موسم الهجرة غير الشّرعيّة العام الماضي كان مأسويّاً إلى حدّ كبير، إذ حصد ما لا يقلّ عن 8565 شخصاً، ومثّل زيادة بنسبة 20% مقارنة بعام 2022، وفق المنظمة الدّوليّة للهجرة. الحوادث بمعظمها حصلت في البحر الأبيض المتوسط حيث جرفت مياهه عدداً هائلاً من الضحايا الذين سئموا العيش أمواتاً في بلادهم، فقرّروا المغامرة بحثاً عن حياة فيها الحدّ الأدنى من مقوّمات العيش، وإذ بهم يهربون من الجوع… ليكون الموت في انتظارهم.طريق الموت يحصد مهاجراً من أصل 20 في كلّ محاولة هربالمحلل السياسي الجزائري علاء النجار اعتبر في حديث لمنصة "المشهد" أنه مع "استمرار الاضطرابات السيّاسيّة والحروب والأزمات الاقتصاديّة، والعوامل البيئيّة الخطرة مثل ظاهرة التصحّر ونقص المياه، تزداد أعداد "المغامرين" المهاجرين غير الشرعيين. واعتبر النجار أن العالم أصبح الآن منقسماً ومقسّماً، "هناك اختلال كبير بين الدّول المصنّعة والدّول المُتخمة والدّول الفقيرة التي تعيش في الفقر المدقع، وبالتالي هناك دائماً بعض الأشخاص الذين بالرّغم من المخاطر التي يمكن مواجهتها خلال مغامرتهم، فهم مهتمّون بالهجرة التي تتخذ 3 طرق رئيسة تؤدّي إلى الدّول المصدّعة وأوروبا، ولكن الطّريق الأخطر والذي يعرّض أصحابه لخطر الموت هو طريق البحر الأبيض المتوسط المركزيّ والذي يقع في الوسط بحيث يربط سواحل شمال إفريقيا وإيطاليا ومالطا".ويصف النجار طريق الهجرة الخطر بـ"طريق الموت"، إذ يعرّض أصحابه للموت وقد شهد مآسي عدّة، يُحكى من بينها أن مهاجراً من أصل 20 يموت خلال كلّ محاولة للهرب. "هناك أيضا طريق المتوسّط الغربي والذي يربط سواحل المملكة المغربيّة بإسبانيا مرورا بمضيق جبل طارق".وأشار النجار إلى أن "المهاجرين من إفريقيا ومن الشرق الأوسط يرغبون في الوصول إلى مدن سبتة ومليلية على اعتبار أنها أقرب نقطة أوروبيّة من داخل الأراضي الإفريقيّة. مضيفا أن: هناك أيضا طريق الشرقي للمتوسّط، وهو الطريق الذي يربط تركيا باليونان وقد اشتهر هذا الطريق بعد أزمة الثورة السورية عام 2015، إذ حُكيَ عن عبور 900 ألف شخص خلال تلك الفترة، الأرقام ليست دقيقة، لكن الطريق يُعتبر وعراً وصعباً جدّاً، لانتشار العصابات المسلّحة عليه.يتمّ الحديث بكثرة عن الطّريق الغربي للمتوسّط الذي يربط سواحل شمال إفريقيا بإسبانيا وإيطاليا وهو الذي يسجل أعلى مستويات الهجرة وأيضا أعداد الموتى إذ بلغ عدد الموتى أو المفقودين عليه خلال العشر سنوات الماضية نحو 28 ألف شخص.اليمين المتطرّف يستغلّ الهجرة غير القانونيّة لمكاسب انتخابيّةأمّا عن مواقف دول الاتّحاد الأوروبي للحدّ من هذه الظاهرة، فكشف نجّار أنه "بالرّغم من ارتفاع عدد القتلى والمرشّحين للهجرة غير الشّرعيّة، فإن اهتمام الاتحاد بهذا الملف يأتي من ناحية كيفيّة التعامل مع الرأي العام الأوروبيّ، خصوصاً الرأي الذي تمثله الأحزاب اليمينيّة واليمينيّة المتطرّفة التي تروّج وتستغلّ ظاهرة الهجرة غير النظاميّة بهدف كسب بعض الأصوات الانتخابية، والدول الأوروبية تحاول التعامل مع هذا المنطق من خلال هذا التصعيد".وأوضح النجار أن هناك سياسات أوروبية عدّة تتّبع في هذا المجال، للحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية منها: وضع سياسة شاملة تشمل الهجرة النّظاميّة وغير النّظاميّة. تشديد الرّقابة على الحدود.تحفيزات ماليّة لحثّ المهاجرين على العودة إلى بلدانهم.إعادتهم بالقوّة إذا لزم الأمر.في المقابل يتمّ تعزيز هجرة العمالة القانونيّة من دول مرشحة بأن ينحدر منها الكثير من الراغبين في الهجرة كالدول الإفريقيّة.أوروبا تتّبع "سياسات قمعيّة" يتخلّلها "قتل مباشر" للمهاجرينولفت النجار إلى أنه "مع ارتفاع معدّلات الهجرة، حاولت الدّول الأوروبيّة اتّباع سياسات أمنية صارمة، مع تشديد الرّقابة على الحدود التي قد تكون قمعيّة ويمكن أن يتخلّلها قتل مباشر، مثل الحادثة التي حصلت في عدد من الدول مثل اليونان وإيطاليا، حيث عمدت إلى إغراق بعض السّفن ومنعت المنظّمات غير الحكوميّة من مساعدة المرشّحين للهجرة حتى إنّها جرّمت كلّ مواطن أوروبيّ يساعد أيّ مهاجر".وأضاف: "بعد محاولات عدّة لفرنسا وإيطاليا، آخر إجراء اتّخذته إيطاليا هو الحديث عن اتفاق جديد مع دول الشّرق الأوسط والدّول الإفريقيّة وهو ما سُمّي بمسار روما والذي يحاول أن يعالج أسباب الهجرة غير القانونيّة في العمق من خلال النّزاعات وأيضاً الأزمات الاقتصادية والاختلاف البيئي، من خلال إعطاء بعض الحوافز للدول في إفريقيا أو شمال إفريقيا أو في الشرق الأوسط لمساعدتها على مواجهة هذه الظاهرة".وتابع النجار: "تعامل دول الاتّحاد الأوروبيّ مع قضيّة الهجرة غير الشرعية لا ينطلق من دراسة واقعيّة حول ما تشكله هذه الهجرة من مخاطر على الثقافة والمجتمع الأوروبي والاقتصاد، لأن لا دراسات تؤكد وجود أخطار محدقة بالمجتمع الأوروبي، الواقع أن هناك حلولا أمنيّة على المدى القريب وليس على المدى البعيد.وختم المتحدث تصريحه قائلا "تتعامل مع هذه الظاهرة كردّة فعل وليس كاستراتيجيّة لحلّ مشكلة الهجرة من جذورها، هناك مشاكل سياسيّة، بيئيّة، واقتصاديّة، وربّما جذور المشكلة تكمن في سياسات الدّول الأوروبيّة مع الدّول الإفريقيّة ودول الشرق الأوسط، فعندما تفكّر الدّول الأوروبيّة بأن توفر مساعدات، وإعطاء أموال من أجل التنمية الاقتصادية في الدّول المتضرّرة والفقيرة، وأيضاً تبنّي سياسة هجرة قانونيّة واضحة; هنا يمكننا الحديث عن سياسات بعيدة المدى وقصيرة المدى لإيجاد حلول. أمّا في الوقت الرّاهن، ما دام التعامل قمعيّا بحتا، لا يملك نظرة بعيدة المدى، من المرجّح أن يتزايد عدد الرّاغبين في الهجرة خلال السنوات المقبلة".الاتحاد الأوروبي فشل في حلّ أزمة الهجرةمن جهة ثانية، اعتبر المحلّل السّياسي بيار لويس ريموند في حديث لمنصّة "المشهد" أنّ "موضوع تمويل البلدان الفقيرة التي تتدفّق منها الأعداد المهاجرة بشكل هائل، هو جزءٌ من الحلّ، لكنّه جزءٌ من الأزمة أيضاً، لأن مشكلة الهجرة في الواقع كبيرة ونحن نعلم أن الوسائل التي حاول الاتحاد الأوروبي اعتمادها كانت وسائل فاشلة نسبيّاً، على سبيل المثال أداء وكالة "فرونتكس" التي أظهرت ضعف التنسيق بين الدّول الأوروبيّة، في ما يتعلّق في ضبط حركة الهجرة وإن كانت تستشعر تلك الدّول المعنيّة بهذا الخطر، بحيث رأينا رئيسة الوزراء الإيطاليّة جورجيا ميلوني بعد وصولها إلى سدّة الحكم، كيف أصبحت تتبنّى خطاباً مغايراً كليّاً عن خطاباتها السّابقة أثناء حملتها الانتخابيّة، إذ أصبحت تنفّذ مجموعة من الإجراءات من أجل ضبط الهجرة الآتية من تونس". ورأى ريموند أن "موضوع التمويل لا يمكن أن يظلّ محصوراً في موضوع الهجرة والمهاجرين وإنّما يجب أن يركزّ على التنمية المشتركة أو ما نسمّيه codéveloppement، وهذه التمويلات يجب أن تشمل التّعليم، المشاريع التي تخوضها المؤسّسات، المتوسّطة والصّغرى، والاستثمارات الخارجيّة، وكلّ ما يمكن أن يوفر طريقة عيش جيّدة للشباب، بهدف إبعادهم عن فكرة الهجرة وإضعاف رغبتهم في الرحيل ومغادرة البلد". وشدّد على أنه "الحلّ الوحيد الذي سيتمكن من معالجة أزمة الهجرة من جذورها ويساهم في محاولة تجنبّ الكوارث التي نشهدها على متن قوارب الموت، التي تقلّ هؤلاء المهاجرين إلى وجهة مجهولة وقاتمة". وختم معتبراً ان "هذا الموضوع يستدعي تنسيقاً بين البلدان على مستوى مجموعة من المبادرات بعيدة المدى، وليس مجرّد تمويلات قصيرة المدى".أعداد المهاجرين غير النّظاميّينبدوره، رأى المحلّل السياسي السّوداني محمد اسبط في حديث لمنصّة "المشهد" أنه "بقدر ما تشكّل الهجرة غير النظامية أزمة بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، فهي تشكّل أيضاً مأساة للسكان في منطقة شمال إفريقيا ووسط وغربي إفريقيا وحتى شرقي إفريقيا، ذلك لأن غالبيّة الضحايا تأتي من تلك المناطق. هناك أرقام عن ضحايا كثيرة لم ترد في التقارير الرّسميّة، بسبب صعوبة الوصول إلى مصادرها، فالكثير من الضحايا يُعتبر في عداد المفقودين، في الصحراء الليبية أو الصحراء الإفريقيّة، وهم يشكلون نسبة كبيرة جدّا، وللأسف أسماؤهم لم ترد. فالوصول إلى تلك المناطق صعب للغاية والتحقق من وفاة هذه الأعداد الهائلة أمر شبه مستحيل".أما عن الحلول البسيطة، فاعتبر اسبط أنها "تكمن في الشراكة مع هذه الدّول، وممارسة الضّغوط لتقديم المساعدات في الصّناعات التحويليّة، فهذه البلدان معروفة بأنها زاخرة وغنيّة بالمواد الخامّ، ويمكن أيضا إنشاء معاهد للتدريب وتوفير فرص عمل للشّباب في بلدانهم، وبالتالي الحدّ من أعداد الرّاغبين في الهجرة هرباً من الفقر والبطالة". بموازاة ذلك، ركّز أنه "على دول الاتحاد الأوروبي الضغط على تلك الدّول لتغيير أنظمتها وتحسينها، وإعطاء مساحة كبيرة للحرّيات الشخصّية، نذكر منها حريّة التملّك والتنقّل والتّعبير".وختم مشدّداً على أن "المعالجات التي تقوم بها الحكومات الأوروبيّة، وبعض التحالفات التي أقامتها مع بعض الأنظمة في تلك الدّول، تصبّ في خانة الاتفاقات الأمنيّة، وستُفاقم أزمة الهجرة غير الشّرعيّة".(المشهد)