"حروب الجيل الخامس".. التكنولوجيا تسيطر على ساحة المعركة

التفجيرات والغارات الإسرائيلية الأخيرة في بيروت وضعت العالم أمام تحديات جديدة (رويترز)
التفجيرات والغارات الإسرائيلية الأخيرة في بيروت وضعت العالم أمام تحديات جديدة (رويترز)
verticalLine
fontSize
هايلايت
  • إسرائيل تكشف أنه حتى أكثر التقنيات الاستهلاكية بدائية لم تعد آمنة.
  • "حزب الله" يتعرّض لضربات موجهة خلال الأيام الأخيرة.
  • مخاوف عالمية من تطوّر أساليب الحرب نحو تكنولوجيات جديدة.

لأعوام عدة، حثّ قادة "حزب الله" قواعدهم على تقليل الاعتماد على الهواتف الذكية، بحجة أنّ إسرائيل كانت قادرة على التنصت على هذه الأجهزة للتسلل إلى شبكة اتصالاتهم.

وكان البديل هو العودة إلى تكنولوجيا حقبة تسعينيات القرن الماضي، من أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكي، والتي يُنظر إليها على أنها خيار أكثر أمانًا.

خيارات أكثر أمانًا

واعتقد "حزب الله" أنّ القدرات المحدودة لأجهزة الاستدعاء، سمحت له بتلقي البيانات من دون الكشف عن موقع المستخدم أو معلومات أخرى مساومة.

وحثّ الأمين العام للحزب حسن نصر الله أعضاءه على "دفن" هواتفهم المحمولة، قلقًا من أنّ الإسرائيليّين قد يخترقونها ويكتشفون تحركاتهم.

ومنذ أيام، أظهرت المخابرات الإسرائيلية لـ"حزب الله" أنه حتى أكثر التقنيات الاستهلاكية بدائية لم تعد آمنة في عصر الحرب المتقدمة.

ويوم الثلاثاء، انفجرت أجهزة الاستدعاء التي استخدمها المئات من أعضاء "حزب الله" في وقت واحد تقريبًا في أجزاء من لبنان وسوريا، ما أسفر عن مقتل العشرات وإصابة الآلاف.

وفي اليوم التالي، قُتل 20 آخرون، وجُرح المئات عندما انفجرت أجهزة الاتصال اللاسلكي في لبنان في ظروف غامضة.

ولا تزال تفاصيل كيفية تنفيذ المخابرات الإسرائيلية للعملية، التي يقال إنها استغرقت 15 عامًا، قيد الظهور.

وقال خبراء لمجلة "نيوزويك"، إنّ العملية المنسقة تؤكد على تحوّل عالميّ في ديناميكيات ساحة المعركة، حيث تفسح التكتيكات التقليدية المجال بشكل متزايد للتقنيات المتقدمة، مثل الأجهزة المتفجرة وطائرات الكاميكازي بدون طيار، التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وغالبًا ما تستفيد من الإلكترونيات الاستهلاكية المتاحة بسهولة على الإنترنت.

ساحة المعركة الجديدة

ومع تركيز الدول الآن على شلّ الأنظمة الرقمية والإلكترونية لأعدائها بدلًا من الاعتماد فقط على التكتيكات العسكرية التقليدية، قال المحلل الدفاعيّ حمزة عطار إنّ الحرب الحديثة تبتعد عن ساحات القتال التقليدية، وتتجه نحو العمليات السيبرانية والسرية.

وأضاف أنّ إسرائيل تضع "حزب الله" في الزاوية، وتُظهر أنها لا تستطيع حتى تأمين عملياتها الخاصة.

وقال العطار إنه "في لبنان، حيث تعني أزمة الكهرباء الاعتماد على الأجهزة التي تعمل بالبطاريات، أصبح الناس الآن أكثر حذرًا من أيّ وقت مضى".

وشدد على الضعف المتزايد للبنية التحتية المدنية أمام الهجمات الإلكترونية المتطورة بشكل متزايد، محذّرًا من أنّ هجومًا إلكترونيًا متقدمًا ومنسقًا على السيارات أو الطائرات، يمكن أن يؤدي إلى خسائر جماعية في غضون ثوان، حيث يتم دمج هذه الأنظمة بشكل متزايد مع عناصر التحكم الرقمية التي يمكن اختراقها.

وقال "إذا تمكن المتسللون من اختراق أنظمة الطائرات، فسنواجه كارثة عالمية، مع سقوط الطائرات من السماء. إنها فكرة مخيفة، لكن كباحث، كنت أتوقع ذلك منذ فترة طويلة".

مشكلة سلسلة التوريد

ومع تعرض خطوط إمداد "حزب الله" للخطر وأصبحت معداته الإلكترونية موضع شك الآن، سلّط الهجوم الذي وقع هذا الأسبوع الماضي، الضوء على نقطة ضعف رئيسية في الحرب الحديثة، وهو الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية الطويلة والمترابطة بشكل فضفاض.

هذا التعقيد المتزايد يعني أنّ المزيد من الكيانات تشارك في سلاسل التوريد عبر المزيد من المواقع، ما يجعل الرقابة والمساءلة أكثر صعوبة.

وقال بروس شناير، وهو تقني أمنيّ مشهور يشمل عمله إحداث ثقوب في ما يسميه "المسرح الأمني" بعد أحداث 11 سبتمبر، "فكرة أنّ الأشياء يمكن اعتراضها والعبث بها أصبحت الآن معروفة جيدًا".

وفي حين أنّ المخاوف من أنّ الصين يمكن أن تحوّل الدراجات الإلكترونية أو البنية التحتية للهاتف المحمول إلى أسلحة، لا أساس لها من الصحة إلى حد كبير، فإنّ الكثير من شبكات بيانات 5G المتقدمة اليوم، أصبحت "محددة بالبرمجيات" بشكل متزايد.

وأدت المخاوف من تحديثات البرامج الضارة إلى حظر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لبيع واستيراد معدات الاتصالات من شركات التكنولوجيا الصينية مثل هواوي منذ أعوام.

واستشهد شناير، باغتيال الموساد عام 1998 ليحيى عياش، كبير صانعي القنابل في "حماس"، باستخدام هاتف محمول متفجر، إلا أنه يعتقد أنّ السيناريو الحالي يمثل تصعيدًا في كيفية تطبيق هذه الأساليب، ما يثير أسئلة أوسع لخبراء الأمن العالمي.

حروب الجيل الخامس

إنّ العملية الاستخباراتية الإسرائيلية الأخيرة ضد "حزب الله"، ليست سوى أحدث مثال على كيفية قيام التكنولوجيا بإعادة تشكيل ساحة المعركة.

واستخدمت إسرائيل وحلفاؤها الحرب الإلكترونية لتعطيل جهود التطوير النوويّ الإيرانية.

وقد رسم التكامل السريع للذكاء الاصطناعيّ في ساحة المعركة، أوجه تشابه مع تطوير الأسلحة النووية، حيث أطلق بعض الخبراء على ذلك "لحظة أوبنهايمر" بالنسبة للذكاء الاصطناعي.

وأصبحت الطائرات بدون طيار ذاتية التشغيل، بما في ذلك تلك التي طورتها إسرائيل، قادرة بشكل متزايد على العمل بأقل قدر من المدخلات البشرية، والبحث عن الأعداء وإطلاق ضربات دقيقة من دون تحكم مباشر من المشغل.

كانت أتمتة القوة المميتة واضحة بشكل خاص في حرب أوكرانيا المستمرة مع روسيا، حيث وفرت أرضية اختبار في العالم الحقيقيّ لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار.

وإلى جانب تطبيقاتها العسكرية المباشرة، تمثل الطائرات بدون طيار تحوّلًا في الإستراتيجية الأوسع للجيوش الحديثة.

كما أنها توفر إمكانية القيام بعمليات منخفضة التكلفة وعالية التأثير يمكن التحكم فيها عن بعد، ما يقلل من المخاطر التي يتعرض لها الجنود البشريون مع السماح بضربات عميقة في أراضي العدو.

الجدير بالذكر أنّ هذه الحروب تسمى "حروب الجيل الخامس" وهي الحرب التي تُنفذ في المقام الأول من خلال العمل العسكريّ غير الحركي، مثل الهندسة الاجتماعية، والتضليل، والهجمات الإلكترونية، إلى جانب التقنيات المستجدة مثل الذكاء الاصطناعيّ والأنظمة المستقلة تمامًا.

(ترجمات)

تعليقات
سجّل دخولك وشاركنا رأيك في الأخبار والمقالات عبر قسم التعليقات.