجود مرافق لهم.الممنوعون من أداء مناسك الحجوزارة الصحة والسكان المصرية حددت 6 فئات ممنوعة من السفر لأداء فريضة الحج هذا العام، وذلك لكونهم الأكثر عرضة لمخاطر العدوى وهذه الفئات هي:مرضى الفشل الكلوي الذي يتطلب علاجهم جلسات غسيل كلى.مرضى تليف الرئة.حالات السمنة المفرطة المرضية.الحالات المتقدمة من أصحاب أمراض "القلب- التليف الكبدي- الأورام- الأوعية الدموية".الحوامل في الأشهر الأولى والأخيرة.المصابون بأمراض نفسية والزهايمر وفقًا للتقارير الطبية المعتمدة.ووسط دهشة واستغراب الكثير من المصريين في الارتفاع الكبير وغير المسبوق في كلفة أداء مناسك الحج هذا العام، حاولت منصة "المشهد" الوقوف على أهم وأبرز أسباب هذه الارتفاعات وكيف سيتمكن المصريون من أداء فريضة الحج في ظل أسعار وصفها الكثيرون بـ"الجنونية".أسباب الزيادةوفي هذا الصدد، يقول عضو اللجنة العليا للحج والعمرة التابعة لوزارة السياحة والآثار ناصر ترك، في حديث لـ"المشهد" إن "السبب الرئيس لارتفاع كلفة الحج هو ضعف قيمة الجنيه المصري في مواجهة الريال السعودي بعد تحريك سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي وبقية العملات واستمرار هذا الضعف خلال العام الحالي لكن بوتيرة أعلى من العام الماضي".ويشرح "الريال السعودي كان يوازي 4 جنيهات الموسم المنقضي أما اليوم فوصل إلى ما يزيد عن 8 جنيهات بحسب البنوك الرسمية وفي السوق الموازية تخطى حاجز الـ13 جنيها والمشكلة الأكبر تكمن في عدم توافره من الأساس إضافة إلى أن أسعار الغرف الفندقية داخل السعودية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً عن ذي قبل وبالتالي شكلت عبئاً على كاهل المواطنين الراغبين في السفر".وكشف ترك عن أن جميع الخدمات التي يتم تقديمها للحجاج داخل المملكة العربية السعودية يتم دفعها بالريال السعودي بدءا من الإقامة في مكة والمدينة وصولا إلى التغذية وخدمات الطواف وغيرها، وبالتالي فإن العملة تعد أهم ركن في رحلة الحج حيث تمثل 60% من تكلفة السفر.وعلى الرغم من الأسعار التي تم طرحها لأداء مناسك الحج في الموسم الجديد والتي وصفها الكثيرون بالباهظة والمبالغ فيها إلا أن ناصر ترك كشف أن "مصر يوجد بها أرخص رحلة حج في العالم بأكمله"، ولكن المشكلة كلها تكمن في الفارق في سعر العملة بين الجنيه المصري والريال السعودي"، موضحاً في ذات الوقت أن "الحكومة تعمل جاهدة وقدر الإمكان على التيسير للمواطنين في تكلفة الحج بأقل الأسعار".وتوقع عضو اللجنة العليا للحج والعمرة ألا يكون لتلك الزيادة تأثير واضح في أعداد الحجاج المصريين الراغبين في الذهاب إلى الأراضي المقدسة لكنه أرجأ تقليص الأعداد بالنظر إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المصريون بشكل عام، والتي ربما تدفع بعضهم إلى تأجيل قرار الحج بخاصة لمن اعتادوا تكرار أداء هذه الفريضة.شركات سياحية تخرج من الخدمةعدم ثبات سعر صرف العملات داخل البلاد أحدث حالة من عدم الاستقرار لدى الكثير من أصحاب الشركات السياحية التي تقدم خدمات متنوعة للمواطنين، إذ يقول رضا الأحوال وهو صاحب إحدى الشركات العاملة في مجال السياحة الدينية لـ"المشهد": "اضطررت إلى إغلاق الشركة لفترات طويلة خلال العامين الماضيين وذلك بسبب تغيير سعر صرف الريال السعودي أكثر من مرة وعدم استقراره عند سعر معين، وبالتالي ارتفعت أسعار رحلات العمرة والحج بما لا يتناسب مع قدرة الأفراد المالية"، مؤكدا أن "إقبال المواطنين على حجز الرحلات يتضاءل بشكل كبير للغاية".وأوضح الأحوال أنه "على الرغم من أن شركات السياحة تحرص على وضع بند في تحديد خطة تسعير برامج العمرة والحج ينص على إقرار زيادات جديدة على أسعار البرامج في حال تعديل سعر صرف العملات، إلا أن هذا الأمر لم يكن كافياً لاستمرار بعض الشركات داخل السوق، وذلك بسبب عدم إقبال المواطنين على التقديم في رحلات الحج والعمرة بسبب الأسعار المرتفعة".وفي ظل الأسعار الكبيرة التي منيت بها فريضة الحج وأصبحت صعبة المنال على الكثيرين داخل البلاد وخصوصا مع الضغوط الاقتصادية، لجأ البعض إلى تأدية هذه الفريضة من خلال التقسيط، وذلك بعد أن طرح بعض المصارف قروضاً للراغبين في أداء فريضتي الحج والعمرة.ويؤكد جمال رشدي البالغ من العمر 55 عاما لـ"المشهد" أنه "اضطر إلى الذهاب لأحد البنوك لطلب قرض من أجل تحقيق حلمه في تأدية مناسك الحج بعد أن وجد صعوبة بالغة في تدبير الكلفة الخاصة بالحج، بعدما ارتفعت أسعارها بشكل أصبح يفوق طاقة المواطنين".المصريون يفاضلون بين الحج وأولوياتهم المعيشيةوفي ذات السياق، يقول الخبير الاقتصادي محمد أبو عاصي في حديث لـ"المشهد" إن "الغلاء الشديد في أسعار الحج لهذا العام ربما يدفع الكثير إلى المفاضلة بين الأولويات المعيشية وتأجيل أداء فريضة الحج بسبب أزمة الغلاء التي تجتاح العالم والأسعار الجنونية التي أصابت السلع والخدمات".وأوضح عاصي أن "الظروف الاقتصادية الحالية هي أكبر دافع لتأجيل بعض القرارات غير الضرورية التي ربما يكون من بينها أداء مناسك الحج لمصلحة قضايا لها الأولوية مثل زواج الأبناء أو التعليم"، مؤكداً أن "التفكير العقلاني هو المطلوب في ظل الظروف التي يعاني منها الجميع في هذه الفترة".وكانت تكاليف أداء فريضة الحج في مصر هذا العام ارتفعت لأرقام قياسية مقارنة بالعام الماضي، ووصلت أسعار الحج السياحي قرابة نصف مليون جنيه مصري، وهو الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين داخل مصر الراغبين في السفر إلى المملكة العربية السعودية لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام الـ5 وهو الحج.(المشهد)