تصعيد استثنائي تقوده إسرائيل تجاه لبنان، من خلال تفجيرات طالت آلاف المدنيين، واغتيالات لقيادات عسكرية وازنة في "حزب الله"، وصولاً إلى الاعتداءات الجوية المتتالية منذ صباح يوم الاثنين، والتي أودت بحياة مئات الضحايا وجرحت وهجّرت الآلاف، وتسببت بدمار هائل حل بالمنازل والبنية التحتية، وسط أصوات متعالية وأغلبية إسرائيلية ساحقة مؤيدة للحرب الإسرائيلية على لبنان، وتهديدات من قبل وزراء حكومة بنيامين نتانياهو بالاستقالة "إنّ تم التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم مع حزب الله"، وتؤكد الغالبية العظمى في المستوى السياسي الإسرائيلي على الموقف ذاته.وحسم بيان مكتب نتانياهو الجدل والإشاعات التي تناقلتها الوسائل الإعلامية الإسرائيلية، والردود المتباينة لتصريحات الساسة المتعلقة بمقترح الهدنة والقصف على لبنان، وجاء فيه "الأخبار المتعلقة بوقف إطلاق النار غير صحيحة، يدور الحديث عن اقتراح أميركي فرنسي، رئيس الوزراء لم يرد عليه بعد، والإيعاز بتخفيف القتال في لبنان مغاير للحقيقة، رئيس الوزراء أمر الجيش الإسرائيلي بمواصلة القتال بكامل قوته وفقاً للخطط المقدّمة إليه". ويتّضح من متابعة تصريحات نتانياهو، والقادة العسكريين والسياسيين، توجههم نحو تكبيد "حزب الله" خسائر فادحة، لفكّ الارتباط مع جبهة قطاع غزّة، فهل ستجهض إسرائيل الحل المقدم للأزمة؟ وهل ستلازم جبهة قطاع غزّة جبهة لبنان حتى النهاية؟رؤية إسرائيلية محددة تزامنًا، تناقلت وسائل إعلام إسرائيلية أنباء متباينة حول إيعاز نتانياهو للجيش الإسرائيلي بتخفيف الهجمات العسكرية على لبنان، في ظل مقترح الهدنة الأميركي الفرنسي.وفي هذا الصدد أوضح أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، د. مئير مصري لمنصة "المشهد" بأن ذلك غير صحيح على الإطلاق "لا يوجد أيّ تضارب، وإنما مجرد ثرثرة إعلامية، كما إنه لا معنى لهذا المفهوم (تخفيف حدّة القتال) من المنظور العسكريّ الإسرائيلي، هناك خطة مكتملة الأركان تم التصديق عليها في المجلس المصغر ودخلت حيز التنفيذ المطلوب الآن هو الصبر، والانتظار بضعة أسابيع، إسرائيل عازمة على تصفية حزب إيران في لبنان". ونشرت وسائل إعلام إسرائيلية أخبار متضاربة عن مبادرة وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله"، بمبادرة الولايات المتحدة ودول غربية وعربية، للدخول بهدنة تدوم 21 يوماً وتؤدي لتسويّة سياسية. أمام هذا الواقع، شدّد المصريّ بأنّه "لماذا تقبل إسرائيل بهدنة وهي في موقع قوة، وبعد أن صبرت لعام كامل على حزب إيران؟ هذا الكلام بعيد كل البعد عن المنطق، لقد أعلن حزب إيران، ومن ورائه إيران، الحرب على إسرائيل في أعقاب مذابح السابع من أكتوبر، والسبيل الوحيد لوقف الحرب هو استسلام الحزب وإعادة تفعيل قرار مجلس الأمن رقم 1701". وحول ربط الهدنة بين إسرائيل ولبنان مع قطاع غزّة وسط اقتراب عام على الحرب فيها قال المصري إن هذه رواية "حزب الله" وإيران "وهذا ما يردده محور إيران ولكني قلتها وأكررها، إسرائيل باقية في قطاع غزّة لسنوات عدة، وربما تقدم على اجتياح لبنان إن لم يرضخ حزب إيران للشروط الجديدة".التسوية السياسية المرتقبة وشهدت الوسائل الإعلامية الإسرائيلية وتصريحات المسؤولين تضارباً ملموساً، بشأن الهدنة والضربات على لبنان. وفي هذا السياق، أشار المحلل في الشؤون الإسرائيلية محمد أبو علان لمنصة "المشهد" إلى أن "إسرائيل أعلنت منذ بدء الضربات الأولى على "حزب الله" بأنها تسعى التوصل لتسوية سياسية بشروطها وليس الذهاب لحرب شاملة، وهذا الضغط العسكري الإسرائيلي لجلب "حزب الله" إلى طاولة المفاوضات، بالتالي لا يوجد أيّ تضارب في الموقف الإسرائيلي حيال مبادرة الهدنة أو تخفيف الضربات على لبنان، لأنه لايوجد موقف إسرائيلي رسمي واضح بخصوص المفاوضات، مطلبه واضح عودة الحزب إلى ما بعد الليطاني وفق قرار 1701، لتمكين عودة مستوطنين الشمال، وتفضل ذلك على الذهاب لحرب شاملة". وحول مصير مقترح الهدنة الأميركي الفرنسي لإعادة الاعتبار لقرار 1701 الذي أنهى العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، قال الخبير والأكاديمي في العلاقات الدولية والسياسية د. أيمن يوسف لمنصة "المشهد" إن "المقترح من البوابة الأميركية والفرنسية لإنهاء ظروف القتال الحاصلة وعودة النازحين من البلدين إلى مناطق كل منهما، من خلال ترتيبات معينة بترسيم الحدود وعدم حدوث المواجهات".وأشار يوسف إلى أنه "إذا نجحت الولايات المتحدة في الوصول لهذا المقترح، هذا يعني أنها وإسرائيل نجحوا في الفصل بين الساحات وليس من صالح قطاع غزّة، وتصبح قضية المفاوضات أكثر واقعية، ونتانياهو سيستغل المفاوضات من أجل تعميق جبهة الحرب على غزّة، و"حزب الله" مدرك لهذه النقطة بأنها ستخدم إسرائيل، وبالتالي إن وافق على عملية وقف إطلاق نار إسرائيلي لبناني، كرة النار ستتدحرج باتجاه قطاع غزة أكثر فأكثر".أبعاد وتداعيات وقف حرب إسرائيل و"حزب الله"بدوره، أكد أبو علان بأنّ "السبب وراء ربط مقترح الهدنة التي يتم الحديث عنها مع قطاع غزّة، يعود على الأغلب إلى التجاوب مع موقف "حزب الله" الذي أكد بأنّ المواجهات على الحدود الشمالية والحرب المندلعة مع إسرائيل وجبهة المساندة التي تم فتحها، لن تتوقف ما لم تتوقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، والحزب يرفض الفصل بين جبهتي غزّة وجنوب لبنان، بالتالي هي محاولة للتجاوب مع موقف "حزب الله" الذي يفترض أنه سيرفض أيّ هدنة مع إسرائيل ما لم تكن قطاع غزّة مشمولة بها". وفي وقت تئن فيه مناطق لبنانية عدّة من هول القصف والغارات الإسرائيلية، تستمر الجهود الدبلوماسية الدولية بقيادة الولايات المتحدة وفرنسا للتوصل لوقف مؤقت لإطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله".تواصل باريس مساعيها مع الأطراف كافة في تحديد المعايير لحلّ دبلوماسيّ قريب للأزمة، دخول فرنسا على خط الوساطة من وجهة نظر الخبير في العلاقات الدولية يوسف هي نتيجة "الإرث التاريخي الذي يربط بين البلدين، فلبنان كانت مستعمرة فرنسية تحت الانتداب الفرنسي، وهناك علاقات على الصعيد الدبلوماسي والسياسي والاجتماعي".ويلفت يوسف إلى أنّ "فرنسا لديها علاقات جيدة مع لبنان وكل أطياف المعادلة اللبنانية تلك المحسوبة على "حزب الله" أو الخط السني والمسيحي، ونظراً لعضويتها في مجلس الأمن الدولي، لها تأثير ثقافي عالمي وعلاقاتها متشعبة، ولا تتعارض مع الوساطة الأميركية، ولديها علاقات إستراتيجية مع إسرائيل تستطيع أن تحدث تغييراً".(المشهد - القدس )