تابع التونسيون مؤخرا موجة تساقط الأمطار بكثافة في كامل البلاد بترحيب وابتهاج كبيرين. ونزلت الأمطار في تونس بكميات مهمة خلال شهر مايو وأول شهر يونيو، بعد احتباس طويل. وسجّلت السدود التونسية نسب امتلاء متفاوتة ومحترمة فاقت التوقعات، خفضت من وقع أزمة الجفاف التي عصفت بالبلاد. وكانت تونس قد أعلنت حالة طوارئ مائية مطلع هذا العام، نتيجة غياب الأمطار وجفاف السدود خلال فصل الشتاء. وواجهت تونس إلى حدود منتصف شهر مايو 2023، سنتها الرابعة من الجفاف. وقُدّرت نسبة امتلاء السدود من أوّل من سبتمبر 2022 إلى يوم 18 مايو 2023، ب30،3 بالمئة، بحسب المرصد الوطني للفلاحة. ولمواجهة هذا النقص في الموارد المائية، قرّرت وزارة الفلاحة منذ شهر مارس 2023، المنع المؤقت لعدد من استعمالات المياه وإرساء نظام ترشيد ظرفي. أرقام إيجابية بلغت نسبة امتلاء السدود في تونس، بحسب آخر تحيين لوزارة الفلاحة والموارد المائية، بتاريخ الثلاثاء 20 يونيو 2023، 37.7%، بمخزون إجمالي ناهز 874.2 مليون متر مكعب، مقابل مخزون إجمالي يساوي 1062.4 مليون متر مكعب في الفترة نفسها من سنة 2022، وفق جدول نقله المهندس في المعهد الوطني للرصد الجوي، محرز الغنوشي. وجاء في الجدول، أنّ نسبة امتلاء سدود الشمال بلغت 44% بتعبئة تعادل 794.4 مليون متر مكعب، مقابل 966.9 مليون متر مكعب سنة 2022. أما بالنسبة لسدود الوسط، فقد بلغت نسبة امتلائها 16.5%، بتعبئة تناهز 74.2 مليون متر مكعب. وفي ما يتعلق بنسبة امتلاء السدود بالوطن القبلي، فقد بلغت 9% بتعبئة تعادل 5.5 مليون متر مكعب، مقابل تعبئة بـ14.7 مليون متر مكعب سنة 2022. تحسّن ملحوظ وعبّر الفلاحون، وهم الفئة الأكثر تأثرا بطريقة مباشرة بالتساقطات الأخيرة، عبّروا عن استبشارهم بالغيث. ورغم انقضاء الموسم الزراعي الذي مرّ بفترة صعبة في ظل انحباس الأمطار وشحّ الموارد، فإنهم يتفاءلون بهذه الكميات، آملين بإنقاذها ما تبقى من المنتجات الزراعية. يقول حمادي، فلاح شاب من محافظة الكاف في الشمال التونسي، في تصريح لمنصة "المشهد" إنّ الأمل تجدد لدينا بعد نزول هذه الكميات المهمة من الأمطار، والتي سيكون لها تأثيرات إيجابية، ومن شأنها أن تقلص من حرارة الأرض، كما أنها كانت فرصة كبيرة سمحت لنا بتجميع أكثر ما يمكن من المياه لاستغلالها في الفترات القادمة، في سقي الحيوانات والنبات". كما يدعم الخبير المائي السيد حسين الرحيلي هذا الرأي، معتبرا أنّ الإيرادات التي وصلت إلى 160 مليون متر مكعب خلال شهر مايو وبداية يونيو، كانت إيرادات مهمة على مستوى الموائد السطحية خصوصا التساقطات بالوسط والجنوب. ويؤكّد الخبير في تصريح للمشهد، "أنّ هذه الكميات ستكون مفيدة لتعبئة الموارد الباطنية، وبالنسبة للأشجار المثمرة وخصوصا أشجار الزيتون، وأيضا لمناطق الرعي والأعلاف الطبيعية، وهو ما سيؤدي إلى تخفيف عبء تكلفة العلف على الفلاحين، خصوصا في الفترة القادمة". كما يرى أنّ الكميات المسجلة ستخفف من الضغط الذي كان متوقعا إلى شهر سبتمبر. فيما يشدد الرحيلي على أنّه بالرغم من أنّ الأمطار كانت إيجابية، وساهمت في الخفض من حدّة الشح المائي، "لكننا ما زلنا تحت تأثير نقص كبير في الموارد المائية الخاصة بمياه الشرب وهي السدود". تحت تأثير الجفاف بالرغم من الإشادة بأنّ هناك تحسّنا في مستوى السدود، مقارنة بالشهرين الماضيين، وبما ستساهم في توفير الأمطار الأخيرة في تونس، من مصدر مائي ظرفي للاستخدام البشري والزراعي والصناعي، يؤكّد المنسق بالمرصد الوطني بالمياه، السيد علاء المرزوقي، أنّ التساقطات الأخيرة لم تساهم بكمية كبيرة في امتلاء السدود. ويوضّح المرزوقي أنّ الأمطار كانت قد تساقطت معظمها في الأماكن التي ليس بها سدود، ويعتبر أنّ التساقطات في الشمال حسّنت من وضع السدود، ولكنها لم تقضِ على النقص الكبير الذي قُدّر بـ 300 مليون مقارنة مع العام السابق. يقول المتخصص في تصريح لمنصة "المشهد"، إنه يجب أن نحافظ على حالة الطوارئ المائية في البلاد، خصوصا أنّ الاستغلال سيبلغ خلال الفترة القريبة القادمة مراحل الذروة خلال موسم السياحة والخدمات ". كما يشير المتخصص إلى "أنّ البلاد لم تتعافَ من خطر الجفاف، وليس هنالك بوادر تعافٍ"، وأنّ وزارة الإشراف والجهات المعنية، لم تغيّر من الإجراءات في علاقة بتوزيع المياه والانقطاعات الليلية، والتي تمنع، تبعا لذلك وإلى حدود شهر سبتمبر 2023، استعمال مياه الشرب الموزعة عبر شبكة الشركة الوطنية، لاستغلال وتوزيع المياه في النشاطات الفلاحية والريّ وتنظيف الفضاءات العامّة، وغسل السيّارات. لابد من التأقلم يضيف علاء المرزوقي في تصريحه قائلًا: "الشح المائي شرّ لا بد منه، ليس هناك إمكانية لمواجهة الطبيعة أو مقاومة التغيّرات المناخية لذلك يجب علينا التأقلم مع الوضع ولا بدّ من الاستعداد له ". ويوضح الأخير بأن النقص المسجل سنة 2022، لا يمكن تعويضه في شهر واحد من الأمطار، وأنّ جفاف الأربع سنوات الماضية، خلّف آثارا عميقة على مستوى مخزون السدود. ويقول المرزوقي "من المهم أن نكون مستعدين لأزمة الجفاف"، واصفا الإجراءات المشددة التي تم اتخاذها هذا العام، بأنها كانت "متأخرة بعد أربع سنوات من الجفاف، وكان من الممكن التحضير منذ سنتين لهذه الصيف أو الصيف المقبل". ولكن المتخصص يؤكد أنه من الممكن التدارك عبر تغيير السياسات الفلاحية التصديرية، وبمزيد من الرقابة على الحفر العشوائي للآبار، وبالأحكام على التوزيع العادل للمياه، وأيضا بمزيد من توعية المواطن بالمحافظة على المياه. ويشدد المرزوقي على "أنه يجب الاستعداد دائما لـ السيناريوهات الأسوأ" وأنه لا يمكن التنبؤ بالتغيّرات المناخية بشكل دقيق، لذلك يجب الاستعداد للأمر من جميع النواحي، تقنيا وعلميا لوجستيا وماليا. ويحمّل الدولة مسؤولية توفير نظرة استشرافية لمعالجة الوضع، لأنّ القطاع استراتيجي بامتياز، ولا يتحمل التعامل معه على مدى قصير. (المشهد)