عادت حلب إلى خريطة الحرب السورية في 2024 وتصدرت الحدث الميداني السوري مجدداً، بعد الهجوم المفاجئ الذي شنّته هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بمساندة فصائل مسلحة أخرى على جبهات عدة في ريفي حلب وإدلب، في تحرّك عسكري هو الأول في المنطقة منذ 4 سنوات.ونجحت الفصائل المسلحة التي ما زالت تنشط على خريطة الحرب السورية في 2024، في التقدّم جغرافياً في كل من ريفي حلب الغربي والشمالي الغربي، والريف الجنوبي الشرقي من إدلب، في العملية التي سمّتها "ردع العدوان"، والتي أدّت إلى انقطاع الطريق الدولي دمشق - حلب عند نقطة في ريف إدلب الجنوبي.خريطة الحرب السورية 2024استفاق سكّان حلب فجر يوم الأربعاء على وقع أصوات اشتباكات عنيفة في الريف، ، تفاوتت شدّتها بين الحين والآخر مع دخول سلاح الجو والمدفعية على خط الاستهداف من قبل الجيش السوري وحلفائه الذين ما زالوا منخرطين في خريطة الحرب السورية 2024. وأعلن الجيش السوري في بيان صادر عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلّحة أن الفصائل الإرهابية في ريفي حلب وإدلب شنت هجوما كبيرا صباح يوم الأربعاء الماضي واستهدفت قرى وبلدات آمنة ونقاطا عسكرية سورية فيها. وأوضح البيان أن الجيش السوري تصدى للهجوم وشن ضربات قوية في صفوف التنظيمات الإرهابية محققا خسائر كبيرة فيها، ويواجه الجيش السوري بكل فرقه وسلاحه وبالتعاون مع القوات الصديقة لإعادة الاستقرار إلى منطقة النزاع. واعتبر البيان أن الهجوم "يعد انتهاكاً سافراً لاتفاق خفض التصعيد" الذي حصل بموافقة مشغلي الفصائل المسلحة الإقليميين والدوليين.وتم تحديد 4 مناطق رئيسية لخفض التصعيد في سوريا ضمن اتفاقية أستانا:الغوطة الشرقية.ريف حمص الشمالي.إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية.جنوب سوريا وتشمل أجزاء من درعا والقنيطرة والسويداء.الهجوم شمل جبهتي حلب وإدلب في المقابل، قال الناطق في إدارة حملة "ردع العدوان" العسكرية حسن عبد الغني، إن الهدف هو تنفيذ ضربة استباقية للخطر الذي قد يهدد المناطق التي وصفها بالمحررة. لكن عناصر من "هيئة تحرير الشام" التابعة للقاعدة، والتي تتخذ من مدينة إدلب وأجزاء واسعة من ريفها مقرّاً لها، وفصائل إسلامية متحالفة معها من جنسيات أجنبية، نشرت مقاطع فيديو عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، تهدد سكان حلب بالوصول إلى المدينة والسيطرة عليها. وحسب المعلومات التي حصلت عليها منصّة "المشهد" من ناشطين ميدانيين في حلب، فقد نجحت الفصائل المسلّحة في السيطرة على قرى وبلدات ممتدة على طول القوس الواصل بين ريفي حلب الشمال الغربي والجنوبي الغربي، وسط انسحاب الجيش السوري من بعض النقاط العسكرية لتقوية خطوط الدفاع المحيطة بالمدينة. وشهد صباح الخميس فتح جبهة جديدة على خريطة الحرب السورية 2024 من قبل المسلّحين في الريف الجنوبي الشرقي من إدلب، المتصل مع الريف الجنوبي الغربي لحلب، حيث دارت اشتباكات عنيفة في عدد من المحاور، دون تغيير في خارطة السيطرة من قبل الطرفين حتى الساعة.هدوء في لبنان ونار في حلب متجاوزة التحوّل الميداني، تركّزت الأنظار مع بدء الهجوم على توقيته الذي تزامن مع انتهاء الأعمال القتالية على جنوب جنوب لبنان بين "حزب الله" وإسرائيل. وفي حديثه إلى منصّة "المشهد" أكّد الصحفي الميداني من مدينة حلب إبراهيم حزوري أن "بدء الهجمات بالتزامن مع اتّفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان وغداة تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن الأسد يلعب بالنار ليست بمحض صدفة". وأضاف "قد يكون هناك سعي إسرائيلي لتفعيل المزيد من الضغوط على دمشق من خلال تحريك المجموعات المسلّحة في إدلب، والتي أعلنت منذ اليوم الأول للهجوم الإسرائيلي على لبنان استعدادها للتحرّك عسكرياً ضد دمشق وحلفائها في كل من موسكو وطهران". ومع تحوّل "حرب الإسناد" التي بدأها "حزب الله" في جنوب لبنان بتاريخ 8 أكتوبر 2023، إلى حرب مباشرة في سبتمبر الماضي، ظهرت تقرير إعلامية تفيد بقيام "حزب الله" بسحب عدد كبير من عناصره من سوريا لتقوية جبهة جنوب لبنان، وهو ما شكّل حافزاً للمجموعات المسلّحة حسب خبراء سوريين، للإعلان عن استعدادات لشن هجوم على الجيش السوري. لكن حزوري قلل من أهمية هذا العامل مشيراً إلى أن "الحاسم في الهجوم كان توقيته ومباغتته ولا علاقة للموضوع بعدد القوّات المرابطة على الجبهات وعتادها"، مضيفا "يجب ألا ننسى بأن المنطقة التي نتحدّث عنها تدخل في نطاق اتّفاقات استانا وسوتشي، التي تعهّد فيها التركي بإبعاد المسلّحين عن خطوط التماس وتثبيت وقف دائم لإطلاق النار".خلاف مع تركيا أم ضغط على روسيا؟ مقابل ربط الهجوم مع التهديد الإسرائيلي ووقف اطلاق النار في لبنان، يرى البعض بأن تحرّكات المسلّحين في ريف حلب الغربي وإدلب الجنوبي، لا يمكن فصلها عن التصعيد الذي تشهدها أوكرانيا مؤخّراً، بالتزامن مع انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، الذي سمح لكييف باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى لضرب روسيا وذلك قبل أيام معدودة من مغادرته للبيت الأبيض. ويشير الصحفي من مدينة حلب زاهر طحّان المواكب للتطورّات الأخيرة إلى "وجود تقارير منذ أشهر تفيد بتزويد المخابرات الأوكرانية للمسلّحين في إدلب بمسيّرات قتالية، ما يزيد من احتمال كون الهجوم الأخيرة محاولة غربية للضغط على روسيا". وأكّد ناشطون في مدينة حلب تصدي الدفاعات الجوّية السورية للعديد من المسيّرات التي قامت المجموعات المسلّحة بإطلاقها نحو مدينة حلب بالتزامن مع الهجوم. بالنظر إلى كون الحدود التركية الوحيدة المفتوحة أمام "هيئة تحرير الشام" والمناطق التي تسيطر عليها، وانتشار الجيش التركي في مناطق تحشّد وانطلاق المسلّحين للهجوم على الجيش السوري، فإنه لا يمكن استبعاد عامل الخلافات التركية-الروسية بشأن الملف الأوكراني وانعكاساتها على الميدان السوري. وشهدت الأشهر الأخيرة تصريحات رسمية تركية وروسية أشارت بشكل واضح إلى اختلاف في وجهات بين الطرفين حول أوكرانيا وسوريا. وفي حين اتّهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بشار الأسد بعدم استعداده للسلام والحل السياسي في سوريا، ومطالبة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان روسيا بالضغط على دمشق من أجل التطبيع، وصف المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا الجيش التركي في سوريا كقوة محتلّة منذ بداية الشراكة الروسية التركية في سوريا. وبعد مرور أكثر من 24 ساعة على هجوم الفصائل المسلحة على جبهات خفض التصعيد، علقت أنقرة الضامن للمسلحين في اتّفاق أستانا قائلة على لسان وزارة الدفاع إنّها "تراقب ما يحصل في سوريا". ويؤكد كل من حزوري وطحّان على عدم وجود خطر مباشر على مدينة حلب، كون الخطوط الدفاعية المحيطة بالمدينة قد تم تعزيزها بقطع عسكرية، إضافة إلى قيام الوحدات في الخطوط الأمامية بإعادة تموضعها خلال الهجوم. مشيرين إلى أن "الجيش السوري استوعب الهجوم المباغت وهو يستعد للانتقال إلى هجوم مضاد، حدوده ومداه يخضغ بطبيعة الحال إلى تفاهمات أطراف سوتشي وأستانا". (المشهد - سوريا)