على ما يبدو أن هناك رغبة جادة لدى الولايات المتحدة في إصلاح ما أفسدته طيلة سنوات ماضية تجاه علاقاتها مع دول القارة السمراء، التي تحتل أهمية متزايدة في لعبة التنافس الدولي لبناء النفوذ بين القوى الكبرى، وظهر ذلك جلياً من خلال أمور عدة أهمها كان دعم واشنطن لإنشاء مقعدين دائمين في مجلس الأمن للدول الإفريقية ومقعد تتناوبه الدول الجزرية الصغيرة النامية.أما الأمر الأهم والأبرز في هذا الصدد فيتمحور في الزيارة التاريخية المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن لإفريقيا، والتي يتوقع أن تجري بعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر عقدها في نوفمبر المقبل وفقاً لمصادر أميركية عدة.زيارة متأخرةتساؤلات عديدة باتت على ألسنة الكثيرين داخل القارة الإفريقية عن جدوى زيارة بايدن، وخصوصا وأن الرجل على بعد خطوات قليلة للخروج من البيت الأبيض، وإنهاء فترة حكمه بشكل نهائي بعد انسحابه من السباق الرئاسي، منصة "المشهد" استطلعت آراء عدد من المتابعين للوقوف على أسباب وأهمية هذه الزيارة في هذا التوقيت.وتصف المتخصصة في الشؤون الإفريقية صباح موسى هذه الزيارة بالمتأخرة للغاية، خصوصا وأنها تأتي عقب إهمال واضح ومتعمد من قبل الولايات المتحدة الأميركية لدول القارة السمراء لسنوات عديدة، حيث كانت آخر زيارة لرئيس أميركي حط أمتعته في إفريقيا في عام 2015 وقام بها آنذاك باراك أوباما، ومنذ ذلك الحين وأصبحت الأراضي الإفريقية في طي النسيان للبيت الأبيض، مشيرةً إلى أن هذه الزيارة تعد فرصة جيدة لواشنطن من أجل معالجة الكثير من الإشكالات والإخفاقات في القارة السمراء.أهداف ودلالاتوكان بايدن قد أعلن في وقت سابق عن تبرع بلاده بمليون جرعة من لقاح جدري القردة، وما لا يقل عن 500 مليون دولار لدعم الدول الإفريقية في مواجهة تفشي المرض، وطالب في خطاب له أمام الأمم المتحدة الدول الأعضاء أن تحذو حذو بلاده، ومن هنا ترى صباح موسى أن بايدن يسعى في أيامه الأخيرة المتبقية في البيت الأبيض إلى مواجهة تراجع دور بلاده في أنحاء القارة السمراء، والذي واجه انتكاسات عديدة مؤخراً والتي كان من أبرزها الآتي:مطالبة النيجر إنهاء التعاون الأمني الثنائي مع الولايات المتحدة، والذي كان قائمًا منذ عام 2012 وسحب القوات الأميركية من الأراضي النيجرية.مطالبة تشاد بمراجعة الاتفاقات العسكرية مع الولايات المتحدة.الغضب الإفريقي الواسع للدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل في حربها ضد غزة.وتقول موسى إن هذه الزيارة مرتبطة بمشروع تنموي كبير تقوده أميركا في المنطقة، وهو محور (لوبيتو) الواصل ما بين أنجولا وزامبيا مروراً بالكونغو الديمقراطية، لافتة إلى أن بايدن سيحاول خلال هذه الزيارة إعطاء الكثير من الوعود والتوقيع على اتفاقات عديدة، مع عدد من الدول الإفريقية التي سوف يزورها.مواجهة التمدد الروسي والصينيوتتوغل كل من الصين وروسيا بشكل واضح في العديد من الدول الإفريقية، وذلك عبر وسائل متعددة في مقدمتها حسبما أوضح الكاتب والمحلل السياسي السوداني صلاح غريبة، توطيد العلاقة مع حكومات الدول الإفريقية، والتوسع في الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية، حيث أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال القمة الروسية الإفريقية الأولى في مدينة سوتشي الروسية في أكتوبر 2019، عن مليارات الدولارات لعدد من الاستثمارات في دول إفريقية، إضافة إلى قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الإفريقي، والتي انعقدت في سبتمبر 2018، وكانت بمثابة البداية الحقيقية لأن تصبح الصين شريكاً تجارياً وإنمائياً للقارة الإفريقية.ومن ثم فإن هناك قلقاً أميركياً متزايداً من تنامي هذا النفوذ وخصوصا في منطقة غرب إفريقيا، وبالتالي يسعى بايدن لفتح الطريق أمام الرئيس القادم للولايات المتحدة لمواجهة هذا التغلغل الروسي الصيني داخل الأراضي الإفريقية.رغبة أخرى تحدث عنها غريبة في حديثه لمنصة "المشهد" مكنونة في نفس الولايات المتحدة الأميركية في خضم سعيها لتعزيز التعاون في إفريقيا، وهي الوجود العسكري مرة أخرى عبر إنشاء قواعد عسكرية لها، خصوصا بعد خسائرها بمنطقة الساحل والذي بدا واضحاً في انسحاب قواتها من النيجر، إضافة إلى قرار المجلس العسكري الحاكم في تشاد تعليق الأنشطة العسكرية الأميركية في قاعدة أدجي كوسي، موضحاً أن أميركا لديها تطلعات كبيرة لتكثيف حضورها في غرب القارة السمراء.انعكاسات العودة العسكرية الأميركيةويبدو أن الحديث عن الرغبة الموجودة لدى الأميركيين من وجودهم العسكري داخل إفريقيا لم يكن محض صدفة أو مجرد تكهنات، بل أكد عليها الزيارات التي قام بها قائد القيادة الأميركية في إفريقيا "أفريكوم" الجنرال مايكل لانجلي إلى شمال إفريقيا وشرقها في الفترة الماضية وبحث هذا الأمر مع المسؤولين الأفارقة.لكن هذا الأمر تخوف منه غريبة وتوقع أنه في حال تنامي الوجود العسكري الأميركي في إفريقيا، فمن الممكن أن تنشط عودة الجماعات الإرهابية في دول غرب إفريقيا والتي ستعمل على إثارة المشاعر المناهضة للغرب في تلك الأماكن، وبالتالي من الممكن أن يسفر ذلك عن وجود حالة من الاستقطاب الشديد داخل دول الغرب الإفريقي.وتأتي الزيارة المرتقبة لجو بايدن قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي لا تزال متقاربة إلى حد بعيد، بعد أن أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس متعادلة تقريباً مع منافسها الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب.لذلك يرى الكاتب السوداني صلاح غريبة أن من أبرز أهداف زيارة بايدن لإفريقيا هو الرغبة في الحصول على أصوات أكبر عدد ممكن من الناخبين الأميركيين من أصول إفريقية في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح كامالا هاريس، خصوصا بعد الحديث عن وجود تراجع كبير عن تأييد هذه الفئة لبايدن قبل انسحابه من السباق الانتخابي.وتجدر الإشارة إلى أن الزيارة المنتظرة للرئيس الأميركي جو بايدن، تأتي عقب انتقادات شديدة وجهت له بسبب عدم زيارته للقارة الإفريقية في أي وقت سابق من ولايته التي بدأت في عام 2021، وبعد تغلل كبير وبسط النفوذ الروسي الصيني على عدد كبير من دول القارة، التي ظلت تحت النفوذ الغربي لعقود طويلة.(المشهد )