شكّل الهجوم الذي استهدف في 22 مارس جمهوراً موسيقياً في العاصمة الروسية موسكو، والذي أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عنه لاحقاً، صدمة بالنسبة للروس. وأدى الهجوم، الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 144 شخصا، إلى إحداث شقوق جيوسياسية متعددة. وادعى الكرملين، بعد القبض على جناة مشتبه بهم وتعذيبهم، أن "الإرهابيين" كانوا يتطلعون إلى التوجه نحو أوكرانيا، حيث تخوض روسيا حربا ضارية. ومع تحول الاهتمام شرقًا نحو تنظيم "داعش خراسان"، ظهرت آراء متناقضة، معظمها في وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا مفادها أن هذه عملية زائفة صممها الغرب، وفق مجلة "فورين بوليسي".وأصدرت "داعش خراسان" مقطع فيديو دعائيًا منفصلاً مدته 18 دقيقة بلغة الباشتو يستهدف تواصل "طالبان" الأفغانية مع الهند. وناقش الفيديو كيفية عمل نظام "طالبان" مع الدولة الهندية، التي يعتبرها "داعش خراسان" مؤسسة معادية للمسلمين، حيث لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها تنظيم "داعش" الهند في دعايته. انسحاب واشنطن من أفغانستانوفقا للمجلة الأميركية، شكّل خروج الولايات المتحدة الفوضوي من أفغانستان وعودة "طالبان" اللاحقة إلى السلطة عام 2021 لحظة فاصلة. لكن الخروج من أفغانستان لم يكن قرارا صعبا بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة، حيث كانت واشنطن تتطلع إلى التركيز نحو مجالات جديدة من المنافسة الاستراتيجية في آسيا. ولأكثر من 20 عاماً، استفادت الدول المجاورة لأفغانستان، بما في ذلك الصين وروسيا، من المظلة العسكرية الموسعة التي أقامتها الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. وقد سمح لهما ذلك بمتابعة مصالحهما الاستراتيجية الخاصة مثل تطوير النفوذ داخل الانقسامات العرقية في أفغانستان وسماسرة السلطة الذين يمثلون هذه المجموعات من دون أي التزام عسكري كبير. في 30 أغسطس 2021، غادر آخر جندي أميركي أفغانستان، وبعد عقدين من الزمن، لم تكن هناك عمليات انتشار عسكرية أميركية ضخمة على الحدود الشرقية لإيران في وقت كانت علاقاتها مع واشنطن في أسوأ حالاتها. وبالمضي قدمًا حتى عام 2021، قررت إيران السير في الاتجاه المعاكس، وفتحت قنوات دبلوماسية واقتصادية مع النظام الجديد في كابول. كما اعترفت إيران وروسيا والصين، بحركة طالبان باعتبارها الحاكم شبه الرسمي لأفغانستان.وتنظر الدول الثلاث إلى حكم طالبان باعتباره أزمة أكثر قبولا للتعامل معها من الوجود العسكري الأميركي الموسع في وقت عادت المنافسة بين القوى العظمى إلى السيطرة على العلاقات الدولية المعاصرة مرة أخرى. كما أن باكستان، التي كانت راعية طالبان لفترة طويلة، أصبحت عالقة في صراع مع أتباعها في أفغانستان، حيث تواصل حركة "طالبان باكستان" حملتها المسلحة ضد إسلام آباد.حرب على الإرهاب إن المستوى الكبير من التعاون العالمي ضد "الإرهاب"، والذي تحقق في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وخلال ما يسمى بالحرب العالمية على الإرهاب بات يتآكل بسرعة. وحتى عام 2015، سمحت موسكو لرحلات الإمدادات العسكرية لحلف شمال الأطلسي المخصصة لأفغانستان باستخدام مجالها الجوي. وعلى الرغم من أن معظم هذه القوى المتنافسة ترى أن "داعش" يمثل تهديدًا أمنيًا يتطلب حلولًا عسكرية، فإن الافتقار إلى التجانس يخلق فراغًا هائلًا يمكن أن تزدهر فيه مثل هذه الكيانات. وبينما يضطر معظم جيران أفغانستان اليوم إلى النظر إلى "طالبان" على أنها "طالبان الصالحة"، بالنظر إلى نفورها الأساسي من "داعش" وإيديولوجيتها، فإن هذه الحقائق الجديدة ستجعل الحركة متماسكة وفعالة، والتعاون العالمي ضد الإرهاب أقل احتمالا بكثير. من سيقود الحملة العالمية ضدّ الإرهاب؟ من الناحية العسكرية، فإن نوع القدرة التي تنشرها الولايات المتحدة ضد "الجماعات الإرهابية" لا يزال قويا من دون منازع. وأشارت المجلة إلى أن توسع ولايات تنظيم "داعش" ونفوذه الفردي، كما أبرز الأنصاري، يتحدى هذه النجاحات. وفي إفريقيا، تعمل روسيا على تمكين أمراء الحرب المحليين والهواة من التصدي للتنظيم، في حين تعمل في الوقت نفسه على تعزيز وجودها، خصوصا أن القوى الغربية مثل الولايات المتحدة وفرنسا تكافح من أجل التمسك بمكانتها العسكرية. وكما كشف هجوم موسكو، فإن حقبة التنافس المتزايد بين القوى الكبرى التي تتسامح مع "الجماعات الإرهابية" التي تستهدف خصومها يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى عودة "الإرهاب". وسيمنح هذا المشهد الجيوسياسي الجديد الجماعات الإرهابية، فرصاً أكبر للتوصل إلى تسوية سياسية من خلال المفاوضات أكثر من أي وقت مضى.(ترجمات)