يعيد استئناف العلاقات بين تونس وسوريا ملف الإرهاب إلى الواجهة، في بلد يحاول كشف حقيقة "غرفه السوداء"، وتفكيك الشبكات التي تورطت فيه عبر تجنيد وتسفير الشباب التونسي خلال العشرية الماضية، إلى بؤر التوتر للقتال مع التنظيمات الإرهابية.وأعلنت سوريا وتونس في بيان مشترك، الأربعاء، إعادة فتح السفارة السورية لدى تونس، وتعيين سفير لدمشق خلال الفترة القليلة الوشيكة، وأضاف البيان أنه "حرصًا من الجانبين على إعادة العلاقات بينهما إلى مسارها الطبيعي، يتواصل التشاور والتنسيق بين وزيري خارجية في البلدين، تكريسًا لروابط الأخوّة العريقة التي تجمع سوريا بتونس، وإعلاءً لقيم التضامن والتآزر بينهما، ولما فيه خير ومصلحة شعبيهما.الخارجية التونسية أكدت من جهتها، أنّ "سوريا قررت إعادة فتح سفارة دمشق لدى تونس، وتعيين سفير على رأسها في الفترة القليلة المقبلة"، وقالت: "تجاوبا مع مبادرة رئيس الجمهورية قيس سعيّد بتعيين سفير للجمهورية التونسية لدى الجمهورية العربية السورية الشقيقة، أعلنت السلطات السورية عن موافقتها الفورية على هذا التعيين".وكانت تونس قد قطعت علاقاتها مع سوريا عام 2012، أيّام حكم الرئيس السابق المنصف المرزوقي المحسوب على تيّار الإخوان، ثم عادت لاعتماد تمثيلية محدودة عام 2017 أيام حكم الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.وفي شهر فبراير الماضي، أعلن الرئيس التونسي الحالي، اعتزامه إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، قائلًا: إنه ليس هناك ما يبرر ألّا يكون لتونس سفير في دمشق، وسفير لسوريا في تونس.حقيقة شبكات التسفير يأتي استئناف العلاقات بين تونس وسوريا، في وقت يواصل فيه القضاء التونسي أبحاثه في ما يُعرف بقضيّة "شبكات التسفير إلى بؤر التوتر''. وفي عهد حكم الإخوان وخصوصا خلال السنوات الأولى التي تلت أحداث 2011، هاجر آلاف من الشباب التونسيين نحو سوريا وليبيا، للقتال إلى جانب التنظيمات الإرهابية، عاد البعض منهم في مرحلة لاحقة لتنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات سياسية في البلاد. وشهدت تونس منذ 2011 العديد من العمليات الإرهابية التي استهدفت جنودا وأمنيين وأجانب، كما حدث عام 2013 اغتيال السياسيّيْن المعروفيْن بمعارضتهما للإسلاميين "شكري بلعيد ومحمد البراهمي". وتوجّه أصابع الاتهام إلى حزب "النهضة" الإخواني وحلفائه بالوقوف وراء هذه الشبكات، من خلال تجنيد الشباب، وإقناعه بالسفر إلى سوريا عبر تركيا، وتأمين تكاليف رحلتهم وتسهيلها، وفق ما تؤكده النائبة بالبرلمان فاطمة المسدي لمنصّة "المشهد". وعُرف عن قيادات في حركة النهضة، تحمّسهم للقتال في سوريا الذي يعتبرونه ''جهادا''، ومن أشهرهم الحبيب اللوز الموقوف حاليّا، والذي قال حينها: "لو كنت شابّا لذهبت للجهاد في سوريا". وتقدمت المسدي نهاية العام الماضي، بتقديم شكوى ضدّ قيادات من حركة النهضة، تتهمها فيها بالتورط في شبكات التسفير نحو بؤر الإرهاب، كانت منطلقًا لفتح أبحاث انتهت بإيقاف عدد من القيادين بحركة النهضة والمسؤولين الأمنين، من بينهم رئيس الحكومة السابق، ونائب رئيس حزب النهضة علّي العريض. ويقول الباحث في الشؤون الجيوسياسية رافع الطبيب لمنصّة "المشهد"، إنّ تونس كانت أكثر بلد مصدّر للإرهابيين إلى سوريا، مضيفا أنه" خلافا لدول أخرى كانت تونس تفعل ذلك بوجه مكشوف، لأنّ التسفير حينها كان سياسةَ دولة وحكومة إخوانية". وتتضارب الأرقام الرسمية حول عدد المرتزقة التونسيين في مناطق القتال وخصوصا سوريا، لكن هناك اجماع على أنّهم يُقدّرون بالآلاف، وقدّر فريق عمل تابع لمفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، كُلف بمتابعة ملف المرتزقة في بؤر التوتر، عدد التونسيين الملتحقين بمنظمات إرهابية ببؤر التوتر، موزعين على سوريا وليبيا والعراق ومالي واليمن، بأنّه بين 5300 و5800 وذلك وفق تقرير صادر في شهر يوليو 2015. في حين قدّرتهم اللجنة التونسية لمكافحة الإرهاب (حكومية)، في 2019، بـ 3 آلاف، عاد منهم إلى تونس 1000 عنصر إرهابي، وذلك منذ 2011 ولغاية أكتوبر 2018. منعطف جديديتوّقع كثيرون أن يعطي استئناف العلاقات بين تونس ودمشق، منحًى جديدًا للتحقيقات في ملف "شبكات التسفير"، وتقول المسدي، إنّ ذلك سيمنح فرصة للقضاء التونسي لتوجيه إنابات دولية، من أجل سماع متهمين او استجلاب وثائق لها علاقة بالملف، مضيفة، أنّ المئات من الموقوفين يقبعون الآن في السجون السورية، وأنّ السلطات السورية التي لديها اعترافات وبراهين وتسجيلات ستساعد على كشف الحقيقة، رفضت تسليمهم إلى السلطات التونسية بسبب عدم وجود قنوات تواصل رسميّة. وهو ما يؤكده الطبيب الذي يقول إنّ الملفات الحقيقية التي تدين مَنْ حكَم تونس خلال العشرية السوداء، وتكشف مدى تورطهم في ملف الإرهاب، موجودة في سوريا، وتوقّع أن يثمر استئناف العلاقات بين البلدين تقدّما كبيرا في سير التحقيقات، والاطاحة بأسماء كبيرة تورطت في ملف الإرهاب، مضيفا: "من المؤكد أنّ اعترافات الموقوفين ستعرّي الحقيقة كاملة، وستكشف عمّن جنّد ويسّر سفر هؤلاء".أهمية المحاسبة تفتح عودة العلاقات بين تونس ودمشق الباب أمام تحقيق مطلب مهم يرفعه التونسيون، وفق الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي، الذي يقول لمنصّة "المشهد" إنّ استئناف العلاقات بين البلدين علاوةً على كونه تصحيحًا لخطأ ارتكبه الإخوان من أجل جعل تونس ممّرا لتصدير الإرهابيين، ومعوّلا على تنفيذ مشروع استهدف المنطقة، فإنه سيساهم في الاستجابة لمطلب المحاسبة. ويشدّد السياسي التونسي على أنّ عودة العلاقات مع سوريا، سيكشف كل ما كان يحدث في الغرف السوداء لمن حكم تونس خلال العشرية الماضية، لأنه "سيعطي فرصة للأجهزة الأمنية للتعاون في ما بينها"، مضيفا: "علاوة على كشف هويّة من ارتكب الفعل منذ التجنيد، وصولًا إلى التمويل والتسفير، سيحدّد ذلك مسؤولية الأطراف السياسية التي تورّطت في قتل التونسيين، والتي هي ليست سوى حركة النهضة وهذا أمر يعلمه كل التونسيين". بدوره يؤكد الطبيب أنّ التونسيين يطالبون بمحاسبة من غرّر بأبنائهم وقتل جنودهم ودمّر بلدهم، وهذا المسار وفق رأيه، مرتبط بكشف الحقيقة كاملة، مضيفا، "لا يمكن لتونس أن تغلق ملف الإرهاب نهائيّا، من دون كشف الحقيقة كاملةً والتي تملك سوريا جزءا مهمّا منها".(المشهد)