جدل واسع في مصر عقب إعلان وزارة السياحة والآثار المصرية، عن مشروع لترميم أصغر أهرامات الجيزة "هرم منكاورع".النقاش بدأ عقب نشر الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري، على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك مقطعا مصورا يشرح فيه مشروع ترميم هرم "منكاورع"، وأعرب في الوقت ذاته عن سعادته له، واصفاً إياه بأنه مشروع القرن وهدية مصر للعالم تزامناً مع الافتتاح الوشيك للمتحف المصري الكبير.وحول أهم التفاصيل الخاصة بهذا المشروع، يقول مصطفى وزيري إن هذا المشروع يأتي بالتنسيق مع بعثة يابانية وبتمويل ياباني وسيسهم في رؤية هرم الملك منكاورع لأول مرة كاملاً بالكساء الخارجي له كما بناه المصري القديم، لافتاً إلى أن البلوكات الغرانيتية للكساء الخارجي للهرم كانت نحو 16 بلوكاً لم يتبق منها حالياً سوى 7 بلوكات فقط، وهو ما سيقوم المشروع بالعمل على دراستها وترميمها وتوثيقها وإعادة تركيبها، وسيتم تنفيذه على مراحل عدة خلال 3 سنوات ليشمل أعمال رسم وتصوير "فوتوجراميتري " وتوثيق و"ليزر سكان"، ثم البدء الفعلي في أعمال إعادة تركيب البلوكات الغرانيتية.هرم منكاورعويعد هرم منكاورع أحد أهم المواقع الأثرية على مستوى العالم، والذي ظل صامداً أمام الزمن وتقلباته المختلفة، سواء الطبيعية والمتمثلة في الزلازل والأعاصير، أو محاولات الهدم أو اقتطاع بعض الأحجار في عصور مختلفة. ومن بين الأضرار التي لحقت به هو سقوط أجزاء من الكساء الخارجي له، فالمختصون في مجال التاريخ والآثار لم يتفقوا على هذا المشروع، ومن ثم اختلفت وجهات نظرهم، فمنهم من يؤيده ويعتبر أنه سيمثل إضافة جديدة إلى الهرم من خلال العمل على إعادته لحالته الأصلية التي كانت عليه.في المقابل، هناك من يرى أن المشروع مجازفة يمكن أن تؤدي إلى تغيير المنظر العام المعتاد للهرم أو إحداث أي ضرر بالهرم، معتبرين المشروع لا جدوى أو إضافة منه وأن هناك مواقع أثرية أخرى في حاجة ماسة إلى الاهتمام. وفي هذا الصدد يقول أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة الأزهر الشريف الدكتور رفيق مصطفى إن المشروع الذي أعلنت عنه وزارة السياحة المصرية يجب أن يتمتع بدقة شديدة وعلى أعلى مستوى، لأن أنظار العالم كله تتجه صوب أهرامات الجيزة، فهي ليست مجرد أثر عادي، لكنها من عجائب الدنيا السبع، وبالتالي فالأمر يتمتع بأهمية كبرى ويحتاج إلى دراسات دقيقة ومستفيضة قبل الشروع في القيام بأي مشروعات تخص هذه الأهرامات وإلا فلا داعي لها من الأساس.ويري أستاذ التاريخ والحضارة أن فكرة إعادة كساء الهرم بالأحجار التي سقطت منه، من الممكن أن تكون مقبولة، بشرط أن يكون الاعتماد بصورة كاملة على هذه الأحجار الموجودة في محيطه دون أي إضافة لأحجار أخرى مستحدثة لا تنتمي للهرم، فهذه الأحجار الموجودة بالفعل في إطار هرم منكاورع هي جزء منه، وستكون متوافقة معه وإعادتها لن تسبب تنافراً مع الأحجار القائمة.تجارب سابقةوبحسب الخبير في علم المصريات الدكتور وسيم السيسي، فإن تاريخ سقوط الكتل الحجرية التي كانت تكسو هرم منقرع غير معروف حتى الآن، ولم يبق منها سوى 7 كتل فقط، وهذا الهرم هو الوحيد في مصر بين أكثر من 124 هرماً، الذي تضمن تصميمه كساء خارجيا من الغرانيت.ويرى السيسي أن هذا المشروع ليس له أي داعٍ أو جدوى لأسباب كثيرة، وفي مقدمتها أن المصري القديم وضع أحجار الغرانيت على الهرم وقام بتهذيبها بعد تركيبها بالفعل، وهرم منكاورع لم يتم الانتهاء منه في عهده، وإنما استكمل بعد وفاته، فهذه الأحجار جزء كبير منها ظل في جوار الهرم لم يتم تركيبها وقت بناء الهرم، فكيف سيتم هذا الآن، خصوصا مع تغير جميع العوامل وتأثر الأحجار القائمة في الهرم بعوامل الزمن وعدم قدرتها على حمل الأوزان الثقيلة فكيف سيتم تركيبها وكيف سيتحملها الهرم؟وكشف أستاذ التاريخ والحضارة الدكتور رفيق مصطفى أن التدخل لإعادة أثر إلى وضعه الأصلي ليس بالأمر الجديد، حيث حدث ذلك سابقاً في مصر بمواقع أثرية عديدة، ولعل أبرزها كان معبد الكرنك الواقع في صعيد مصر وتحديدا في مدينة الأقصر، حيث تمت إعادة تركيب الأعمدة الخاصة به، وكانت هناك أجزاء مفقودة من بعضها فأعيد بناؤها بحيث تستكمل الجزء الناقص، ويكون واضحاً أن هذا الجزء مستكمل وليس أصلياً، مشيراً إلى أنه في حالة هرم منكاورع فليس لدينا صورة للهرم وهو مكتمل، وما تم الإعلان عنه يفيد بأن الأحجار المتاحة لن تكفي كامل الهرم، فكيف سيتم استكمالها؟ أم سيتم كساء جزء فقط من الهرم، وطالما الاعتماد على هذه القطع المرتبطة بالهرم فلن يكون هناك أزمة، لكنها ستثار في حال الاعتماد على أي أحجار أخرى مضافة.من هو الملك منكاورع؟ويعد منكاورع خامس ملوك الأسرة الرابعة، وهو ابن الملك خفرع وحفيد الملك خوفو باني الهرم الأكبر. ويميل غالب العلماء إلى تقدير فترة حكمه بنحو 18 عاماً، واشتهر في كتابات المؤرخين القدماء بصفات التقوى والطيبة، حتى إن هيرودوت امتدحه أكثر من أي ملك آخر، وقال عنه إنه سبق في عدالته جميع الملوك السابقين، كما يعد أصغر أهرام هضبة الجيزة، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 66 متراً، ويحتفظ المتحف البريطاني في لندن بغطاء تابوت على شكل آدمي للملك منقرع، لكنه ليس هو الغطاء الأصلي الذي عثر عليه في غرفة الدفن.وكانت وزارة السياحة والآثار أعلنت في وقت سابق عن بدء تنفيذ مشروع لدراسة وتوثيق الأحجار الغرانيتية، التي تمثل الكساء الخارجي لهرم الملك منكاورع، والموجودة بمنطقة أهرامات الجيزة، تمهيداً لإعادة تركيبها لكن هذا الأمر قوبل بردة فعل متباينة لدى الأوساط الأثرية المختلفة.( المشهد)