وصل وزير الخارجية السودانيّ علي الصّادق طهران، يوم الإثنين، بدعوة رسمية من نظيره الإيراني، في زيارة من المقرر أن يعقد خلالها اجتماعات مع مسؤولين إيرانيّين، في خطوة إعادة بناء العلاقات الإيرانية-السودانية، التي تشير إلى توسيع طهران لنفوذها العسكريّ على الضفّة الإفريقية من البحر الأحمر. استأنفت إيران والسودان علاقاتهما الثنائية أواخر العام الماضي، بعد توقّف دام 7 سنوات، حين اتّفقا في 9 أكتوبر 2023 على تطوير العلاقات الودية "على أساس الاحترام المتبادل للسيادة والمساواة والمصالح المشتركة والتعايش السلمي"، وذلك بعد لقاء جمع وزيرَي خارجية البلدين في باكو العام الماضي.عودة إيرانية إلى القارة الإفريقية تكتسب زيارة وزير الخارجية السودانيّ إلى طهران أهميّة خاصة بالنظر إلى توقيتها وتزامنها مع تقارير تحدّثت عن تزويد طهران الجيش السودانيّ بشحنات من مسيّرات "مهاجر 6" المسلّحة بصواريخ دقيقة التوجيه، لتدخل ساحة المعركة في الحرب التي تمزّق البلد الإفريقيّ وتزيد من حالة اللا استقرار في القارة الإفريقية. يجذب الساحل السودانيّ الممتد على طول 650 كم على البحر الأحمر، الذي يعدّ أحد أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم، وبات في قلب الخلاف المتصاعد بين الولايات المتحدة و"الحوثيّين" المدعومين من إيران، اهتمام الجهات الإقليمية الفاعلة الساعية إلى نفوذ أكبر في المنطقة، بما في ذلك روسيا والصين ومؤخّرًا تركيا. بعد المصالحة مع السعودية وتجديد العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج، تعمل إيران على تكثيف وجودها الدبلوماسيّ في إفريقيا، مستغلّة حالة اللا استقرار السياسيّ والأمنيّ التي تسود في العديد من دول القارة السمراء. وفي هذا السياق، قام الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي في يوليو 2023 بأوّل زيارة على مستوى الرئاسة الإيرانية إلى القارة الإفريقية بعد انقطاع دام 11 عامًا، شملت 3 دول إفريقية في القرن الإفريقي، أوغندا وكينيا وزيمبابوي، التي كانت دائمًا محطّ اهتمام طهران. ويرى المحلل السياسيّ السودانيّ عباس صالح، في حديثه إلى منصّة "المشهد"، أنّ "إيران لاعب وفاعل إقليميّ في الساحتين الإفريقية والعربية الشرق أوسطية، وبالتالي فهي تهتم بالعودة إلى الساحة السودانية في هذه المرحلة، حيث تشهد البلاد صراعًا خطيرًا في أبعاده وتداعياته على أمنها واستقرارها ووحدة وسلامة أراضيها". تسعى إيران رئيسي إلى "إعادة ضبط" علاقاتها مع القارة الإفريقية، بعد 8 سنوات من عهد روحاني، الذي أعطت الأولوية للانفراج والتقارب مع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية والصين وروسيا، في سياسة توّجت بالتوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2015 والرفع الجزئيّ للعقوبات الأميركية.لم يزُر روحاني إفريقيا أبدًا، ولم يقُم بزيارة إيران سوى رؤساء غانا وجنوب إفريقيا وزيمبابوي، وذلك بعد التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة وإلغاء العقوبات جزئيًا في عامَي 2016 و2017. السياسة الإيرانية الإفريقية الجديدة بدت جليّة في خطاب المرشد علي خامنئي السنويّ لمناسبة عبد النوروز في 21 مارس الماضي، حين أعلن أنّ "العلاقات القوية مع إفريقيا وأميركا اللاتينية تشكل جزءًا من أجندتنا المحددة، وسنتابع هذه الخطة إن شاء الله".الساحل السوداني يغري طهران ونجحت إسرائيل في إحداث خرق في علاقاتها مع الدول الإفريقية في أعقاب الزيارات الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيليّ ووزير المالية ووفود رسمية من وزارة الخارجية، إلى القارة السمراء.وترى إيران في علاقاتها مع دول الشرق الإفريقي، وخصوصًا السودان، مجالًا واسعًا وخصبًا للأنشطة السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكبديل لعلاقاتها شبه المعدومة مع الاتحاد الأوروبيّ والولايات المتحدة، لذا فهي تسعى إلى تكثيف حضورها الدبلوماسيّ في القارة التي تحتضن 20 سفارة إيرانية فقط، مقابل 44 سفارة تركية، التي تخدّم خطوطها الجوية 55 وجهة في إفريقيا، وهما أداتان استخدمتهما تركيا لتطوير نفوذها الاستراتيجيّ والدبلوماسيّ عبر إفريقيا. الوجود العسكريّ والسياسيّ في البحر الأحمر، خصوصًا في محيط خليج عدن ومضيق باب المندب، التي تتحكم في المرور البحريّ من المحيط الهنديّ إلى البحر الأبيض المتوسط عبر سواحل القرن الإفريقي تزيد من الأوراق الإيرانية في التفاوض على ملفّات أكثر سخونة وأهمية بالنسبة لطهران، وتُعتبر الخبرة التي يتمتّع بها القائد الحاليّ لفيلق القدس، إسماعيل قاآني، في التعامل مع الجهات الإفريقية، عاملًا مساعدًا في ذلك، حيث قام برحلات إفريقية عدة حين كان نائبًا للجنرال قاسم سليماني، في عهد إدارة أحمدي نجاد. ويرى الناطق الرسميّ لـ"قوى الحرية والتغيير" السودانية شهاب ابراهيم في حديثه مع منصّة "المشهد"، أنّ "ايران ليس لها أيّ مصالح كبيرة في السودان، سوى أنها تحاول دائمًا خلط الأوراق في المنطقة، ومن خلال علاقاتها مع النظام السابق، فهي تحاول فقط أن تجد موقعًا لها على الساحل السودانيّ لبناء قاعدة عسكرية ضمن الصّراع في البحر الأحمر".في المقابل يرى صالح أنّ "السودان يحتاج حاليًا أشكال الدعم كافة، فإيران هي الطرف الأقدر على تقديم العون الذي يحتاجه السودان في الوقت الراهن". ووفق صالح، "من الطبيعي أن ترى طهران أنّ انفتاح السودان عليها بمثابة "تكفير" عن قطع العلاقات معها. عودة إيران للساحة السودانية ستكون لها أبعاد إقليمية خصوصًا، ونتائج الصراع الحاليّ ومآلاته ستكون معقّدة تطال دولًا عدة وأطرافًا إقليمية".دعم إيرانيوتسعى إيران من خلال التقارب مع السودان إلى خلق ديناميكية جديدة في السياسات الشرق أوسطية، تمكّنها من توسيع نفوذها العسكريّ والسياسي، لجهة قدرة السودان على توفير إمكانية لطهران للوصول إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والاقتصاديّ من خلال الوصول إلى الموارد الطبيعية والأسواق.لا شك أنّ الدافع خلف اهتمام إيران بالسودان وبساحله على البحر الأحمر، مردّه تحقيق أهدافها الاستراتيجية والاقتصادية. ترغب إيران في تعزيز نفوذها في المنطقة، ما دفعها إلى إرسال دعم عسكريّ للجيش السودانيّ في عام 2023، عقب محادثات بين وزيرَي خارجية البلدين في باكو في يوليو الماضي.يثير التعاون بين إيران والحكومة السودانية مخاوف الدول الإقليمية والجهات الغربية لتصاعد الصراع بين الجيش السودانيّ وقوات الدعم السريع المنافسة، التي أدّت إلى مقتل أكثر من 9000 شخص، وأجبرت 5.6 ملايين آخرين على النّزوح.وتسعى إيران إلى تطبيق "دبلوماسية المسيّرات" من أجل إحياء علاقاتها العديد من الدول، ما يؤجّج من الحرب الأهلية السودانية في وقت وصل كلا طرفيها إلى طريق مسدود بعد مرور 9 أشهر على اندلاعها.وأظهرت صور الأقمار الاصطناعية بتاريخ 9 يناير، والتي التقطتها شركة Planet Labs، مسيّرة واحدة على الأقل وبرج راديو مرتبط بها في قاعدة وادي سيدنا الجوية الواقعة شمال الخرطوم. ويأتي تسليم المسيّرات الإيرانية بالتزامن مع خسارة الجيش السودانيّ للعديد من المدن المهمة، بما في ذلك أجزاءٌ من الخرطوم، لصالح قوات الدعم السريع.اندلعت الحرب الأهلية السودانية في أبريل 2023، مع تصاعد التوترات طويلة الأمد بين قائد القوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان ورئيس قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.واعترف البرهان في سبتمبر 2023 بأنه انتقل إلى شمال شرق بورتسودان بعد فراره من الخرطوم، مع التقدّم الميدانيّ لقوات الدعم السريع في العاصمة.ويعتقد محللون غربيون أنّ إيران تدرك جيدًا استحالة حسم الجيش السودانيّ للمعركة، لكنها تسعى من خلال تزويدها بالمسيّرات إلى تعزيز موقعها في أيّ مفاوضات مستقبلية، لضمان كون البرهان جزءًا من أي عملية سياسية قادمة، ما يضمن بدوره مكانة إيران في سودان المستقبل.ويصف الطيب الحكومة السودانية بـ"سلطة الأمر الواقع التي تمثّل سلطة الإسلاميّين والتي أسقطتها الإرادة الشعبية"، متّهمًا إيّاها بمحاولة "الاستفادة من أوضاع عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تجد حليفًا يمدّها في حربها الدائرة في السودان بالسلاح، وكذلك تحاول أن تستفيد من هذا الوضع أيضًا بالضغط على الدول الإقليمية في تحقيق مكاسب تعيد سلطتها".بالمقابل، يرى الصالح أنّه "بكل تأكيد تستفيد الحكومة السودانية في الوقت الحالي من الحصول على الدعم العسكريّ الإيراني، حيث تواجه تمرّدًا مدعومًا إقليميًا بشكل خطير، ولا يمكن ردع هذا التمرّد إلّا بالبحث عن حلفاء إقليميّين مثل إيران، يمكنهم تعزيز موقفها العسكري. فالخرطوم تحتاج فقط نوع محدود من المساعدات العسكرية لا تسمح الظروف الحالية بالحصول عليه من أطراف أخرى غير الجانب الإيراني". لكنّ الطيّب يحذّر من أنّ "التعامل بهذا الشكل الانتهازيّ مع المجتمع الإقليميّ والدولي، سيعيد السودان الي حالة العزلة الدولية لأنه يتعامل مع سلطة إرهابية كما هو الحالة الإيرانية، وهذا يضع سلطة الإسلاميّين محل اتّهام أنها جماعة إرهابية". وتخضع إيران والسودان لعقوبات أميركية بسبب اتّهامات بدعم الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان والأنشطة النووية. وقد أعاقت العقوبات فرص كلا البلدين التجارية والاستثمارية. فرضت الولايات المتحدة عقوبات صارمة على إيران ووكلائها، وسعت إلى منع طهران من امتلاك التكنولوجيا النووية والحدّ من نفوذها في المنطقة. لكن، هجمات الحوثيّين الأخيرة، والوجود الإيرانيّ في بورتسودان على الضفة الأفريقية من البحر الأحمر قبالة السواحل السعودية، على خلفية التقارب مع السودان، قد يعقّد من مهمة أميركا ويزيد من مخاطر المواجهة بين واشنطن وطهران. لكن على عكس هذا الرأي، يعتقد الطيب أنّ "هذا (التقارب) يسهّل مهمّة واشنطن من خلال توجيه الضغوط المناسبة على الحركة الإسلامية، وهو أيضًا يساعد في عزل الإسلاميّين من السيطرة على قرار الجيش".(المشهد)