لم تكد تمضي ساعات على عملية "بذور الصيف" التي شنتها القوات الإسرائيلية على مخيم النصيرات، واستعادت 4 من أسراها في غزة، حتى عادت الخلافات العميقة داخل الحكومة ومجلس الحرب الإسرائيلي، إلى ذروتها، وانتهت باستقالة زعيم حزب "معسكر الدولة" من الحكومة الإسرائيلية بيني غانتس المقرب جدًا من الإدارة الأميركية.كما أعلن وزيرا الحزب غادي أيزنكوت وهيلي تروبر انسحابهما من الحكومة، في خطوة تحمل دلالات ومآلات عدة، داخليًا وسياسيًا ودوليًا.وأكدت مصادر إعلامية إسرائيلية، اتهام غانتس وآيزنكوت في تصريحات سابقة لهما، نتانياهو، بعرقلة الكثير من القرارات الاستراتيجية، على المستويَين السياسيّ والعسكري، فيما دعا غانتس نتانياهو إلى انتخابات مبكّرة في أسرع وقت، وتشكيل لجنة تحقيق، "نتانياهو يحول دون الوصول للنصر الحاسم" وفق غانتس.وعلى الرغم من أنّ استقالة غانتس لن تؤدي لانهيار الائتلاف الحكومي، كون نتانياهو يملك أغلبية 64 عضوًا في الكنيست، لكنّ الأخير يخشى أن تكون هذه الخطوة هي البداية لانفراط العقد، بفعل اشتعال الخلافات داخل الطاقم الوزاريّ ومجلس الحرب الذي يتجه نتانياهو لحلّه وفق "وسائل إعلام إسرائيلية".مصير الحكومة الإسرائيليةانسحاب "معسكر الدولة" لن يفكك الحكومة، فعندما انضم إليها كان نتانياهو مدعومًا من قبل 64 نائبًا، ما سيمكن حكومته مواصلة السلطة، طالما تتمتع بثقة 61 نائبًا على الأقل، وانضم غانتس وآيزنكوت إلى حكومة نتانياهو، منذ اندلاع الحرب على غزة، وسميت حكومة الطوارئ، وعلى إثرها تم تشكيل حكومة أو مجلس الحرب المصغر. وأمهل غانتس، في 19 مايو الماضي، نتانياهو حتى 8 يونيو الحالي، لوضع استراتيجية واضحة للحرب على غزة وما بعدها، وإلّا فإنه سيستقيل من الحكومة. وأفادت مصادر إسرائيلية عليمة، بأنّ الاستقالة سوف تزيد من تحشيد المعارضة ضد نتانياهو، وزيادة ضغوط التظاهرات الشعبية من أجل إبرام اتفاق مع "حماس"، وأشارت إلى أنّ المعارضة تسعى لانضمام غانتس وآيزنكوت إلى صفوفها، بهدف إسقاط الحكومة، والدفع باتجاه إجراء انتخابات مبكّرة. تصدّع الداخل الإسرائيلي وبحسب المحلل السياسي الإسرائيليّ إلحنان ميلير، أشار لمنصة "المشهد"، إلى أنّ "استقالة غانتس كانت خطوة متوقعة، ولن تسقط الحكومة بشكل مباشر، لكنّ الضغوط الداخلية والخارجية ستزداد على حكومة نتانياهو، باعتبارها حكومة يمينية متشددة، فالشارع الإسرائيليّ بات على دراية كاملة، بأنّ نتانياهو يستغل الحرب للبقاء في سدة الحكم، وأنّ الائتلاف الحاكم من دون غانتس وآيزنكوت متشدد يحكمه عمليًا سموتريتش وبن غفير، هذه المعطيات سوف تؤجج التظاهرات ضد الحكومة، للتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار في قطاع غزة واستعادة الأسرى". ويرى ميلير بأنّ:استقالة غانتس لن تؤثر على سير الحرب والمعارك في قطاع غزة، إلا إذا جاء تصويت من قبل مجلس الأمن في الأمم المتحدة، أو مشروع قرار أميركيّ من أجل وقف الحرب. لكنّ إسرائيل على الأغلب سوف تشهد تصدعات وانقسامات تصل إلى انشقاقات، ما ستؤدي إلى تطورات دراماتيكية، بازدياد معسكر المعارضة يومًا بعد آخر، الأمر الذي قد يؤدي لإقالة حكومة نتانياهو.سوف نشهد المزيد من الاستقالات في صفوف الجيش، مثلما شهدنا استقالة رئيس فرقة غزة يوم أمس.كذلك على الصعيد السياسيّ الداخليّ الإسرائيلي، التحديات كبيرة حتى خارج نطاق الحرب، مثل قانون التجنيد المتوقع التصويت عليه اليوم. كل هذا سوف يزيد من الغضب الشعبيّ العارم ضد هذه الحكومة، ومن عزلة حكومة نتانياهو في الساحة الدولية.توازن حكومة نتانياهو من جهته، يقول الباحث المختص في الشأن الإسرائيليّ أمير مخول في حديث لمنصة "المشهد"، إنّ "استقالة غانتس جعلت نتانياهو في موقف أضعف، وأكثر حرجًا وانكشافًا، وأكثر قابلية للتعرض للضغوط الدولية، وعدم قدرته على استخدام غانتس كما كان، كغطاء سياسيّ له أمام العالم، خصوصًا الإدارة الأميركية، وضع نتانياهو محاصر لديه ائتلاف متناغم ومتناسق، لكنه كحكومة أضعف من اتخاذ قرارات استراتيجية، وخصوصًا إذا كان منسوب تأثير بن غفير وسموتريتش أعلى مما يحرجه دوليًا".وأوضح مخول أنّ للاستقالة تداعيات على الساحة الداخلية:الحكومة ليست بالوضع الأمثل حتى مع وجود الائتلاف الأساس.هناك تخطبات داخل الليكود، وما يخص مواصلة الطريق، ونداءات كثيرة للتخلص من الشراكة مع سموتريتش وبن غفير، والتوجه لحكومة وحدة وطنية مع حزب "يش عتيد" وغيره.سنشهد تطورًا في التظاهرات الشعبية المناوئة للحكومة والحرب.أما بالنسبة لتأثير استقالة غانتس على الجانب العسكري، فيشير مخول إلى أنّ:الاستقالة لن تؤثر كثيرًا في هذه المرحلة، بخصوص غزة، فالجيش لديه تقديراته للقيام بعمليات بحسب احتياجاته. وفي صدام مع نتانياهو، وجبهة لبنان، الجيش سوف قد يأتي بتقدير موقف أنه غير جاهز للحرب فيها. ميدانيًا في غزة سير الحرب ستتواصل الوتيرة الحالية، لكنّ الأوضاع ستتوتر بالضفة الغربية، وسنشهد تصعيدًا عدوانيًا من قبل الجيش والمستوطنين.وحول مآلات ما بعد الاستقالة، أوضح مخول بأنّ "الأمور معقدة، نتانياهو سوف يكون خاضعًا للضغط الدولي، وربما ينصاع للصفقة، أو وقف النار لمدة طويلة، وسيسعى إلى استمالة ليبرمان ولابيد وساعر، لإقامة حكومة وحدة وطنية، بثمن التضحية من جهته في بن غفير وسموتريتش". وختم مخول حديثه قائلًا: "مصير الحرب في غزة هو أنّ إسرائيل ستتورط أكثر في وحلها، فهي تعاني أزمة استراتيجية عميقة لا تستطيع الخروج منها، خصوصًا أنه لا يوجد هناك تغيير في السياسات". (المشهد)