"نشعر وكأن منطقتنا تتحوّل إلى صحراء"، بهذه الكلمات رد المزارع أبو عمر عند سؤاله عن أحوال دير الزور بعد انخفاض منسوب أحد أكبر أنهار سوريا "نهر الفرات". وقال أبو عمر بغصّة "نخسر مياه النهر كل يوم ونخسر معها قُوتنا ولقمة عيشنا".في الأعوام الأخيرة ومع تزايد التوترات في شمال شرق سوريا، عملت تركيا على الحد من تدفق مياه النهر إلى الأراضي السورية، تزامن ذلك مع موجات جفاف وحرارة بسبب التغيير المناخي الحاصل في العالم، ما تسبب بانخفاض منسوب الفرات انخفاضًا كبيرًا في العقدين الماضيين.وعلى الرغم من أن سوريا لديها الحق في كمية معينة وفقًا لاتفاقية عام 1987 الموقّعة بين تركيا وسوريا والعراق برعاية الأمم المتحدة، حيث تبلغ حصة سوريا من نهر الفرات 500 متر مكعب في الثانية، فإن تركيا لا تسمح بتدفق الكميّة المطلوبة والمناسبة، ما يؤدي إلى جفاف بالنهر الذي يعدّ الأكبر في البلاد، وبحسب مهندسين فإنّ هذا العدد انخفض إلى 200 في الأشهر الأخيرة.آثار نقص مياه نهر الفراتوتستمد سوريا مياهها الصالحة للاستهلاك البشري بشكل أساسي من نهر الفرات، وبفعل الأسباب السابقة أصبح هناك نقص في المياه، خصوصًا في المناطق القريبة من النهر والتي كانت تعتمد اعتمادًا أساسيًّا عليه، سواء أكان في مياه الشرب أم في الزراعة ورعاية الحيوانات وغيرها.وقال تقرير للأمم المتحدة إن "التأثير البشري أدى بشكل شبه مؤكد إلى زيادة تواتر موجات الحر والجفاف المتزامنة في جميع أنحاء العالم".كذلك حذّرت الأمم المتحدة من أن موجات الجفاف في منطقة البحر المتوسط ستزداد طولًا وشدّة، بينما اعتبر المؤشر العالمي لمخاطر الصّراع لعام 2022 سوريا أكثر البلاد عرضةً للجفاف في منطقة البحر المتوسط.وما يزيد الطين بلّة بالنسبة لسوريا، هو عدم قدرتها على معالجة آثار وأضرار التغيير المناخي، في وقت تعاني فيه البلاد وضعًا اقتصاديًّا هشًّا، لكن في الوقت ذاته يؤثر التغيير المناخي على قطاع الزراعة وعلى الثروة الحيوانية، والتي تنعكس سلبًا على الاقتصاد في البلاد.يروي المزارع أبو عمر معاناته وجيرانه بسبب نقص المياه الحاصل، قائلًا: "المياه هي عنصر أساسي في تفاصيل حياتنا، يؤدي نقصها إلى معاناة كبيرة، سواء المتعلقة بالاستخدام اليومي والشرب، أم تلك المتعلقة بمصادر رزقنا".ويضيف أبو عمر الذي يعيش في قرية قريبة من نهر الفرات بدير الزور "أنا أعمل كمزارع، الزراعة هي مصدر رزقي، وكما يعلم الجميع الزراعة تحتاج إلى مياه بشكل دوري من أجل إنتاج محصول جيد، يعود علينا بمردود مادي مقبول، لكن اليوم في نقص المياه الحاصل، لم نعد نستطيع زراعة بعض أنواع المزروعات التي تحتاج إلى السقاية بشكل مستمر، وأصبحت زراعتي تقتصر على المزروعات الصحراوية التي تتحمل العطش، مثل التين".ويشير أبو عمر "أصبحت منطقتنا صحراوية، الأمور تتدهور تدريجيًّا، لم نعد قادرين على تأمين مياه الشرب في كثير من الأحيان، إذ نلجأ إلى شرائها، الأمر الذي استغله بعض الأشخاص، وأصبحوا يبيعون مياه الشرب بسعر مرتفع. خصوصًا في أشهر الصيف القاسية والتي يتم استهلاك المياه بكميات كبيرة، الوضع بهذه الأشهر لا يحتمل، فهو مرهق ماديًّا ونفسيًّا".آثار مستقبلية كبيرة على العراق وسوريابدوره، قال مستشار طقس العرب والمحاضر في الأكاديمية الأردنية للدراسات البحرية د. جمال الموسى في حديث إلى منصة "المشهد" إن "سوريا والعراق يعانيان من الجفاف وخطر التصحر وانخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات، بسبب نقص المياه وقلة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة وزيادة العواصف الترابية، حيث أصبح البلدان يعانيان جفافًا واضحًا. يضاف إلى ذلك تحكم المصادر المغذية لنهري دجلة والفرات من قبل إيران وتركيا من خلال بنائهما للسدود الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض منسوب النهرين وروافدهما".بسبب الجفاف، خسر نهر الفرات أعدادا كبيرة من الأسماك، بعضها أنواع قد تكون فريدة ولا يمكن تعويضها، وذلك لأن تركيا تعمل أيضًا على تصريف مخلفات المنشآت الصناعية التركية في القنوات التي تصب في النهر.على المستوى البيئة المحيطة بالنهر، تتأثر الثروة الحيوانية والنباتية بشكل مباشر بالنهر، إذ لم تعد الكمية كافية لري المزروعات، خصوصًا تلك التي تتطلب المياه بشكل مستمر. أما بالنسبة للثروة الحيوانية أيضا فإنها تتأثر، من ناحية القدرة على تأمين كميات الأعلاف للحيوانات والتي يساعد النهر بشكل كبير في تأمينها.ويرى الموسى أن "الجفاف وانخفاض منسوب المياه يؤثر سلبًا على الزراعة، فالجفاف وقلة المياه يؤديان إلى تراجع مساحة الأراضي الزراعية، وبالتالي إلى نقص المحاصيل والغذاء. كذلك يؤثر الجفاف على الثروة السمكية فهي في نقصان ما دام هناك نقص في المياه".وبرأي الموسى "الجفاف وقلّة المياه يؤثران على الأمن الاجتماعي والغذائي وهذا يؤدي بدوره إلى الهجرة وحدوث اضطرابات اجتماعية، وصراعات إقليمية".الجفاف في سوريا والهجرةوفي ظل موجات الحرارة والجفاف التي تواجه المناطق الشرقية من سوريا، يلجأ عدد كبير من السكان إلى الهجرة، سواء الداخلية أو الخارجية. حيث يعاني السكان صعوبات عدة تتعلق بمتطلبات حياتهم اليومية، أبرزها تأمين مياه الشرب والاستخدام اليومي، إضافة إلى صعوبة ري مزروعاتهم، ما يؤدي إلى تراجع دخلهم، وتردي أحوالهم المعيشية.الكثير من السكان في المنطقة يهاجرون وفقًا لأبي عمر، ويقول "إذ لم يعد الفرد قادرًا على تأمين قوت يومه، والوضع الاقتصادي في البلاد يعقّد الأزمة أكثر".ويبيّن المزارع أبو عمر أن "بعض السكان يهاجرون إلى العاصمة دمشق، حيث إن المياه فيها متوافرة أكثر من المناطق الأخرى، والبعض الآخر يهاجر إلى خارج البلاد كليًّا، والسبب الرئيسي في ذلك ليس المياه فقط، بل الوضع الاقتصادي المرافق لأزمة المياه".ووفقا للإحصائيات، فإن نسبة 98% من السكان الذين كانوا يستطيعون الوصول إلى موارد مياه صالحة للشرب والاستهلاك اليومي قبل بدء الحرب السورية. في المقابل اليوم تراجعت هذه النسبة إلى النصف تقريبًا، بسبب تدمير عدد من محطات المياه والبنى التحتية بفعل الحرب، وخروج عدد من المناطق عن سيطرة الحكومة، إضافة إلى موجات الحر غير المسبوقة التي تضرب البلاد.وبحسب المستشار موسى فإن الحلول التي يمكن تنفيذها للحد من آثار الجفاف وقلة المياه تتمثل في:زيادة الكفاءة في استخدام الموارد المائية.استخدام طرق في الري تؤدي إلى ترشيد استهلاك المياه.ترشيد استهلاك المياه بشكل عام.استخدام الطاقة النظيفة في توليد الكهرباء.(المشهد)