تخوض إسرائيل معركة ديموغرافية شرسة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث تركز على تعزيز التعداد اليهودي من خلال تكثيف الهجرة، بينما تسعى لتقليل النمو السكاني الفلسطيني. في المقابل، يشهد الفلسطينيون ارتفاعا كبيرا في معدلات الإنجاب، حيث تم تسجيل ربع مليون ولادة في غزة عام 2021 وحده، مما ساهم في ارتفاع عدد الفلسطينيين عالميًا إلى 14.63 مليون نسمة بحلول نهاية 2023. قلق إسرائيليتُظهر إحصائيات جهاز الإحصاء الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين تضاعف 10 مرات منذ نكبة 1948، وعلى الرغم من التهجير المستمر، فإن عدد الفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية بلغ 7.3 ملايين نسمة، متجاوزا عدد اليهود الذي قُدِّر بـ7.2 ملايين مع نهاية 2023. هذه الأرقام تمثل الكابوس الأكبر للجيش الإسرائيلي، الذي يعتبر التفوق الديموغرافي الفلسطيني تهديدا يفوق تهديد الفصائل المسلحة وسلاح "حماس"، مما يفسر الاستهداف الممنهج للنساء والأطفال في الحرب الأخيرة على غزة. ووفقًا لإحصائيات وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 40% من قتلى الحرب على غزة هم من الأطفال، بينما 27.4% من القتلى من النساء.في السياق، وقال كاظم أبو خلف، المتحدث باسم اليونيسف، إن إسرائيل تتعمد قتل الأطفال أو إصابتهم بإعاقات دائمة، مضيف أن "هناك 12 ألف طفل فقدوا أطرافهم نتيجة القصف، مما خلف جيلا من المعاقين بفعل الحرب". تحذيرات فلسطينية حذر سابقا مركز الإحصاء الفلسطيني من أن استهداف إسرائيل لفئات عمرية معينة، خاصة الأطفال والشباب، سيؤدي إلى تشوه الهرم السكاني الفلسطيني، متوقعا انخفاض عدد المواليد في السنوات المقبلة بسبب استهداف الرجال والنساء في سن الإنجاب. من جهته، أكد مدير مركز القدس للدراسات الفلسطينية والإسرائيلية، عماد أبو عواد، في حديثه لبرنامج "المشهد الليلة" مع الزميل رامي شوشاني على قناة "المشهد": أن "الصراع الديموغرافي هو هدف إستراتيجي لإسرائيل والولايات المتحدة، ومحاولة الإبقاء على التفوق السكاني اليهودي في الأراضي الفلسطينية ليست فكرة جديدة. ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت نسبة اليهود بين البحر والنهر تزيد على 60%، بينما لم يكن الفلسطينيون يتجاوزون 40%، لكن اليوم، انقلبت المعادلة وأصبح الفلسطينيون 51% مقابل 49% لليهود".وأضاف أبو عواد: "علينا أن ندرك أن جزءًا كبيرًا من اليهود الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية يعيشون خارج البلاد، بينما نسبة الفلسطينيين المقيمين داخل فلسطين تتزايد يوما بعد يوم، هذه المعادلة تُقلق إسرائيل بشدة، ولهذا يسعى قادتها لفرض سياسات تهدف إلى تقليل عدد الفلسطينيين وزيادة المواليد اليهود".وأشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو صرّح في عام 2003 بضرورة تشجيع الولادات اليهودية لمواجهة التمدد الديموغرافي الفلسطيني، وهو ما يفسر السياسة الإسرائيلية الحالية التي تركز على قصف الأحياء السكنية، وقتل الأطفال، والتضييق على الحياة في غزة والضفة.تعطيل النمو السكاني الفلسطيني كشفت تقارير ودراسات صادرة عن جامعات حيفا وتل أبيب أن إسرائيل تعتبر الأطفال الفلسطينيين "قنابل ديموغرافية موقوتة" تهدد مستقبل المشروع الإسرائيلي. وأوضحت هذه الدراسات أن الحل الإسرائيلي المقترح يتضمن استهداف الأطفال حديثي الولادة في غزة، وقصف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء، وهو ما برز في تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين دعوا صراحة إلى قتل الرضع والخدّج.وفي خطوة أثارت الجدل، برّر البيت الأبيض الثلاثاء تجميد المساعدات الأميركية الخارجية بالإشارة إلى وجود برنامج مزعوم بقيمة 50 مليون دولار لتوزيع الواقيات الذكرية في غزة، من دون تقديم أدلة على صحة هذه الادعاءات. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولاين ليفيت، إن إدارة ترامب اكتشفت هذا البرنامج في الأسبوع الأول من توليه الرئاسة، بفضل وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة بقيادة الملياردير إيلون ماسك.وأضافت ليفيت في مؤتمر صحفي: "وجدنا أن 50 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب كانت على وشك أن تُحوّل لتمويل واقيات ذكرية في غزة، وهو هدر غير معقول للمال العام". استهداف النساء والأطفال قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إن 70% من الضحايا الذين تم التحقق من وفاتهم في الحرب هم من النساء والأطفال، واصفا ذلك بـ"انتهاك ممنهج للقانون الإنساني الدولي".وتشير التقارير إلى أن إسرائيل تسعى لإضعاف النمو السكاني الفلسطيني بشتى الوسائل، سواء من خلال الاستهداف المباشر، أو عبر الحصار والتضييق الاقتصادي، أو بالترويج لبرامج صحية مشبوهة تدّعي أنها تهدف لتنظيم الأسرة.منذ عقود، تحاول إسرائيل تعطيل النمو السكاني الفلسطيني، مدركة أن التفوق العددي للفلسطينيين قد يقلب موازين القوى على المدى الطويل.ولهذا، تتبع إسرائيل إستراتيجيات متعددة تشمل التهجير، والقتل الممنهج، وقصف الأحياء السكنية، وحصار غزة، في محاولة لتقليل عدد السكان الفلسطينيين بأي وسيلة ممكنة. (المشهد)