ببذلة عسكرية زيتية ولحية مهذبة ظهر قائد "هيئة تحرير الشام" المصنفة إرهابيا أبو محمد الجولاني، في العاصمة السورية دمشق بعد ساعات من سقوطها بيد المعارضة وهروب الرئيس السابق بشار الأسد، في محاولة لإظهار نفسه كقائد سياسي وليس إرهابيا مطلوب دوليا.دخل الجولاني المسجد الأموي في دمشق وأحاط به العشرات من أنصاره وخطب بهم كأحد الزعماء السياسيين.جاء ذلك بعد أيام من تخلي الجولاني عن اسمه الذي اشتهر به كقائد في تنظيمي القاعدة وداعش الإرهابيين، واستعاد اسمه القديم أحمد الشرع، لإظهار أنه شخص مختلف عن الماضي.لكن السؤال المطروح والتحدي الأكبر الآن هل يقبل الغرب والعالم بالجولاني (الشرع) كلاعب سياسي في سوريا مستقبلا؟الغرب لن يقبل بهيجمع الخبراء على أنّه لا يمكن للجولاني أن يكون لاعباً سياسيا فاعلا في المرحلة السورية المقبلة.ويقول الدبلوماسي الأميركي السابق روبرت فورد، لمنصة "المشهد"، إنّه طالما أن الجولاني مدرج على قائمة الإرهاب الأميركية، فلن يجتمع معه الدبلوماسيون الأميركيون أو يتفاوضوا معه، لافتاً إلى أنّه من المحتمل أن تتخذ إدارة ترامب الجديدة موقفاً صارماً تجاه هيئة تحرير الشام إذ صرح ترامب بأن سيباستيان غوركا سيكون مستشاره الرئيسي لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، وغوركا معروف بشكوكه بشأن الإسلام.بدوره أيضاً، يرى رئيس المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب جاسم محمد، في تصريحات لـ"المشهد"، أنّه لا يمكن لدول أوروبا والغرب والولايات المتحدة الأميركية القبول بأن يكون الجولاني بديلاً لنظام بشار الأسد كون "هيئة تحرير الشام" موضوعة على قائمة التطرّف والإرهاب.وأضاف محمد: "لا يمكن التعامل مع الجولاني كحركة سياسية بشخص الجولاني أو تحت أي اسم آخر فهو موضوع على قائمة التطرف والإرهاب ودول أوروبا والولايات المتحدة تدرك أنّ الموضوع يتعلّق بالأيديولوجية المتطرفة والجهادية أكثر ممّا يتعلق الأمر بالشخص بحدّ ذاته. فحتى وإن تمّ تغيير اسم الحركة والفصائل المتحالفة معها فإنّ الأيديولوجية المتطرفة لا تزال موجودة". من جانبه، لا يعتقد المسؤول السابق في البنتاغون ديفيد دي روش أنّه سيتم اعتبار الجولاني شريكاً إذ لا يوجد وقت كافٍ لتشكيل رؤية غربية متماسكة بشأن سوريا، وأنّ الدول التي تهم في هذا السياق هي تركيا وروسيا وإيران وإسرائيل، أما البقية فهم مجرد متفرجين.بدوره، يؤكّد كبير الباحثين في معهد الخليج للدراسات بواشنطن حسين آبيش، لـ"المشهد"، أنّ كثيرين لا يقبولون بالجولاني كسياسي بعد. ويقول: "لكن قد يُضطرون إلى إعطائه الفرصة لإثبات أنه لم يعد "جهاديًّا سلفيًّا" أو تكفيريًّا أو إرهابيًّا.ويشبه آبيش هذا الوضع بالمعضلة التي واجهها العالم مع طالبان في أفغانستان، قائلاً: "إذا فازوا ووعدوا بعدم الانخراط في الإرهاب الدولي مثل "القاعدة" أو نشاطات الخلافة العابرة للحدود مثل "داعش"، فيجب عليهم منحه فرصة. خصوصاً أنه يبدو أنه يحظى بدعم قوي من تركيا.وأضاف: "قد يكون قائد سوريا الفعلي في المستقبل. وسيظل بالتأكيد مسيطراً على جزء كبير من سوريا، ما لم تحدث تغيرات كبيرة في ساحة المعركة. سيكون لاعباً أساسيًّا وصانع قرار في المناطق التي يسيطر عليها، والتي قد تشمل الكثير من المدن الكبرى".عقب النجاحات الأخيرة لـ"هيئة تحرير الشام" سارعت الصحف الغربية والأميركية لتسليط الضوء عن الجولاني ومدحه بأنه قد أصبح سياسيا أكثر منه إرهابيا، وأجرت معه شبكة "سي إن إن" حوارا تليفزيونيا.من هو الجولاني؟أبو محمد الجولاني هو أبرز قادة الفصائل المسلحة المعارضة التي تخوض معارك ضد الجيش السوري. الجيش السوري رصد مكافأة قدرها 7.9 ملايين جنيه إسترليني على رأسه. لا أحد يعلم اسمه الحقيقي على وجه التحديد ولكن تقارير تشير إلى أن اسمه أسامة العبسي في حين تشير مصادر إلى أن اسمه أحمد حسين الشرع. تعتبره الولايات المتحدة الأميركية "إرهابيا عالميا". كان الجولاني زعيما لجبهة النصر قد أن تنشق وتصبح هيئة تحرير الشام. قاتل الجولاني برفقة تنظيم القاعدة في العراق وقت الغزو الأميركي للعراق في عام 2003. يقول آرون لوند الباحث في مركز سينتشري إنترناشونال للأبحاث إن الجولاني و"هيئة تحرير الشام" تغيرا بشكل ملحوظ لكنه أشار إلى أنه وجماعته ظلا "على نهج التشدد إلى حد ما".وتابع قائلا "إنها حملة علاقات عامة، لكن حقيقة أنهم يبذلون هذا النوع من الجهد أصلا تظهر أنهم لم يعودوا بذات التشدد الذي كانوا عليه. المدرسة القديمة من القاعدة أو (تنظيم) الدولة الإسلامية لم تكن لتفعل ذلك أبدا".مستقبل سوريا في ما يخصّ السيناريو الأكثر ترجيحاً لسوريا، يعتبر آبيش أنّه في الظروف الحالية هو تفكك كامل للبلاد مشابه لما حدث في العراق قبل أكثر من عقد، والذي لا يزال العراقيون يحاولون التعافي منه. وأضاف آبيش "ومن المحتمل أن يشبه مستقبل سوريا العراق أكثر من لبنان، بتجزئة حقيقية إلى مناطق سيطرة مختلفة. والسيناريو الأكثر احتمالًا لسوريا هو تجزئة كابوسية على غرار ما حدث في العراق". أمّا فورد الدبلوماسي الأميركي السابق فيقول: "لا أعرف ما سيكون عليه المستقبل السياسي للجولاني في سوريا. يجب أن يقرر السوريون، لا الأميركيون أو أي أطراف خارجية أخرى، هذا الأمر. لقد عانت سوريا بشكل كبير في هذه الحرب الأهلية، من درعا إلى إدلب، ومن الرقة إلى دير الزور، ودمشق، وحمص، وحماة، وحلب، واللاذقية، وجميع المدن والبلدات السورية الأخرى".وتابع "آمل أن يبدأ الجولاني وقادة المعارضة المسلحة والسياسية بسرعة العمل معًا لوقف الانقسامات، وبناء توافق بين جميع المجتمعات السورية التي تعيش حالة من القلق والمعاناة، ووضع خطة علنية تعطي الأمل لجميع السوريين". وأضاف فورد "يجب أن يعمل الجولاني والقادة على تنفيذ هذه الخطط لبناء سوريا جديدة. السياسيون الذين يمكنهم توحيد السوريين والمساعدة في بناء الثقة بينهم ستكون لديهم أفضل فرص النجاح. أما الاعتماد على الانقسامات واستغلال الاختلافات فقد كان تكتيك نظام الأسد، وكما رأينا، فإن هذه التكتيكات لا تدوم". في السياق، يلفت جاسم محمد إلى أنّ الجولاني يتمتع بكريزما وربما بقوة السيطرة على الفصائل المتحالفة وإدارة تنظيم جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام وقد لعب دوراً كبيراً وذكيًّا مع "القاعدة" و"داعش". وقال "هو يقرأ التطوّرات الجيوسياسية بشكل جيّد ويفتح أبواب خلفية مع أجهزة الاستخبارات وحكومات متعدّدة". ويعتبر أنّ سرّ بقائه يكمن في قدرته على إدارة هذا التنظيم بشكل متماسك وضمّ جماعات مسلحة متحالفة. ولكن أن يكون الجولاني رئيساً أو أن يحكم حتى لولاية هو أمر مرفوض، و"مهما كانت النتائج برأيي الدور الذي يلعبه هو دور تكتيكي". وقال محمد "رغم أنّه قد تكون له طموحات، إلا أنّ دوره يقتصر على مرحلة معيّنة وينتهي". (المشهد)