أدى تكليف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مستشاره الاقتصادي ورجل الأعمال البارز محمد مصطفى بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة، بتأجيج لهيب الأزمة القائمة بين حركتي "فتح" و"حماس" منذ العام 2007، لتعود إلى الواجهة السياسية، وتطفو على السطح المتأزم أصلاً بفعل الحرب ومآلاتها.وخلال الساعات الماضية، اندلعت حرب كلامية بين الطرفين وتبادلوا الاتهامات بشأن تعزيز الانقسام بين الفلسطينيين، وهو ما أثار الغضب بسبب استمرار الخلاف بينهم رغم مقتل وإصابة أكثر من 100 ألف فلسطيني في الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ 5 أشهر.وغداة صدور القرار، أدانت حركة "حماس" قرار تعيين محمد مصطفى رئيساً للوزراء، وقالت "تعيين حكومة بدون توافق وطني هو خطوة فارغة بالتأكيد من المضمون وتعمّق الانقسام" بين الفلسطينيين.لكنّ ردّ فتح لم يتأخّر، إذ سارعت الحركة التي يتزعّمها عبّاس إلى إصدار بيان اتّهم "حماس" بالتسبّب بـ"نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة العام 1948". وقالت فتح في بيانها إنّ "من تسبّب في إعادة احتلال إسرائيل لقطاع غزة، وتسبّب بوقوع النكبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة، لا يحقّ له إملاء الأولويات الوطنية". واتهمت "فتح" "حماس" بأنّها "تفاوض الآن إسرائيل وتقدّم لها التنازلات تلو التنازلات ولا هدف لها سوى أن تتلقّى قياداتها ضمانات لأمنها الشخصي".تصريحات "حماس" "منسلخة عن الواقع"من جانبه، قال الناطق باسم حركة فتح عبد الفتاح دولة: "تصريحات (حماس) حول الحكومة الجديدة منسلخة عن الواقع، وتفتقر لأدنى درجات المسؤولية التي تتطلبها هذه المرحلة الفارقة من تاريخ قضيتنا الفلسطينية، والتي تطلّبت تشكيل حكومة كفاءات جديدة غير فصائلية قادرة على عبور هذه المرحلة، بما يخدم مصالح وحقوق شعبنا ومستقبل وجوده".وأكد دولة في حديثه مع منصة "المشهد": "تكليف هذه الحكومة جاء نتيجة نقاشات معمقة ومتواصلة خلصت إلى أن هذه المرحلة المعمدة بالدم تطلب حكومة بطابع مختلف تكون حكومة الشعب الفلسطيني تحافظ على وحدة الوطن الجغرافية والمؤسساتية والإدارية، ومكانة قطاع غزة كجزء لا يتجزأ من الوطن وإعادة إعماره وإنعاش الحالة الاقتصادية".ولفت دولة إلى أن "الحكومة جاءت بإرادة فلسطينية خالصة، وكلفها الرئيس محمود عباس وفقاً للقانون الفلسطيني الأساسي مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية، وكان على (حماس) أن ترحب بها، لأنها تتحمل مسؤولية إنقاذ شعبنا وإنقاذ قطاع غزة وإعادة الحياة له بعد كل ما أصابه من موت وتدمير، ما بعد السابع من أكتوبر".وختم قوله "على (حماس) أن تسأل نفسها في مسألتي التفرد والانقسام وتراجع سلوكها السياسي منذ الانقلاب وحتى اليوم، وستدرك حجم الضرر الذي تعرض له مشروعنا الوطني التحرري نتيجة لهذا السلوك، كما عليها أن تدرك ما معنى أن لا ترهن نفسك لأحد، وأن تكون صاحب قرار مستقل لا تخضع لأجندات من لا يريدون الخير لقضيتنا، ومن ثم تتحدث عن التفرد والانقسام".جاء تصاعد الخلاف بين الطرفين بعد أيام قليلة من عقد مشاورات بين الطرفين في موسكو برعاية روسية نهاية الشهر الماضي، في محاولة لعقد مصالحة وطنية ولم شمل الفلسطينيين.وكانت شرارة الانقسام الفلسطيني اندلعت بعد فوز حركة "حماس"في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006، وحصدت غالبية مقاعد البرلمان 76 من أصل 132، حينها رفضت حركة "فتح" وبقية الفصائل المشاركة في الحكومة التي شكلتها "حماس" برئاسة إسماعيل هنية، لغياب التوافق على البرنامج السياسي.اشتدت الخلافات وسرعان ما تحولت إلى اشتباكات مسلّحة، ما أدى إلى سيطرة "حماس" على قطاع غزة منذ يونيو 2007 حتى اللحظة.وفشلت الجهود العربية والدولية حتى الآن في التوفيق بينها وبين حركة فتح التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية.ويريد الفلسطينيون أن تكون المنطقتان أساسا لقيام دولتهم المستقلة في المستقبل."تفرد بالقرار وتعزيز للانقسام"من جانبه أشار القيادي في حركة "حماس" محمود مرداوي، إلى أن "حركة (حماس) تنطلق في موقفها من قاعدة حماية مصالح الشعب الفلسطيني، وعدم السماح لإسرائيل بتحقيق أهدافها من الحرب الشعواء المستمرة ضد قضيتنا الفلسطينية؛ لذلك لا بد من وقف مسلسل التفرد في القرار الفلسطيني؛ فالموقف الوطني يستدعي تشكيل حكومة متفق عليها مع الفصائل الفلسطينية، لتعبر عن احتياجات شعبنا ولمواجهة المخططات الإسرائيلية، التي تستهدف تفتيت الصف الداخلي وضرب الجبهة الداخلية".وأضاف مرداوي في تصريحات لمنصة "المشهد": "الحكومة الجديدة التي شكلها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، جاءت في إطار الاستجابة للمطالب الأميركية، وليس تعبيراً عن تطلعات الشعب الفلسطيني؛ فاليوم السلطة لم تكن على قدر المسؤولية التاريخية، التي تفرضها الحرب ضد القضية الفلسطينية في ظل الابادة الجماعية وتسارع مشاريع الاستيطان والتهويد".وأكد أن "خطوة الرئيس عباس، تأتي في سياق ترسيخ حالة الانقسام وتعزيز حالة التفرد في القرار الفلسطيني، ولا تسهم في الوصول لوحدة حقيقية، يمكن أن تكون رافدا لدعم صمود وبقاء الشعب الفلسطيني".حكومة بلا مستقبل بدوره، أوضح المحلل السياسي أشرف العجرمي، أن "تشكيل الحكومة من قبل الرئيس محمود عباس قوبل بغضب من قبل حركة حما" وبعض الفصائل الفلسطينية، فلم يتم التشاور معها، وكانت تسعى لحكومة توافق وطني".وأضاف الهجرمي في حديثه مع منصة "المشهد" : "بدون التوافق الحكومة ليس لديها مستقبل للعمل في غزة، والتراشق الحاصل بين حركتي فتح و(حماس) مرتبط بهذه النقطة، فحركة (حماس) تتطلع لإقامة حكومة بالاتفاق معها وليس بتجاهلها، وستبقى الأمور مأزومة إذا لم يتم التوصل لاتفاق بين الفصائل".وبالنسبة لتداعيات التراشق بين الطرفين، قال "بدون حكومة فلسطينية قادرة على توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، لا يمكن الحديث عن دولة فلسطينية، وهذه الحكومة إن لم تستطع العمل في قطاع غزة فلن تتمكن من توحيد المؤسسات الفلسطينية بالضفة وغزة، ناهيك بأن الإدارة الأميركية ربطت كل شيء بحكومة فلسطينية متجددة، وفكرة إقامة حكومة فلسطينية ستكون غير قابلة للتنفيذ في ظل الخلافات". وحول تأثير الخلافات الناشبة بين الحركتين على إعادة إعمار قطاع غزة، يرى العجرمي "عملية إعادة إعمار غزة مرتبطة بإقامة حكومة فلسطينية وعودة السلطة إلى غزة، أما إذا تمت عملية الإعمار تحت إدارة محلية مقبولة في غزة، هذا أمر خطير على المشروع الفلسطيني الأكبر، والعملية السياسية التي ستؤدي لإقامة دولة فلسطينية، وشرطها الأساسي حكومة فلسطينية فاعلة مقبولة دولياً وإقليمياً وفصائلياً، وتستطيع العمل في غزة والضفة، وبحاجة لتوافق غير قائم حالياً".(المشهد - القدس)