تشهد المنطقة منعطفاً خطيراً مع تصاعد المؤشرات على تحضيرات عسكرية مكثفة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة شاملة مع إيران، فبعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الثامن من ديسمبر 2028، توقف تبادل الهجمات بين إيران وإسرائيل والتي بدأت مع هجوم السابع من أكتوبر، وساد هدوء نسبي، ركزت خلاله تل أبيب بشكل رئيسي على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة من جهة، وضمان الأمن على الحدود السورية من جهة ثانية، الأمر الذي دفعها إلى التوغل عشرات الكيلومترات في عمق الأراضي السورية. اليوم يعود سيناريو تبادل الهجمات بين الخصمين من جديد، لكن ليس كسابقاته، بل الأعنف ضد دولة ذات سيادة منذ الحرب العالمية الثانية، كما كشفت تقارير، في وقت أنهت فيه القوات الجوية والتشكيلات الخاصة الإسرائيلية كامل استعداداتها لهجوم مرتقب ضد إيران، منتظرة فقط "الضوء الأخضر" من أميركا لتنفيذ الضربة. ضربة إسرائيلية – أميركية ضد إيران كشفت القناة الـ14 الإسرائيلية، عن تزايد المؤشرات لاحتمال تنفيذ هجوم واسع النطاق على طهران في وقت قريب. وفي حال وقوع أيّ هجوم من هذا القبيل، من المتوقع أن ترد إيران بهجوم صاروخي وطائرات بدون طيار على إسرائيل، الأمر الذي سيُخضع نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي لاختبار قاسٍ، وسيتعين على الجبهة الداخلية أن تكون قوية وجاهزة للتحمل والصمود، رغم التوقعات باحتمال وقوع خسائر بشرية ومادية ضخمة، وفقا للتقرير. يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الإيراني وجدان عبد الرحمن في حديثه إلى منصة "المشهد" إن "ما نشهده من حشد عسكري ضخم من جانب واشنطن، حيث تطوّق إيران من جميع الاتجاهات بحاملات الطائرات، بالإضافة إلى انتشار القوات الأميركية في الجزر البعيدة عن إيران مثل ديغو غورسيا، وتمركز القاذفات الإستراتيجية B-2 وB-52، والطائرات اللوجستية المزودة بالوقود، إلى جانب الاستعدادات العسكرية الواسعة والتدريبات المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تحاكي استهداف قواعد نووية مشابهة للقواعد الإيرانية، كل ذلك يشير بوضوح إلى أن استهداف القواعد النووية والعسكرية والمواقع الاقتصادية الحيوية في إيران قد أصبح احتمالًا واردًا بشدة". وبرأي عبد الرحمن هنا عوامل كثيرة تدفع أميركا وإسرائيل إلى هذه الضربات أبرزها: إيران، وفقًا للرؤية الإسرائيلية، تمثل تهديدًا دائمًا للأمن القومي الإسرائيلي، حيث دعمت ولا تزال تدعم الفصائل المسلحة التي تستهدف إسرائيل. وجاءت أحداث السابع من أكتوبر لتكون بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير"، مما دفع إسرائيل إلى استهداف أذرع إيران بشكل أوسع. السعي الإيراني نحو امتلاك السلاح النووي، فهو يشكل تهديدًا إستراتيجيًا مباشرًا لإسرائيل، مما يعزز الدوافع الإسرائيلية لاتخاذ إجراءات وقائية ضد إيران. بالنسبة لواشنطن، إيران تقف إلى جانب روسيا في الحرب الأوكرانية، وهو أمر يضر بالمصالح الغربية ويجعلها هدفًا محتملاً للولايات المتحدة. كما أن التهديدات الإيرانية للملاحة الدولية عبر أذرعها المسلحة تسببت في أضرار كبيرة للاقتصادات الغربية، ما دفع واشنطن إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه طهران. فإن محاولة النظام الإيراني اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تعتبر سببًا رئيسيًا إضافيًا قد يدفع الإدارة الأميركية إلى استهداف إيران بشكل مباشر.سياسة "العصا والجزرة"بدوره، يشرح الخبير في الشؤون الأميركية د.نبيل العتوم في تصريح لـ"المشهد" أن "الإيرانيين أنفسهم هم من يسرّعون المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصًا مع منح ترامب مهلة مدتها شهران للإيرانيين للتوصل إلى اتفاق. وكانت الرسالة الأميركية قائمة على مزيج من الترهيب والترغيب، بما يشبه سياسة العصا والجزرة".ويضيف العتوم أن "الخطاب الإيراني يحاول التلاعب بالتأويلات الدينية، بعض رجال الدين الإيرانيين قالوا إن السيطرة على العالم لن تتم بالسيف والبندقية، بل بالسلاح النووي. وهذا يعكس بُعدًا أيديولوجيًا في سعي إيران لامتلاك هذا السلاح، إلى جانب طموحها لتصبح قوة إقليمية عظمى بحلول 2030، وفقًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام".وتأتي هذه التطورات بعد تبادل الرسائل بين كل من إيران وأميركا عبر وسطاء، أنهت الولايات المتحدة وإيران الجولة الأولى من تبادل الرسائل الدبلوماسية، بعد أن قدمت طهران ردها الرسمي على الرسالة التي وجهها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للتفاوض حول الملف النووي البرنامج الصاروخي الإيراني. ونتيجة للتهديدات الأميركية، قدمت إيران شكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي، وكتب سفير إيران لدى الأمم المتحدة في رسالة الشكوى الرسمية التي قدمها: "مرة أخرى، استخدم رئيس الولايات المتحدة لغة قوية وهدد الجمهورية الإسلامية بعمل عسكري.. هذه التصريحات والمسؤوليات المتكررة تنتهك القانون الدولي".في السياق ذاته، يلفت المختص في الشأن الأميركي عاطف عبد الجواد أن "هناك خطط عسكرية قائمة بالفعل لشن هجوم واسع النطاق على المنشآت النووية الإيرانية ولكن هذه الخطط تنتظر صدور أوامر من الرئيس ترامب لتنفيذها وإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر للبدء فيها. ولكن وجود هذه الخطط لا يعني ان هجوما وشيكا سوف يقع والسبب هو أن وزارة الدفاع لديها خطط للتدخل في بقاع التوتر في العالم ولا تنتظر الوزارة صدور أوامر بالقصف في أية لحظة". ويؤكد عبد الجواد لـ"المشهد" أن الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران في الآونة الأخيرة تعكس حرص الطرفين على تجنب تصعيد عسكري واسع، وذلك لسببين رئيسيين:الأول هو عدم رغبة الولايات المتحدة في الانخراط في جولة جديدة من الهجمات الإسرائيلية، في وقت تنشغل فيه تل أبيب بعمليات عسكرية متجددة في غزة ولبنان وسوريا. الثاني هو أن إيران هددت باستهداف قاعدة أميركية تقع على بعد 2400 ميل جنوبًا، في حين أن أقوى صواريخها لا يتجاوز مداه 1200 ميل، ما يجعل خيار الرد المحدود عبر وكلائها أكثر واقعية.إسقاط النظام الإيراني تشير التقارير الإسرائيلية إلى أن الضربة المشتركة قد تؤدي بالفعل إلى إسقاط النظام الإيراني. سيناريو سقوط النظام الإيراني يتزامن مع الضربات الكبيرة التي تلقتها طهران منذ هجوم السابع من أكتوبر لعل أهمها بالنسبة لها، هزيمة "حزب الله" ومقتل قاداته، وسقوط نظام الأسد في سوريا. ونتيجة لذلك وبعد سقوط الأسد، حذّر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بخطاب نادر يحمل لهجة حادة من أي تحليلات أو تصريحات "تُثبّط عزيمة الشعب"، واصفًا إياها بـ"الجريمة"، في إشارة إلى تزايد النقاش الداخلي حول تكلفة السياسات الإقليمية لإيران، لا سيما في سوريا. المحللون السياسيون يرون أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مدى قدرة النظام الإيراني على الصمود في وجه هذه العاصفة المتعددة الجبهات. فبينما تحاول طهران الحفاظ على وجودها في المنطقة، فإنها تواقع في الوقت ذاته تحدياً وجودياً يتعلق بقدرتها على إدارة الأزمات الداخلية المتصاعدة.ويشرح عبد الرحمن أن إسرائيل تعمل على إسقاط النظام الإيراني، وهو هدف إستراتيجي لطالما سعت إليه، وفقًا لما عُرف بـ"إستراتيجية نفتالي بينيت" أو خطة "استهداف رأس الأخطبوط". وفي ظل رفض إيران للمفاوضات حول الشروط التي فرضها ترامب، يبدو أن الفرصة أصبحت مواتية لتنفيذ هذه الخطة، يُضيف المتحدث.ووفقا لعبد الرحمن فإن الخطة الإسرائيلية تعتمد على مثلث إستراتيجي يتكون من 3 زوايا رئيسية: استهداف المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية، لشل القدرات العسكرية الإستراتيجية لطهران. تنفيذ عمليات اغتيال وتصفية تستهدف القيادات العسكرية والسياسية المؤثرة، وقد يكون المرشد الإيراني أحد الأهداف المحتملة. إثارة الاحتجاجات ودعم الثورة داخل إيران، بهدف زعزعة الاستقرار الداخلي والإطاحة بالنظام بالكامل.فيما يشير العتوم إلى أن "النظام الإيراني يخشى أن تؤدي أي ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية إلى احتجاجات داخلية تهدد استقراره. لذلك، قامت السلطات الإيرانية باتخاذ إجراءات احترازية عدة، مثل تغيير قادة الألوية العسكرية المحيطة بالمدن الكبرى، ونقل المسؤولين الأساسيين إلى مواقع آمنة، والتواصل مع قادة الأقليات لتوجيه رسائل تحذيرية ضد أي محاولات احتجاجية"، لافتا إلى أن "جزءًا كبيرًا من الشعب الإيراني يؤمن بالأفكار العقائدية التي يروج لها النظام، خصوصا فيما يتعلق بنبوءات آخر الزمان ونظرية "التعجيل بعودة الإمام المهدي". ويرى أن هذه الأيديولوجيا تُستخدم لتبرير سياسات إيران الخارجية وتعزيز طموحاتها الإقليمية".ولا بدّ من الإشارة إلى أن النظام الإيراني يواجه تحديات وجودية متعددة تزيد من هشاشته في هذه المرحلة الحساسة، يتزامن ذلك مع تدهور حاد تجلى في ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 50% وانهيار قيمة العملة المحلية.(المشهد)