عندما كان فيصل الشوا شابًا قبل 3 عقود، انغمس في التفاؤل الدائر، حيث احتشدت حشود ضخمة في مدينة غزة للترحيب بعودة الزعيم الفلسطينيّ الراحل ياسر عرفات من المنفى.في صيف عام 1994، بعد 10 أشهر من توقيع إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو، وهو اختراق تاريخيّ أمل الكثيرون أن يؤدي إلى تسوية مستدامة لصراعهم المستمر منذ عقود. ويتذكر الشوّا قائلًا: "أخيرًا ، لم نعد نرى جنودًا إسرائيليّين على الأرض في غزة. كان الأمر مذهلًا"، وفق تقرير لصحيفة "الفايننشال تايمز".في العام التالي، مُسلّحًا بشهادة في الهندسة المدنية من الولايات المتحدة وبدعم من والده، أسس شركة إنشاءات، مقتنعًا بأن غزة ستزدهر، قبل أن تهنار عملية السلام وتغرق المدينة بالعنف مجددًا. عانت الشركات في غزة من 4 حروب على الأقل بين إسرائيل و"حماس"، تضررت المزارع والمصانع والمباني، ولكن في كل مرة أعاد استثمارها. واليوم، أُجبر الشوا على مغادرة منزله وقال: "لقد فقدنا ثروتنا، والآن نحن لاجئون. ليس لدينا أموالنا وأرضنا.. لا يمكننا الحصول على ملابسنا من منزلنا. اليوم كل شيء مدمر". وذكر تقرير الصحيفة أنّ جميع سكان غزة يعانون من الهجوم الجوّي والبرّي الذي لا هوادة فيه الذي تشنه إسرائيل ضدّ "حماس" في غزة. فقدت كل عائلة تقريبًا قريبًا أو صديقًا، حيث قُتل ما يقرب من 22000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر، وفقًا لمسؤولين فلسطينيّين. جعل غزة غير صالحة للعيش يخشى سكان غزة أنه لن يكون هناك شيء للعودة إليه عندما تنتهي الحرب، ويستنتج الكثيرون أنّ هدف إسرائيل النهائيّ، هو جعل القطاع غير صالح للسكن، وإجبارهم على التخلي عن الأرض التي يسمونها الوطن.ويقول الشوا: "إنهم يريدون جعل غزة غير صالحة للعيش.. إنهم يدمرون بيوتنا واستثماراتنا ومصانعنا وأشجارنا، وبنيتنا التحتية، وكل شيء". اقترح البعض في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو اليمينية المتطرفة، أنه يمكن إعادة توطين سكان غزة طواعية، حيث أخبر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إذاعة الجيش الإسرائيليّ في عطلة نهاية الأسبوع، أنه "إذا كان هناك بين 100 ألف و200 ألف عربيّ في القطاع وليس 2 مليون، فإنّ المحادثة بأكملها حول اليوم التالي [للحرب] ستكون مختلفة تمامًا". ولا تعكس تصريحاته السياسة الرسمية، لكنّ كثيرين من سكان غزة يشكّون في أنّ إسرائيل تريد دفعهم جنوبًا إلى مصر. في الأسابيع الأولى من الحرب، سعت حكومة نتانياهو إلى إقناع القادة الأوروبيّين بالضغط على مصر لقبول اللاجئين من غزة. حذرت القاهرة بشدة من أنها لن تقبل النزوح القسريّ لسكان غزة إلى أراضيها، لكنّ المخاوف لا تزال قائمة ويخشى الفلسطينيون من تكرار نكبة عام 1948، عندما نزح نحو 700 ألف منهم، في أعقاب الحرب الأولى بين الدول العربية وإسرائيل المستقلة حديثًا. "مستوى الدمار مذهل"داخل غزة، أُجبر أكثر من 85% من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، نصفهم تقريبًا دون سن 18 عامًا — على ترك منازلهم، وحُشروا في مناطق أضيق من أيّ وقت مضى في الجنوب، وأخذوا ملاذًا مع كل ما يمكنهم حمله في مجمّعات سكنية ومدارس ومستشفيات ومبانٍ تستخدمها الأمم المتحدة وخيام. تم دفع ربع السكان نحو المجاعة، وفقًا للأمم المتحدة، حيث يصطفّ الناس لساعات للحصول على الخبز أو استخدام المرحاض.يصرّ الجيش الإسرائيليّ على أنه يعمل في إطار قوانين الحرب الدولية، ويلقي باللوم على "حماس" التي تستخدم المدنيّين كدروع بشرية في ارتفاع عدد القتلى. وأضاف مستشار الأمن القوميّ الإسرائيليّ تساحي هنغبي: "نحن ملتزمون ليس فقط بتحرير مواطني إسرائيل من الخوف والإرهاب، ولكن لضمان أنّ 2 مليون فلسطيني في غزة سوف ينظرون إلى المستقبل بأمل كبير. ولكن حتى لو توقفت الحرب غدًا، فإنّ مدى الدمار يعني أنّ سكان غزة سيواجهون تحدّيًا هائلًا لمجرد استئناف حياتهم اليومية. ويصف رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني الحرب، بأنها "حرب من كل صيغ التفضيل"، مضيفًا أنّ "مستوى الدمار مذهل". فيما حذّر سياسيون إسرائيليون من أنّ العمليات العسكرية ستستمر لأشهر، حيث لا يوجد وضوح حول ما سيتبقّى من "حماس" أو من سيقدّم الخدمات أو يحافظ على الأمن الداخلي، بمجرد انتهاء الحرب.إعادة الإعمار وفقًا لصندوق النقد الدولي، تسببت حرب 2014 المحدودة للغاية في أضرار تتراوح بين 3 مليارات دولار و6 مليارات دولار. يقول أستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة الأزهر في غزة، مخيمر أبو سعدة: "هذه هي النسخة الثانية من المدن الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، هذه هي غزة الآن، تحتاج إلى بناء كل شيء من الصفر". وهو يعتقد أنه مثل ألمانيا ما بعد الحرب، ستحتاج غزة إلى خطة مارشال الخاصة بها، لكن لا أحد يعرف من سيموّل ذلك.لقد أدى الدمار الذي لحق بغزة، إلى تغيير المزاج السائد بين حلفاء إسرائيل الغربيّين، حتى الرئيس الأميركيّ جو بايدن انتقد ديسمبر الماضي "القصف العشوائي". ودفعت فرنسا من أجل هدنة إنسانية، بينما دعت المملكة المتحدة وألمانيا إلى "وقف إطلاق نار مستدام يؤدي إلى سلام مستدام". لكنّ المسؤولين الإسرائيليّين أوضحوا أنّ الضغط الدوليّ لن يردع الدولة العبرية عن السعي لتحقيق أهدافها. يقول إميل حكيم من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إنّ الحكومات الغربية "مذعورة بشكل أساسيّ من نتانياهو" وأفعاله. ويضيف حكيم، "لا ينبغي لأحد أن يكون لديه أيّ أوهام في هذه المرحلة بأنّ الدول الغربية يمكنها وقف زخم الحرب الإسرائيلية، أو وضع مسار دبلوماسيّ لتهدئة القتال. إنهم يريدون الحفاظ على النفوذ ليوم بعيد المنال". وتشير الولايات المتحدة والدول العربية والأوروبية إلى أنّ السلطة الفلسطينية، التي تدير أجزاءً محدودة من الضفة الغربية، يجب أن تشارك في حكم غزة بعد الحرب.(ترجمات)